لا خيل عندك تهديها ولا مال..رائعة المتنبي
لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ**فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ
وَاجْزِ الأميرَ الذي نُعْمَاهُ فَاجِئَةٌ**بغَيرِ قَوْلٍ وَنُعْمَى النّاسِ أقْوَالُ
فَرُبّمَا جَزَتِ الإحْسَانَ مُولِيَهُ**خَريدَةٌ مِنْ عَذارَى الحَيّ مِكسالُ
وَإنْ تكُنْ مُحْكَماتُ الشّكلِ تمنَعُني**ظُهُورَ جَرْيٍ فلي فيهِنّ تَصْهالُ
وَمَا شكَرْتُ لأنّ المَالَ فَرّحَني**سِيّانِ عِنْديَ إكْثَارٌ وَإقْلالُ
لَكِنْ رَأيْتُ قَبيحاً أنْ يُجَادَ لَنَا**وَأنّنَا بِقَضَاءِ الحَقّ بُخّالُ
فكُنْتُ مَنبِتَ رَوْضِ الحَزْنِ باكرَهُ**غَيثٌ بِغَيرِ سِباخِ الأرْضِ هَطّالُ
غَيْثٌ يُبَيِّنُ للنُّظّارِ مَوْقِعُهُ**أنّ الغُيُوثَ بِمَا تَأتيهِ جُهّالُ
لا يُدرِكُ المَجدَ إلاّ سَيّدٌ فَطِنٌ**لِمَا يَشُقُّ عَلى السّاداتِ فَعّالُ
لا وَارِثٌ جَهِلَتْ يُمْنَاهُ ما وَهَبَتْ**وَلا كَسُوبٌ بغَيرِ السّيفِ سَأْآلُ
قالَ الزّمانُ لَهُ قَوْلاً فَأفْهَمَهُ،**إنّ الزّمَانَ على الإمْساكِ عَذّالُ
تَدرِي القَنَاةُ إذا اهْتَزّتْ برَاحَتِهِ**أنّ الشقيَّ بهَا خَيْلٌ وَأبْطَالُ
كَفَاتِكٍ وَدُخُولُ الكَافِ مَنقَصَةٌ**كالشمسِ قُلتُ وَما للشمسِ أمثَالُ
ألقائِدِ الأُسْدَ غَذّتْهَا بَرَاثِنُهُ**بمِثْلِهَا مِنْ عِداهُ وَهْيَ أشْبَالُ
ألقاتِلِ السّيفَ في جِسْمِ القَتيلِ بِهِ**وَللسّيُوفِ كمَا للنّاسِ آجَالُ
تُغِيرُ عَنْهُ على الغارَاتِ هَيْبَتُهُ**وَمَالُهُ بأقَاصِي الأرْضِ أهْمَالُ
لَهُ منَ الوَحشِ ما اختارَتْ أسِنّتُهُ**عَيرٌ وَهَيْقٌ وَخَنْسَاءٌ وَذَيّالُ
تُمْسِي الضّيُوفُ مُشَهّاةً بِعَقْوَتِهِ**كأنّ أوْقاتَهَا في الطّيبِ آصَالُ
لَوِ اشْتَهَتْ لَحْمَ قارِيهَا لَبَادَرَهَا**خَرَادِلٌ مِنهُ في الشِّيزَى وَأوْصَالُ
لا يَعْرِفُ الرُّزْءَ في مالٍ وَلا وَلَدٍ**إلاّ إذا حَفَزَ الضِّيفَانَ تَرْحَالُ
يُروي صَدى الأرض من فَضْلات ما شربوا**محْضُ اللّقاحِ وَصَافي اللّوْنِ سلسالُ
تَقرِي صَوَارِمُهُ السّاعاتِ عَبْطَ دَمٍ**كَأنّمَا السّاعُ نُزّالٌ وَقُفّالُ
تَجْرِي النّفُوسُ حَوَالَيْهِ مُخَلَّطَةً**مِنهَا عُداةٌ وَأغْنَامٌ وَآبَالُ
