ملاحظة هامة : المقال لا يهدف إلى الدفاع عن أحد أو اتهام أحد ، الاتهام و الدفاع محله القانون و سلطاته و مواضعه ، كما أود التنويه إلى أنني لا أؤيد سياسياً بذاته و لا أرى جدوى في الانتصار لسياسي أو جهة سياسية قد تخطئ و تصيب ، أقدس فقط الرموز الدينية ما دامت تحمل الله ضميراً في قلوبها قبل أن تشهره أيقونة على عمائمها ، الكاتب صدري قد لا يتوافق مع رؤيتك و هذا حقك في التلقي ، المحبة للجميع و لمن صدق المجد
اللاعب الصدري .. في فرضية الاحتراف السياسي
على امتداد الفترة من عام 2003 حتى ساعة كتابة هذا المقال بقي التيار الصدري مثار جدل واسع في العراق و خارجه ، هذا التيار الذي برز مقاتلاً و لاعباً سياسياً ، يمتلك من الإمكانات ما يندر أن يمتلكه غيره فهو وافر الحضور في المشهد الاجتماعي العراقي ، و مقتدر في جانب الحشد الجماهيري ، كما تشكل قواعده معادلاً ثابتاً نسبياً يمكّنه من الانطلاق في وضع الاطمئنان على عتبات صناديق الاقتراع .
و على امتداد الفترة هذه حدث الكثير مما لا يمكن إيجازه و مما لا يستهدفه هذا المقال ، غير أننا في هذا التحول المهم الذي بدا أكثر وضوحاً في ظرف الأسبوعين المنصرمين نحاول استقراء الوضع من عمق مناسب قد لا يكشفه تسارع الأحداث على سطح المشهد اليومي .
أصدر السيد حيدر العبادي هذا اليوم قراره الحاسم بالإصلاح السياسي ، و الذي قد يراه البعض ـ متوهماً ـ بأنه إصلاح تطغى عليه الصبغة الاقتصادية للظرف الحرج الذي يمر به البلد و لتوفير عائدات مالية يمكنها حل جزء من الأزمة ، و السؤال الأهم أمام هذا الحدث هو : إلى أين سيقود هذا القرار ؟ و هل هناك شيء مخفي في عقلية الصانع السياسي و المشارك في هذا القرار ؟
يقود القرار بشكل واضح و عملي ـ بعد المصادقة عليه في مجلس النواب ـ إلى شطب مناصب مهمة جرت على وفقها مفاوضات حل أزمة الاستحقاق الانتخابي و تشكيل الحكومة الحالية ، إذن نحن أمام شطب مناصب نواب رئيس الجمهورية و نواب رئيس الوزراء ، و ما دمنا بإزاء التيار الصدري و دور اللاعب السياسي فيه فلنا أن نتساءل : ما هي خسارة التيار الصدري سياسياً عند هذه النقطة ؟ تبدو الإجابة واضحة ، سيخسر منصب نائب رئيس الوزراء والذي يشغله السيد بهاء الأعرجي .
الإتيان على ذكر نائب رئيس الوزراء بهاء الأعرجي يجعلني أتوقف قليلاً ، لأنه في فترة الأسبوعين المنصرمين شهد بروزاً على صفحات التواصل الاجتماعي و وسائل الإعلام ، و تعرض لحملة من خصومه السياسيين و حظي بحملة ردة الفعل من أنصاره ، و بعيداً عن اتهامه و رده ، تصلح هذه النقطة للولوج في ما نحن بصدده ، هل كان منصب نائب رئيس الوزراء الذي يشغله الأعرجي ورقة اللاعب الصدري ؟! لماذا ضحى المفاوض الصدري في تشكيل الحكومة بعدة وزراء ليحصل على هذا المنصب ؟ هل نحن الآن على موعد مع الإجابة عن استغراب الكثيرين من تصرف المفاوض الصدري بهذا النحو والذي عدّه الكثيرون خسارة سياسية في حينه ؟
ماذا لو كان المفاوض الصدري لعب في منطقة لم يلتفت إليها غيره ؟!! هنا نحن بحاجة للعودة إلى تفاصيل ننتقيها من شريط أحداث امتدت لسنوات ، كان أهمها :
- عدم التفات الشارع العراقي و الشيعي منه بالخصوص لطبيعة العلاقة بين السيد مقتدى الصدر و السيد السيستاني ، فهذه العلاقة بقيت غير واضحة لدى الغالبية ، بل و مغلوطة الفهم أيضاً ، إن هذه العلاقة بدأت تنحو منحى آخر أكثر فاعلية حين صرح السيد مقتدى الصدر بأنه رهن إشارة المرجعية الدينية في النجف الأشرف ، و ذلك بعد جمعة واحدة من تصريحه بأنه لا يقر إلا بولاية الشهيدين الصدرين في إشارة للعلاقة مع السيد الحائري ، مثل هذا التصريح مرّ مرور الكرام حتى على المختصين في هذا الشأن ، غير أنه دشن توجهاً أكثر فاعلية بين السيد الصدر و السيد السيستاني لا أدلّ عليه من رهن السيد الصدر ـ و في فترة حرجة من مقاومة المحتل ـ حلّ جيش المهدي و حصره بقرار يصدر من السيد السيستاني و هو ما لم يفعله الأخير !! كما أن صورة هذه العلاقة تتضح أكثر كلما اقتربنا زمنياً من الحاضر ، فقد أمسى ممكناً للمتتبع أن يرصد بوضوح أن مواقفهما متطابقة و مؤيدة لبعض ، و يمكن أن يُستدل ـ كنموذج ـ على مواقفهما في ما يخص الحشد الشعبي .
