لابد من الاعتراف أولاً أننا كشرقيين، بغض النظر عن الدين والعرق والقومية واللغة وحتى نوعية الحكم والاقتصاد والاجتماع، نملك خاصية مشتركة تتمثل في صعوبة تقبل النقد أو الرأي المخالف أو المعاكس لرأينا إن احتقار الرأي الآخر أو رفضه يؤدي للتوتر والعصبية وفشل العلاقات بين البشر, بل وقد يصل الامر بين الطرفين لتصرفات غير قانونية وغير لائقة تؤدي لمشاكل يصعب حلها.
لا أحد منا يحترم الآخر، أو يعترف بحقه في الاختلاف، فمنطق "من ليس معي فهو ضدي" يزرع الضغينة بين الناس ويفرض الرأي بالقوة، ويجبر الجميع على أن يتحولوا إلى قطيع بلا رأى أو رؤية.
أين ثقافة الاختلاف؟ تلك الثقافة التي تعني احترام كل وجهة نظر ورأي واختيار مخالف لآرائنا وأفكارنا وسماعه ومناقشته في أجواء يسود فيها الاحترام والهدوء وسعة الصدر، تحت شعار اختلاف الآراء والأذواق والأفكار في حد ذاته رحمة للأمة، ونعمة من نعم الله علينا، وبصيرة لا يفقهها إلا العقلاء، كذلك هو درجة من درجات التفكّر والتعقل، ولولا الاختلاف في أنماط التفكير وطرح الآراء لما تطور الإنسان.
لكن للأسف فلقد نشأت مجتمعاتنا العربية على ثقافة يسود فيها الخلاف، بمعنى مخالفة كل ما يعارض أفكارنا وتفكيرنا وميولنا، وقد ترسخت تلك الثقافة في اللاشعور العربي نتيجة للتخلف والتأخر الذي عرفته مجتمعاتنا، وذلك نتيجة عوامل عديدة، أهمها الأنظمة القبلية التي سادت ولا تزال سائدة في بعض الدول العربية.
بالإضافة إلى الزعامات السياسية الأحادية والمهيمنة والديكتاتورية التي حكمت ولا يزال معظمها يحكم، فالكل في واحد، والواحد هو الزعيم الملهم المسيطر المفوه ذو الكاريزما الطاغية، الذي إن مات أو قتل ضاع الرمز، وتاهت القضية، وانفرط العقد، وتجرأ الفئران على الأسود، فالفراغ الحالي لا بد لأحد وأن يملأه، وغياب الكبار يتيح الفرصة للصغار لكي يكبروا وقد يتجرؤون.
إن سنّة الحياة قائمة على الاختلاف، سواء كانت جغرافية أم تاريخية أم فلسفية أم علمية، الاختلاف وارد في كل شيء -معنويا وماديا- وسواء قبلنا ذلك أم لم نقبل، فالحنظل موجود والمانجو أيضا، الحرير والصوف الخشن، الحديد والذهب، كلها ذات طبيعة مختلفة، حالها حال الآراء والأفكار المختلفة التي يتبناها الإنسان أو يعتقد بها، فلماذا إذن لا نتكيف معها؟ ولماذا الضجة والبهرجة السياسية والإعلامية تحاصر الفرد عندما يعلن طرح فكرة جديدة؟!
ولماذا يتهم بالبدعة والضلالة والخروج عن ملّة الإسلام؟! ولماذا نضجّ عندما لا تعجبنا أفكار الآخرين، فنقوم بتحقيرها وتسفيهها والتهجم على متبنيها؟ في حين أننا غير مرغمين على قبولها، بل وفي إمكاننا رفضها بكل حرية؟! الفرد حرّ طليق في قبول أو رفض أي رأي، أي فكر يختلف معه جملة أو تفصيلا، على أن تكون لديه -بالضرورة- ثقافة الاختلاف مع آراء الآخرين والتعايش بمرونة وسلم معهم
إذن الثقافة بلا اختلاف، كرأس بلا عقل، شجرة بلا ثمار، أو جسد بلا روح، مع الأخذ في الحسبان أن الاختلاف يفقد قيمته حينما يتحول إلى خلاف أو عداء شخصي، فاختلاف الفرد في رأيه مع الآخر، ميزة إيجابية قد تكشف لأحدهما أو لكليهما قصورا ما، فيسارعان إلى إعادة النظر فيما اختلفا فيه، فيدفع كل منهما نفسه أو الآخر إلى التصويب بقصد أو بغير قصد.
