اناسازي "الجزء 2"
أمسكت بذراعي واستندت ثم نظرت إلى الأعلى وقالت:
- أنا أرى شبحاً على رأسك!
شعرت بالذعر وتحسست رأسي فلم أشعر بشيء. نظرت لها مجدداً وقلت :
- لـ .. لكن .. كيف ..؟
تجاهلت سؤالي ثم ضحكت وقالت :
- هل تصبح رفيقي بالحفل التنكري؟ يعجبني تنكرك!
كانت هناك مرآة كبيرة ، استدرت ونظرت إلى المرآة ولكنني لم أر داريا فوق رأسي.
نظرت إلى الفتاة المتنكرة مجدداً وقلت :
- هل ترين شيئاً على رأسي ..؟
شعرت بالخوف وأنا أنظر إلى عينيها الزرقاوين من تحت قناعها الأسود. كانت تحدق لي بتفحص وهي تعض على شفتها السفلى .. قامت بطلاء شفتيها باللون الأحمر اللامع وكانت هنـاك حبة خال بنية صغيرة في جانب ذقنها الأيسر .
عادت تبتسم ثم قالت :
- لقد كنت أمزح معك فقط.
كان ذلك المزاح غريباً، ولم يطمئن قلبي على الإطلاق.
اقتربت مني كثيراً فتراجعت للخلف، اقتربت أكثر حتى التصق ظهري بالمرآة وعندها همست الفتاة :
- ما رأيك في تنكري إذاً ؟
- جـ .. جيد.
اقتربت أكثر حتى كادت أن تلتصق بي وعادت للهمس:
- يجب أن تكون رجلاً نبيلاً وأن تقول "ممتاز يا أميرتي" هل فهمت ؟
- حـ حسناً.
- هيا قلها إذا أيها النبيل!
- مـ .. ممتاز!
ابتعدت عني أخيراً فالتقطت أنفاسي، ولكنها عادت تقول بصوتها الناعس :
- هل تعرف بأن شعرك يعجبني كثيراً؟ لكن انه بعيد المنال فأنت طويلٌ حقاً!
قفزت لتصل إلى رأسي وبدأت بتحريك شعري، ثم قفزت مجدداً وحركت شعري مرة أخرى .. شعرت بشعور غريب، شعور بأنني أريد أن تنشق الأرض وتبتلعني .
عادت للضحك وقالت:
- هل تشعر بالخجل؟ لقد ظننت أنك بلا مشاعر فأنت تبدو بارداً، إلا أنني أرى شيئاً من اللون الوردي يظهر على وجهك!
أمسكت معصمها بقوة وقلت :
- أرجوك لا تلمسي شعري.
- لماذا!
لم أعرف بماذا أجيب، فتعلقت بذراعي وقالت:
- حسناً سأمسك ذراعك ، هيا بنا سوف نتأخر عن الحفل ..
ركضت وهي تجرني خلفها، ولكن ما ان اقتربنا من صالة الحفل الكبيرة حتى توقفت ثم نظرت لي من تحت قناعها وقد تناثرت بعض خصلات شعرها البني القصير حوله وقالت:
- هيا انه دورك،
أخرجت قناعاً أسود صغير يغطي العينين من ثوبها الدانتيل الكثيف ووضعته فوق عيناي ثم ربطته خلف راسي وقالت وهي تبتسم :
- تبدو وسيماً جداً .
شعرت بالبرودة تسري في جسدي ثم قلت بتلكؤ :
- مـ .. ماذا الآن؟
قالت وهي تمسد يدي :
- الآن انت قم بأخذي إلى صالة الحفل، سوف ندخل دخولاً قويا وسيلاحظنا الجميع ! اتفقنا؟ أنا ادعى كيتي وانت؟
- شـ .. شين.
ابتسمت وقالت :
- حسناً الآن.
لم يتحرك جسدي، انا ... ببساطة .. لم استطع فعل هذا!
نظرت لي بخيبة أمل ،، كان الضيوف يدلفون الى القاعة وقالت كيتي :
- هيا شين يجب ان ندخل هكذا سوف اكون سعيدةً حقاً!!
قلت بشجاعة وأنا أنتزع ذراعي ببعض الجفاف :
- لا يمكنني أن أحضر الحفل بصحبتك ، ماذا تكونين هل انتِ أميرة ؟
نظرت لي وقالت :
- لا يهم! إنه حفل تنكري. انت أمير وأنا أميرة، هذا كل مافي الأمر . نحن أمراء عالم السواد.
تمتمتُ متسائلاً :
- ماذا؟ عالم السواد؟!
نظرت في عينيها مباشرة . تلك العينان الزرقاوتان الواسعتان ،، إنهما تمتلك السعادة . لا يمكنها أن تعرف أي شيء عن عالم السواد والألم .
همست :
- وماذا تعرفين عن عالم السواد؟
- أي شخص سيكون بجانبك سيموت في لحظات ! هذا هو .
صعقت لتلك الإجابة. تراجعت وأنا أبتعد عنها، لقد كانت مخيفة بالنسبة لي، كانت تنظر لي من تحت قناعها وشفتيها المطلية باللون الأحمر الداكن .. لاتكفان عن الابتسام واظهار تلك الأسنان البيضاء المتراصة .
اصطدمت فجأة بأحدهم، بدى متشكياً وقال بتذمر :
- انتبه أيها الشاب!
توقفت في مكاني، ثم ركضت بسرعة إلى داخل الحفل لأهرب منها.