لا يَحْرِمُ البُعْدُ أهْلَ البُعْدِ نائِلَهُ**وغَيرُ عاجِزَةٍ عَنْهُ الأُطَيْفَالُ
أمضَى الفَرِيقَينِ في أقْرَانِهِ ظُبَةً**وَالبِيضُ هَادِيَةٌ وَالسُّمْرُ ضُلاّلُ
يُرِيكَ مَخْبَرُهُ أضْعَافَ مَنظَرِهِ**بَينَ الرّجالِ وَفيها المَاءُ وَالآلُ
وَقَدْ يُلَقّبُهُ المَجْنُونَ حَاسِدُهُ**إذا اختَلَطْنَ وَبَعضُ العقلِ عُقّالُ
يَرْمي بهَا الجَيشَ لا بُدٌّ لَهُ وَلَهَا**من شَقّهِ وَلوَ کنّ الجَيشَ أجبَالُ
إذا العِدَى نَشِبَتْ فيهِمْ مَخالِبُهُ**لم يَجْتَمِع لهُمُ حِلْمٌ وَرِئْبَالُ
يَرُوعُهُمْ مِنْهُ دَهْرٌ صَرْفُهُ أبَداً**مُجاهِرٌ وَصُرُوفُ الدّهرِ تَغتالُ
أنَالَهُ الشّرَفَ الأعْلى تَقَدُّمُهُ**فَمَا الذي بتَوَقّي مَا أتَى نَالُوا
إذا المُلُوكُ تَحَلّتْ كانَ حِلْيَتَهُ**مُهَنَّدٌ وَأصَمُّ الكَعْبِ عَسّالُ
أبُو شُجاعٍ أبو الشّجعانِ قاطِبَةً**هَوْلٌ نَمَتْهُ مِنَ الهَيجاءِ أهوَالُ
تَمَلّكَ الحَمْدَ حتى ما لِمُفْتَخِرٍ**في الحَمْدِ حاءٌ وَلا ميمٌ وَلا دالُ
عَلَيْهِ مِنْهُ سَرَابيلٌ مُضَاعَفَةٌ**وَقَدْ كَفَاهُ مِنَ الماذِيِّ سِرْبَالُ
وَكَيْفَ أسْتُرُ ما أوْلَيْتَ من حَسَنٍ**وَقَدْ غَمَرْتَ نَوَالاً أيّهَا النّالُ
لَطّفْتَ رَأيَكَ في بِرّي وَتَكْرِمَتي**إنّ الكَريمَ على العَلْياءِ يَحْتَالُ
وَللكَوَاكِبِ في كَفّيْكَ آمَالُ**حتى غَدَوْتَ وَللأخْبَارِ تجوالٌ
وَقَدْ أطَالَ ثَنَائي طُولُ لابِسِهِ**إنّ الثّنَاءَ عَلى التِّنْبَالِ تِنْبَالُ
إنْ كنتَ تكبُرُ أنْ تَخْتَالَ في بَشَرٍ**فإنّ قَدْرَكَ في الأقْدارِ يَخْتَالُ
كأنّ نَفْسَكَ لا تَرْضَاكَ صَاحِبَهَا**إلاّ وَأنْتَ على المِفضَالِ مِفضَالُ
وَلاتَعُدُّكَ صَوّاناً لمُهْجَتِهَا**إلاّ وَأنْتَ لهَا في الرّوْعِ بَذّالُ
لَوْلا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ؛**ألجُودُ يُفْقِرُ وَالإقدامُ قَتّالُ
وَإنّمَا يَبْلُغُ الإنْسانُ طَاقَتَهُ**مَا كُلّ ماشِيَةٍ بالرّحْلِ شِمْلالُ
إنّا لَفي زَمَنٍ تَرْكُ القَبيحِ بهِ**من أكثرِ النّاسِ إحْسانٌ وَإجْمالُ
ذِكْرُ الفتى عُمْرُهُ الثّاني وَحاجَتُهُ**مَا قَاتَهُ وَفُضُولُ العَيشِ أشغَالُ