- تمرير السيد الصدر للولاية الثانية للسيد نوري المالكي رغم الرفض في بادئ الأمر ، و هو موقف استغربه المطلعون على المشهد السياسي حينذاك ، و برره البعض بالضغط الإيراني ، وهو ما نفاه بشدة و لأكثر من مرة السيد الصدر ، لماذا إذن وافق السيد الصدر على الولاية الثانية للمالكي ؟!! في حينها كانت الأغلبية مع الولاية الثانية ، لا أقل من الأغلبية الشيعية ، و قد نال الصدر و أتباعه ما نالهم من النقد و التجريح و تحميل مسؤولية عدم المصادقة على تسنم المالكي رئاسة الوزراء ، كما نالهم من الطرف الآخر تحميلهم ـ بعد ذلك ـ مسؤولية الموافقة على تسنمه رئاسة الوزراء من معارضيه !! فلماذا إذن صادق الصدر على ولاية ثانية للمالكي ؟ هل لأن الولاية الأولى خرج من خلالها المالكي بطلاً منقذاً و هو يعلن صولاته على محافظات الجنوب ذات الغالبية الشيعية ؟! هل أراد الصدر أن يكمل المالكي شوطه حتى نهايته ليبرهن بأنه غير جدير بمنصبه ؟ وهو ما حدث فعلاً حين خسر في آخر ولايته تلك الموصل و المحافظات الغربية ، هل كان تمرير الولاية الثانية مناورة سياسية من الصدر كي لا يتحول المالكي إلى رمز ؟ لأنه غير جدير بذلك من وجهة نظر معارضيه و الصدر وتياره من أبرزهم ؟ هل لكي يتضح الفساد بشكل أبين من قبول استقالة فلاح السوداني ؟!! هل كانت مناورة للإجهاز على مستقبل المالكي كله ؟
- و غير بعيد عن ما جاء أعلاه في(2) الموقف المتشدد الذي اتخذه السيد الصدر تجاه المنشقين عن التيار و أخص منهم بالذكر العصائب ، إذ لم يسبق للسيد مقتدى الصدر أن اتخذ موقفاً تجاه أحد ـ حتى خصومه ـ بهذه الشدة !! هل كان السيد الصدر يتوقع أن تأمر إيران الحكومة العراقية و على رأسها رئيس الوزراء السابق باحتواء تشكيل العصائب و ضمهم و إعطاء قياداتهم الحصانة و رفع التهم عنهم و الإفراج عن معتقليهم و تبرئتهم بل و زجهم في العمل السياسي تحت غطاء دولة القانون ؟!! كيف لا يتوقع السيد الصدر كل ذلك و هو يعلم بأن العصائب أمست تحت ولاية الفقيه ؟!! لقد كان واضحاً لغيره فضلاً عنه و هو العالم بخفايا مثل هذه العلاقة أكثر من غيره ، إن دخول العصائب و تشكيلات أخرى منشقة تحت غطاء الحكومة آنذاك و برعاية ودعم إيراني أعطى تصوراً سلبياً للولايات المتحدة الأمريكية تجاه ( حليفها ) الأقوى في العراق ، و جعلها تعيد صياغة موقفها تجاه نوري المالكي ، الأمر الذي لم يكن واضحاً لدى الأخير بالدرجة التي تمكّنه من إمساك العصا الأمريكية ـ الإيرانية من الوسط و اللعب على هذين الوترين المضطربين ، إذ لاحقاً خسر ـ بمراهنته على الموقف الأمريكي ـ دعم الجمهورية الإسلامية ! الصدر الذي وصفه المالكي بأنه لا معرفة لديه في الشأن السياسي يبدو أنه كان أعقد من أن يتنبأ الأخير بمناوراته !
