ألأوامر والتعليمات لذئاب( الحاكمية ) صريحة ولذلك تراهم ينفذوها بحذافيرها.. ومع كل تلك ألأوامر والتعليمات الصارمة الا أن هنالك منهم من أولئك الذئاب يشعر بالذنب ولذلك تراه ينحرف عن زملائه وينأبه ضميره لذلك يتصرف كالبشر .. ولم لاء ؟؟اليس من لحم ودم ؟؟؟.كانت تلك ( الصحوة ) تحدث أيام الخميس ( بعد الظهر ) حيث ألأغلبية يتركون العمل بسبب نهاية ألأسبوع وكذلك أيام الجمع والعطل الرسمية ، حيث قلة المتابعة من قبل رجال ( أمن الدائرة ) والذي واجبهم مراقبة منتسبيهم مباشرة أو بواسطة الكاميرات المنصوبة في القاعات و ألأماكن ألأخرى .. حيث هنالك غرف لمتابعة تصرفات وتحركات المنتسبين ولكن أيام الجمع والعطل تكون المراقبة أقل !!.
لذلك لم نكن نستغرب حينما كنا في تلك ألأيام يقوم أحد أفراد الحرس بتقديم مساعدة للمعتقل في زنزانته .. شخصياٌ تلقيت أكثر من مساعدة .. أتذكر منها :
• في فجر أحد ألأيام بعد أن أعادوني ال زنزانتي ( سحلاٌ ) بسبب الجروح والكسور في جسمي .. فتح أحدهم باب الزنزانة وقدم لي ( مزهرية كبيرة ) مملؤة بالشاي( الحار والحلو ) .. فرحت جداٌ بحيث لم أصدق ما رأيته .. مكرمته كانت بمثابة ( بلسم ) لجروحي .. لم أنساها مطلقاٌٌ !!.
• في ظهر أحد أيام ( الجمعة ) .. فتح أحدهم شباك الموجود على باب الزنزانة وناولني ( حفنة ) من أجود أنواع التمور !!! يا الهي كم كانت لذيذة بعد حرمان من أي مادة ( حلوة ) لأشهر طويلة !!.
بعد أن نقلونا الى ( معتقل / أبو غريب ) علمت أن الذي كان يساعدنا أحد الشباب من أهالي مدينة الرمادي ويدعى ( شاكر الدليمي ) ... شتانة بينه وبين المجرم / محمد خضير الدليمي !!!.
كان ذلك الشهم ( شاكر الدليمي ) يفعلها مع ألأكثرية .. حيث كان يناول المدخنون سيكارة ويحذره من أن يذكر ألأمر لأحد وبالتالي ينصحه كيف يتخلص من ( أعقاب السيكاير) من دون أن يترك أي أثر .. مساعداته كانت مجازفة بمعنى الكلمة .... فلو علموا بأمره لوضعوه في أحدى الزنزانات وتعاملوا معه كأي متهم لابل أكثر .. مع ذلك كان مستمراٌ في تقديم الدعم اللازم للجميع ولكن في ألأوقات المناسبة !!.
طيلة وجودنا في ( الحاكمية ) لم نسمع كلاماٌ يليق بالبشر الا مرة واحدة ... ياترى لماذا ؟؟؟.
حادثة تستحق الذكر :
في منتصف شهر أكتوبر من العام / 1995 .. في حينها كنت لا أزال في الزنزانة المرقمة / 10 ... من خلال الحركات وألأصوات علمت بأن هنالك أمرا ما .. ولكنني لم أعرف الموضوع بالضبط .. بعد نصف ساعة أو أقل .. . فتحوا باب زنزانتي .. فأذا برجل يرتدي ( بدلة أنيقة ) وورائه عدد من الرجال يحملون أوراقا.. تقدم نحوي ومد يده وقال :
ــ مرحبا أخ جلال .. كيف الصحة .. عساك بخير !!!.
تعجبت من أمره !! ماذا يقول ؟؟ آخ جلال ...!! عساك بخير ..!! أكاد لا أصدق .. أين نحن ؟؟ هل أنا أحلم ؟؟ أم ماذا ؟؟.
وأنا في هذا التفكير وهو مستمر في الكلام وقال :
ــ أخي جلال .. اليوم جئنا بأستمارات .. وهنالك أستمارة لك حول التصويت حول ألأستفتاء لبقاء السيد الرئيس كرئيس للجمهورية ... أنت حر ..!! تستطيع أن تقول ( نعم .. أو ..لاء ) !!!.
من دون تفكير قلت له :
ــ وأين أكتب نعم ؟؟.
قال : وستكتب نعم ؟؟.
قلت : بالتأكيد .. ولم لاء ؟؟.
