الأزمة العربية يمكن إختصارها بالقول أنها أزمة عقلية , رؤيوية , تصوّرية , وعْيَويّة , إدراكية , ذات منعكسات سلوكية جحيمية!!
فالخلل في آليات المَدارك والتفاعلات العقلية المُحجبة بالإنفعالات والعواطف النارية البركانية.
فالرأس العربي عبارة عن بركان مَلجوم بصخرة عاطفية ذات إنفجارات إنفعالية مذهلة , وهذه الصخرة ذات طبيعة بالونية , فما أن تمسها حتى تضبح وتتقدد فتتناثر أجزاؤها ويعمي العيون والبصائر غبارها , ويخنق كل مستنشق لهواء , وطامح لضوء.
الطرﮔاعة العقلية تساهم في صناعتها مئات الآلاف من الأدمغة المُطرگعة , التي لا ترَ إلا وفقا لأنفاق مآلاتها الظلماء , وما تكنزه من حفر الضلال والبهتان , وأساليب إمتهان الإنسان وإعتقاله في زنازين الأسر الهذياني , وأصفاد الأوهام والغشاوات النكراوية , ذات الطاقات والتوجهات الحامية لتقطيع أوصال الحياة , وتعبأتها بأكياسٍ ذات لونين على طرفي ألوان الطيف الوجودي , فيندحر الكون في وعاءٍ خسراني إنقراضي مشين.
أي أن العقل قد تبرمج وفقا للمفاهيم الطرﮔاعية , وتمترست في أقبيته الغائرة تواصلات وإشتباكات عُصيبية , ذات قدرات إستبدادية تسخّر ما في الشخص لغاياتها العدوانية , دون النظر لمصلحته ومصيره , ذلك أنها تسرقه من ذاته وموضوعه وتمتلكه بالكامل , حتى لتجده يتحرك مقطوعا عمّا فيه وما حوله , مخمورا بصهباء ما يحتويه كأس ذاته السقيمة , التي تستوطنها أوبئة طاعونية ذات عدوى شديدة , ورغبة إبادة عدوانية.
فالعقل المُبرمج وفقا لآليات "الطرﮔاعة" , يكون متحفزا لتسويغ وتبرير ما تمليه المتاريس العاطفية المتنفذة , والمتحكمة بما يبدر من الشخص في المحيط الذي يتحرك فيه.
ووفقا لذلك تم تصنيع الكراسي والقادة والمجتمعات والدول الطرﮔاعة , وبهذا الأسلوب تتحقق المصالح والمشاريع الخلاقة بلا جهد وخسائر , وإنما بأرباح مضاعفة وإنجازات موفقة وشاملة , وعامرة بالولادات الجديد لمشاريع ذات ربحية فائقة.
فلماذا تتطرگع العقول والمجتمعات والدول والشعوب , وتابى أن ينتصر العقل ويسود العلم , والتفاعل المنطقي الوجيه المتحقق في أوعية وطنية وأخلاقية وقيَمية , ذات معايير وتقاليد وقوانين ودساتير إنسانية تحافظ على حق البشر في الحياة الحرة الكريمة؟!
ولماذا تتحول الأديان إلى ذرائع لإستباحة الحياة والفتك بالبشر؟
هل لأن العقل من السهل مصادرته وإنتصار العواطف عليه , أم أن النفس الأمّارة بالمساوئ هي عقلنا وسيدنا وآمرنا المتغطرس فينا؟!!
*الطرﮔاعة: بمعنى التشويش والإضطراب والإقلاق والإزعاج والفوضى.
والعنوان مستوحى من تعليق الأستاذ حمودي الكناني على أحد مقالاتي.