- إعلان السيد مقتدى الصدر اعتزال السياسة ، قرار آخر مثير للجدل ، جابهه البعض من خصومه بالاستخفاف ، غير أنه بعد تشكيل الحكومة أصبح من الممكن الوقوف على سبب من أسبابه ، قرار تخلص من خلاله السيد الصدر من الضغط الشيعي الداخلي و الخارجي ، و أوكل مهمة الجدل حول الولاية الثالثة لكتلة الأحرار ، مؤكداً في الوقت ذاته قناعته بأن لا سبيل للسيد المالكي لولاية ثالثة و هو ما تحقق فعلاً .
- نجاح المفاوض الصدري في الجهد السياسي لتشكيل الحكومة والذي تم من خلال النجاح في تغيير بوصلة الاستقطاب داخل التحالف الوطني والتأكيد على أن الحكومة ستخرج من رحم هذا التحالف لا من رحم دولة القانون ، و أنا أنقل و على مسؤوليتي قول المفاوض الصدري حينها ( إذا حضر المالكي اجتماع التحالف و جلس على طاولته فأنا أضمن لكم إفلاسه من الولاية الثالثة ) كان قول المفاوض هذا في بداية المفاوضات و قبل طرح اسم العبادي مرشحاً لرئاسة الوزراء ، غير أن السيد المالكي كان أبعد من أن يفهم بــ ( حنكته ) السياسية ماذا يعني مجرد القبول بحضور اجتماع التحالف الوطني آنذاك ، فهو في نظره ـ كما صرح مقربون منه ـ مجرد اجتماع لا يقدم و لا يؤخر !! كان أبعد من أن يمتلك مناورة فاعلة مضادة لمناورة اللاعب الصدري و هو صاحب أكبر عدد مقاعد في مجلس النواب ، العدد الذي كان يؤهله لرئاسة الوزراء ، بل لإعاقة أي مرشح آخر على أقل تقدير !!! و هو ما لم يستطعه بعد تشظي كتلته من داخل حزب الدعوة ، و حصول مرشح اللاعب الصدري على بطاقة المرور لرئاسة الوزراء
بعد تلك المعطيات ، هل نحن بإزاء الشوط الثاني و الذي قد لا يكون الشوط الأخير في فرضية احتراف اللاعب الصدري ؟ هل إن تضحية المفاوض الصدري بالاستحقاق الانتخابي مقابل منصب نائب رئيس الوزراء صفحة أخرى في المسكوت عنه ؟ هل خطط المفاوض الصدري ـ خصوصاً مع ما نراه من دعم كبير لقرارات العبادي من قبل التيار الصدري ـ للإطاحة بمن يراهم السبب في ما وصلنا إليه و على رأسهم السيد المالكي ؟! هل كان يخطط للوصول إلى نقطة الإصلاح السياسي تلك من خلال السيد العبادي ليكون أول من يتخلى عن منصبه و يخرج بطاقته هو ممثله ؟ ليحرج الآخرين و يسلط عليهم ضغطاً كبيراً بحجم المظاهرات التي خرجت ليؤيدها زعيم التيار ـ و يؤكدها ببيان صدر الآن بالتهيؤ لمظاهرة مليونية أمام البرلمان ـ و تشارك فيها جماهيره ، هل هي المرحلة الأولى لحجب حصانة المنصب و الشروع في تقليب ملفات الفساد الأخرى السابقة منذ 2003 حتى يومنا هذا ؟ كيف لا و واحدة من قرارات العبادي تشكيل لجنة للتحقيق و فتح ملفات فساد أغلقت بأمر من السلطات العليا آنذاك ، هل بهاء الأعرجي ورقة من أوراق اللاعب الصدري رفعها في الوقت المناسب لتثار ضده هذه الحملة التي لن تقف عنده بل ستطال نواب رئيس الجمهورية و نواب رئيس الوزراء ؟ فكيفما انتهت نتائج التحقيقات و مقررات اللجنة المنعقدة بأمر العبادي حينها سنعلم بأن اللاعب الذي كان هاوياً فتح الطريق المغلقة بإحكام لتمر في محظورات السادة نواب رئاسة الجمهورية و رئاسة الوزراء ، و حينها فقط سنكون أمام ( لا حصانة أمام القانون ) .
هامش ارتيابي : ربما تكون الحملة التي شنت على الأعرجي و التي دعمها و باشر أعمالها خصومه من تدبير ماكنة اللاعب ذاته ، خصوصاً ما لو نظرنا إلى رد المعني و الذي يبدو أنه لن يوصل لإدانته بل العكس تماماً .