قال : بارك الله فيك الله يسهل أمرك !!.
كتبت في الحقل ( نعم ) كتبت أسمي ووقعت .. ذهبوا وأغلقوا الباب !!.
أي مجنون هذا ...؟؟ وهل أنا مجنون أقول لاء؟؟ وياترى ماالذي يؤثر الـ ( لاء) الذي أطرحه ؟؟؟.
كل المعتقلين كانوا قد كتبوا ـ نعم ـ الا شخص واحد !!!.
ذلك الشخص هو الدكتور / إبراهيم البصري !!!.
ولأبراهيم البصري مواقف شجاعة لايمكن لأحد أن يتخذها .. نعم لقد رمى بالأستمارة بوجوههم وقال :
ــ وهل أنا مجنون حتى أصوت لـ ( صدام حسين ) ؟؟ والله أقص أصابعي أذا كتبت ـ نعم ــ لا أكتب نعم لشخص يضطهدني ويموتني ببطأ .. قولوا لصدام حسين أن إبراهيم البصري يقول ...لاء!!.
أندهشت اللجنة أمام هذا الرأي وألأصرار .. فباتوا يتوسلون به تارة ويهددونه تارة أخرى .. وأخيراٌ سمعنا (من فتحات ألأبواب .. حيث تتسرب ألأصوات) يقولون له :
ــ يادكتور أنت تلعب بالنار... ذنبك على جنبك !!.
رد عيهم :
ــ أية نار وأنا أموت في كل يوم الف مرة ... أعدموني وخلصوني من هذا الوضع .
إبراهيم البصري كان شجاعاٌ ولايهاب !!!.... وهل تعلمون أين هو آلآن ذلك البطل ؟؟؟.
أنه يعيش في بغداد ( منسياٌ ) كأثرية المناضلين الحقيقيين ... أنها مآساة .
كانت أيام مرة ولاتنسى أطلاقاٌ!!!.
قد يستغرب القارىء الكريم من عنوان الحلقة ..!! ولكنها حقيقة واقعة وأكثر .. نعم لقد كان ( ذئباٌ ) كاسراٌ في الحاكمية ..لابل كان يتربع على قمة هرم تلك المؤسسة القمعية ، فكان الحاكم ألأول وألأخير والمطلق ، حيث كان مسؤلاٌ عن ( قطيع من الذئاب) المتوحشة... وألأهم تصريحاته وتوجيهاته لذئابه :• أرموا بقلوبكم في ( براميل القذارة ) !!.
• نسيان شىء أسمها ـ الرأفة والشفقة ـ !!.
• كل من دخل الحاكمية ، حتى لو كان شاهد .. يستحق ألأعدام !!.
• ضغوطات نفسية مبتكرة بحق المعتقلين وهنالك حوافز للذي لديه الجديد!!.
• لايمكن للذي يدخل الحاكمية ويخرج من دون عقوبة .. حتى لو كانت سنة واحدة !!.
• تصريحات وأراء أخرى .. كلها شاذة وغريبة !!.
نعم أنه ( الذئب الكاسر ) والذي كان على هيئة بشر ( ظلماٌ وعدواناٌ ) .. بأختصار أنه (محمد خضير الدليمي) من أهال محافظة ألأنبار ، ناحية ( الخالدية ) والملقب بين أقرانه بـ ( أبو صماغ ) لكبر رأسه المتحجر وضخامته وأساليبه الوحشية الغريبة والشاذة !!.
ظل ( أبو صماغ ) في موقعه كمدير للحاكمية لمدة طويلة .. وكانت فترته ألأسؤ أطلاقاٌ حيث أحال المئات من الشباب والشيوخ والنساء الى حبل المشنقة وأكثر من ذلك العدد بأحكام مابين الخمس سنوات والحكم المؤبد!!!... قبل سقوط النظام يغضب عليه ( عـُدي) ويعزله من منصبه ولكنه ينقل الى مكان أخر ليمارس شذوذه تجاه ألأبرياء... أنه آلآن المطلوب من قبل القوات ألأمريكية والعراقية وهنالك جائزة لمن يدلي بمعلومات وتسبب في أعتقاله أو أغتياله !!.
كان طويل القامة ... ضخم الجسم بشكل غير طبيعي ومن العلامات الفارقة أن جانب من شاربه ـ أبيض ـ والجانب ألأخر أسود .. قوي مفتول العضلات .. كفاه كالمسحاة .. لن يضرب أحداٌ ولا أسقطه أرضاٌ!! وكان يتباهى بقوته وضرباته للمعتقلين المساكين الذين فقدوا الكثير من الوزن والقوة بسبب الجوع والتعذيب والخوف والتهديد .. فأي شجاع هذا الشاذ ؟؟؟.
