روتانا
يعتقد الكثيرون في المجتمع العربي أن المرض النفسي أقرب للجنون، ما يجعله وصمة عار يمنع المرضى من تلقي العلاج المناسب، وبالتالي تتدهور حالاتهم، ليؤثر ذلك على حياتهم الأسرية والمهنية والاجتماعية، وربما يسوء الأمر ليصل إلى الانتحار.
وقد يلجأ بعض المرضى النفسيين إلى المشعوذين والدجالين للعلاج من أمراضهم تحت مسمى "اللبس الشيطاني والسحر والأعمال السفلية"، بدلاً من اللجوء إلى الطبيب النفسي, خوفاً من نظرة المجتمع السلبية لهم.
وساهمت وسائل الإعلام في تدعيم النظرة السلبية للمريض النفسي، والتي تظهره بصورة كوميدية وكأنه "مجنون" يجب عزله وتجنبه لأنه "خطر على الآخرين. ولا تختلف صورة الطبيب النفسي في الإعلام عن مريضه، حيث تظهر أيضاً بصورة كوميدية كأنه يعاني- هو الآخر- من أمراض نفسية تصل للجنون.
وهنا تؤكد الإحصائيات أن 50% من حالات الانتحار هم مرضى يعانون من الاكتئاب والذي يمكن علاجه، وهو ما يعني أن اللجوء للطبيب النفسي ينقذ حياة المريض قبل فوات الأوان.
كما كشفت إحصائيات حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية أن مرض الاكتئاب، يحتل المرتبة الثالثة بين الأمراض التي تؤدي إلى الوفاة، بعد أمراض القلب وحوادث الطرق.
يقول الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق:
"إن نظرة المجتمع العربي للمريض النفسي تغيّرت كثيراً عما قبل، حيث أصبحت أكثر إيجابية من ذي قبل، إلا أنها مازالت تتسم بالجهل بطبيعة المرض النفسي".
وأضاف د.عبدالله: "ليس هناك معرفة حقيقية بطبيعة المرض النفسي وتقديم الدعم له والاعتناء النفسي به، وكيف أن الضغوط على المريض تؤدي إلى تدهور حالته الصحية".
ويجيب عن تساؤل "متى يشعر المريض أنه بحاجة إلى زيارة طبيب نفسي"، قائلا: "عندما يتعطل عن أداء حياته الطبيعية، ويمتنع عن الذهاب للعمل أو التعامل مع الناس، أو تتملّكه أفكار شاذة غير عقلانية، واستمرت هذه الأعراض لفترة طويلة، يجب عليه أولاً الذهاب لطبيب عضوي للتأكد من تعافيه من أية أمراض عضوية تتسبب في هذه الأعراض".
ويتابع: "إذا ثبت أنه لا يعاني من أمراض عضوية أو يتعاطى أدوية لها آثار جانبية تؤثر عليه نفسياً، فيجب عليه اللجوء لطبيب نفسي فوراً قبل تدهور حالته".
أما سبل توعية المجتمع بطبيعة المرض النفسي، فيوصي الطبيب النفسي بنشر المعرفة الحقيقية من خلال المجلات المتخصصة والبرامج الفضائية وتدشين حملات توعوية مجتمعية، مضيفا أنه يجب ألا تكون المسلسلات السبيل الوحيد لنشر المعرفة عن المرض النفسي، لما تحمله من مغالطات فادحة.