كلنا سمعنا وشاهدنا كيف انتفض ابناء العراق ضد الفساد ليدق ناقوس الخطر لدى الحكومه بان الشعب اذا انتفض سقطت شرعيتها
إنها لحظة فارقة، لا مكان فيها للمائع، أو الأُلعبان، أو الثعبان، أو المسموم، أو المأزوم. لحظة وطن يهيج فيه جنون الخسة، فتسقط الأقنعة عن شائه الوجوه وتشع بظلمتها سود الضمائر، يُرخِّص الشيطان لأصحابها أقذر الأسلحة، ويُحلل أخبث الوسائل، لا لإنقاذ شرعية مزعومة أسقطت نفسها بسوء أدائها قبل الإعلان عن سقوطها، بل لوهم استعادة غنيمة مخطوفة بحجم العراق التاريخي.
لحظة فارقة لا تخلو من قلق السؤال: هل كانت خطوة الجيش الوطنى محسوبة عندما أصغى لأنين الأمة واستجاب لخروجها الهادر الصارخ؟ سؤال يطوف بالخاطر فى لحظة من الهرج والمرج الشريرين اللذين يصطنعهما زعماء عصابة يُعلون مصالحهم الضيقة فوق سلامة الأهل وسلام الأوطان. سؤال له إجابة بديهية فى ميثاق شرف البسالة: وهل فى إغاثة أمة ملهوفة أية حسابات لدى الفرسان من أبنائها سوى مجد المسارعة إلى الغوث! وبرغم بديهية هذا السؤال الجواب، إلا أنه قد يلزمه التعزيز بإقناع العقل لا الاكتفاء بانفعال الوجدان، ومن ثم نفترض وضعا يبلوره سؤال جديد: ماذا لو لم يتحرك الجيش لتلبية نداء الأمة؟
كانت ستخرج الملايين سلميا كما خرجت قبل أن تتبين موقف الجيش، تفيض فى الشوارع والميادين فى كل أركان البلاد كما حدث، تفور وتهدر دونما استجابة من الجالس فى سدة الحكم وجماعته، وإذا استمر خروج الأمة يطلق عليها الحاكم الصدفة تابعيه، ويستدعى لها كافه صنوف الجبش ومكافحه الارهاب والشرطه ، ويتم ترويع البلاد والعباد فيسود الصمت ولو إلى حين، وفى هذا الحين تسرِّع العصابة من إيقاع التمكين والأخونة، وربما تستعير من أشباهها خارج الحدود ما يدعم مخططها لتحويل الوطن الكبير إلى إمارة فى كيان طائفىٍ عابرٍ للأقطار، بغض النظر عن ضلال هذا الطموح وتنافره مع العصر. وكما إمارة حماس فى غزة أو طالبان فى أفغانستان أو دولة البشير فيما بقى من السودان، يستتب الحكم بالقوة والقهر تحت لافتات التدين الزائفة، وتنتعش جماعات التطرف كقوة احتياطية للقمع. وفى هذا السيناريو الكابوسى الذى كان ممكنا جدا أن يحدث لو لم يتحرك الشعب