شخصياٌ حقق معي وضربني وعذبني وسبب في كسور من ( أضلعي ) ورأسي وبقيت أعاني من آلآلآم لفترة طويلة جداٌ !!.
صحيح أنه كان المسئول ألأول .. ولكنه كان يتلذذ بأستجواب المتهمون .. كان يملك العدد الكافي من المحققين ولكن مع ذلك كان يشاركهم في التحقيق بالأخص القضايا المهمة وبحق المعتقلين الذين كانوا بأستطاعتهم الصمود أمام التعذيب والتهديد !!.
كانت لديه عبارة يكررها مع المتهم ويقول :
ــ ولك ... أنا محمد خضير .. بأمكاني أن أجعل ( الصخر ) يتكلم .. أعترف أحسن لك .. والا يشهد الله أحطم جمجمتك .. وأنهيك من الوجود !!!.
كان يشرب الخمر طوال الليل .. يشرب حتى الثمالة .. حينها يخرج وورائه ( شلته المريضة ) ويراقب المحققون أثناء التحقيق .. وفي الوقت الضروري يتدخل وقد حسم الكثير من القضايا .. وكان يتباهى بأساليبه القذرة والوحشية !!!.
وكان يكرر أيضاٌ :
ــ عود الى وعيك ... أين أنت ؟؟ قابل أنت في مركز شرطة ؟؟؟ أصحى أنت في المخابرات العراقية وتحت رحمة (محمد خضير) .!!!.
كان ( قذر اللسان ) يتفوه بكلمات سوقية ..لامجال لذكرها هنا ..أطلاقاٌ !!.
حادثة تستحق الذكر :
في اليوم ألأول من القاء القبض على .. وفي المساء ( عصبوا عيوني) ووضعوا ( الحديد ) في يداي وأقتادوني الى الطابق السفلى .. وهناك جعلو وجهي الى الجدار لأكثر من نصف ساعة .. وحينها أدخلوني الى غرفة كبيرة .. أجلسوني على كرسي دوار .. وفتحوا عيوني.. وأذا بي مقابل رجل يرتدي ( قطعتين ) أزرق اللون وبفمه سيكارة من نوع ـ مارلبورو ـ ..قال لي :
ــ الحمد الله عالسلامة ... هل تعرفني؟؟؟.
أجبت بالنفي ... فقال :
ــ أنا اللواء الركن / مانع عبد رشيد التكريتي ... مدير جهاز المخابرات!!!. .. سأعاملك بلطف .. أجب عن أسئلتي بصراحة وحينها أعطيك كلام شرف!! ستعود الى عائلتك يوم غد ( معزز مكرم ) !!!.
قلت له وأنا حاضر سأرد بكل صدق !!.
كانت أسئلته مايلي :
• من هو مسؤلك المباشر في حلقة ألأغتيالات ؟؟.
• من كان الضحية ألأولى في قائمتكم ؟؟.
• من يمولكم في ألأغتيالات؟؟.
• أين تدربتم .. وكم تدربتم ؟؟.
• وعشرات ألأسئلة ألأخرى !!!.
حينما نكرت أدعائته .. ضربني بالسكين الذي يفتح الرسائل ولكن من حسن حظي لم أصب بأذى بسبب قرب المسافة !!.
حينها قال :
ــ أخرجوه الى الخارج ليفكر لمدة ساعة .. قدموا له ألأكل والشرب وحينها لي معه جولة أخرى !!.
قبل الخروج أخبرته :
ــ لا أملك أية معلومات ومن غير تفكير أو أنتظار !!.
غضب وقال بالحرف الواحد وهو يؤشر الى رجل ضخم يقف بجواره ( محمد خضير ) .. :
ــ أنا أعاملك بلطف.. صدقني هذا الذئب يؤشر على (محمد خضير ) ..لايرحمك وسيحطم جمجمتك وجمجمة أهلك وعائلتك معاٌ!!!.
أخرجوني الى غرفة مجاورة .. قدموا لي أنواع ( المقبلات والكباب وعلب البيبسي كولا والشاي والسكاير ) وفاكهة ... لم اذق منه ولاشىء سوى الشاي..والسبب كنت أعرف التالي!!!.
حينما عجز من أنتزاع شىء مني ..قام وقال :
ــ حذرتك .. وأنت المسؤل ... محمد .. شوف شغلك!!!.
تصوروا المنظر..الذئب يأمره ( سيده ) بأجراء اللازم !!.
تصوروا كسر ضلعاٌ من أضلاعي.. ورأسي وساقي .. والدماء تسيل مني وقال :
ــ غداٌ ستتلقى المزيد !!!.
كانت أياماٌ سود ..لا أنساها طالما أنا حي !!.