فليس هناك ضرر أو ضرار في ذلك الاختلاف، ما دامت نتيجته محمودة العواقب، وأن كلا منهما يتقبل الآخر، حتى وإن لم يتوصلا إلى أن يقنع كل منهما الآخر، فالمحصلة النهائية تتجسد في قبول ثقافة الاختلاف مع الرأي الآخر، وأيضا لغة التفاهم، على ألا يُكرِه أحدهما الآخر على قبول رأيه بشكل تعسفي، تغيب عنه لغة التعقل والمنطق ولكن كيف؟!
إن المعارضه للرأى دائما ما تؤدى بالتأكيد إلى فقدان الموده مع من تعارضه فى الراى. معارضتك ستتسبب فى رد فعل عصبى دفاعا عن الرأى. هذا الأسلوب يجعل الطرف الآخر غير مستعد للتفاهم أو التنازل و لو عن جزء من رايه لتتقابلا فى منطقه و سط ترضى الطرفين. الأفضل أن تسأل نفسك هل من الضرورى أن أعبر عن إعتراضى للرأى الآخر ؟ ما الذى أتوقع تحقيقه من هذه المعارضه ؟ إذا شعرت إنه من الواجب أن تعارض لسبب جوهرى و ليس لمجرد المخالفه .
إبدأ بطرح أسئله عن لماذا يشعر هذا الشخص بهذا الشعور تجاه هذا الموقف؟ و لماذا كون هذا الرأى ؟ و ما هى الحقائق التى تدعم هذا الرأى؟ إسأل هذه الأسئله من باب حب الإستطلاع دون تحدى, وتقبل الإجابه بعقل متفتح يقبل الإجابه الصحيحه الصادقه منه دون تحفز للهجوم على الطرف الآخر من ناحيتك. بمجرد أن سمعت و إقتنعت يمكنك أنت أيضا أن تكون رأيك و تختار بين الموافقه أو مجرد الصمت دون أن تضطر للرفض.
الحقيقه هى, إن معظم الأشخاص قد يكون لديهم رأى مختلف و لكنهم يتعاملوا و يتعايشوا بتناغم مع الآخرين دون صراع. إن رفض الرأى الآخر هو الذى يسبب المشاكل و السلوك العدوانى . يجب أن نتعلم الإختلاف بأدب دون إسائه لأحد لمجرد أنك إختلفت معه فى الرأى. العناد و التعنت فى التمسك برأيك و كأنك أنت الوحيد الذى لا يخطأ وأن رأيك دائما هو الصحيح, هو الذى يوسع المشاكل.
تعامل مع أى رأى بعقل منفتح و إستمع بتركيز لأسباب الطرف الآخر, هو أيضا له كل الحق أن يكون له وجهه نظر وأن يعبر عنها. إدرس رايك جيدا هل هو الصح إذا كان كذلك بالنسبه لك, إحترم الطرف الآخر فهو أيضا يعتبر نفسه هو الأصح. إنك يمكن أن تعيش و تتفاهم بموده مع الآخرين مهما إختلفت الآراء. إن الله خلقنا مختلفين لنتعارف ولا نتشاجر إذا أراد الله لجعل الكل و احد و الرأى واحد. إن النقد الدائم للآخرين و الإستخفاف برأيهم ليست من الشجاعه أو دليل قوه فى شىء بل العكس هو الصحيح .الصوت العالى يعتبر محاوله لإخفاء الضعف و قله الحجه. إحترم راى الآخرين ليحترموا رأيك و تسود الموده بين الناس.