ولأن الكل كانوا واقفون في أماكنهم .. دخلت للمكان مندفعاً احاول التخفي بين الناس، وكانت "كيتي" تركض خلفي .. وحدث لها ما أرادت فدخولنا تباعاً ونحن نركض جعلنا ملفتين للنظر .
تعلقت كيتي بذراعي بسرعة وهي تهمس في أذني وتضحك بمرح:
- أعجبني ذلك الدخول كثيراً أيها النبيل .
نظرت لها وشعرت بقليل من الرضى لأنها بدت سعيدة، على الرغم من محاولتي الهروب منها في بادئ الأمر .
جلسنا على سفرة دائرية صغيرة، نحن الاثنان فقط . وتكلمت قائلة مع بدء الموسيقى :
- هيا شين، يجب أن نرقص رقصة بارعة ! هل سمعت؟!
نظرت إليها وقلت :
- ومامعنى هذا؟
جذبتني من ذراعي نحوها وركضت مسرعة إلى وسط الصالة، كانت الأضواء مختلفة قليلاً وتساءلت:
- ماذا سنرقص؟
شعرت بالعصبية مما تقوم به وتلك المرة سحبتها من يدها خلفي وهي تعترض وتصيح وجميع الناس ينظرون نحونا باستغراب ..
خرجت من صالة الحفل وقلت بعصبية :
- ماهذا؟! لم َ تتعمدين إحراجي! أنا لا أعرف ماتتكلمين عنه! أنا لا أعرف حتى كيف أقرأ واكتب .. أتعرفين ماهي وظيفتي ..؟
كانت متفاجئة بعض الشيء ولم استطع تبين مشاعرها الكاملة بسبب قناعها الأسود .. وهمست بخفوت:
- مـ .. ما هي ..؟
- طاهٍ . أنا طاهِ بهذا القصر، مجرد فتى لا يعلم أي شيء!
شعرت بالإذلال وخلعت قناعي وألقيت به أرضاً ثم انصرفت .
عدت إلى غرفة الطهاة وخلعت بزتي بسرعة ثم طويتها بحرص في لفافة من الورق المقوى حتى لا تتسخ . كان جميع العمال يغطون بالنوم . وضعت البزة أسفل سرير الصغير في الركن ثم ارتميت على وسادتي وأنا أحاول أن أنام .
في اليوم التالي كان أخي جيمي يسأل عني ، عندما خرجت نظر لي بخوف وتساءل، ولكن مالبثت أن اعتذرت ولكنه أوقفني قائلاً :
- هل انت بخير يا عزيزي؟
رفعت رأسي ونظرت إليه ، قلت بصدق:
- أنا آسف .
ومددت يدي باللفافة الورقية ثم قلت :
- أنا لم استحق تلك البزة الأنيقة . ومع ذلك فقد حضرت الحفل التنكري .
لم يأخذ البزة من يدي بل نظر إلى عيني مباشرة وقال:
- لقد حصلت على منحة دراسية من السيدة آريشبالد شخصياً .
- دراسية؟
تساءلت ولم أكن أعرف حقاً عن ماذا يتكلـم ! عاد يقول :
- سوف تبدأ تعليمك بالاكاديمية العليا . ولكن عليك في البداية أن تبدأ من الصفر مع بعض الأساتذة .
كان يبدو على جيمي الحماس. ولكنني كنت مبهوتاً.
وكيف أحصل على منحـة وأنا لا أستطيع القرآءة حتى، ولا تميزني أية ميزات ، هل يكذب جيمي يا ترى؟
هكذا سألتُ نفسي طوال الوقت .. حتى إنني أضفت الملح للكعك المحلى وأنا لا أدري !
بعد أن وُبخت من قبل رئيس الطهاه، انتهت فترة عملي وتوجهت إلى الغرفة الثانوية لكي آخذ حماماً عندما شاهدت "ماري" احدى الخادمات التي أعرفهن في المطبخ تسير باتجاهي وقالت بسرعة :
- شين، السيدة آرشيبالد تريدك، بدّل ملابسك بسرعة وتعال معي .
قلت ببطء وأنا أفكر كثيرا :
- لن أتأخر .
اخذت حماماً سريعاً وارتديت بعض الملابس النظيفة ثم توجهت مع ماري إلى جناح السيدة ارشيبالد بالطابق الثاني .
كانت تلك المرة الأولى التي أخطو فيها إلى داخل ذلك الجناح في القصر ، التوتر كان حليفي، وعندما دخلت خلف ماري، رأيتها ،، تلك المرأة الجميلة التي ترتدي دائماً الفساتين الحريرية المطرزة وهي تجلس باناقة وترفع رأسها بكثير من الكبرياء .
تكلمت ماري بتهذيب :
- سيدة آرشيبالد . إنه الطاهي شين .
- انصرفي .
خرجت ماري وبقيت أنا والسيدة ارشيبالد بمفردنا، وعندها تغيرت ملامحها وهي تهمس :
- إذاً الفتى الملعون بدأ يتعلى في المراتب .. وسوف يصبح ذو شأن في المستقبل .
شعرت ببعض الوجل وازداد توتري من كلماتها الغير مفهومة ولكنني اكتفيت بالصمت . وعندها تابعت كلماتها بهدوء وهي تمشطني بنظراتها :
- لقد حصلت على منحة للتعلم . من الأميرة كاثرين شخصياً، وهذا شيء مثير للعجب، فكيف تعرفك ؟ وكيف أعطتك المنحة شخصيا ...
لم أقل شيئاً، بالأحرى لم أعرف ماذا أقول؟ من هي الأميرة كاثرين ولماذا وهبتني منحة للتعلم، من أين تعرفني؟
وبينما أفكر توالت على ذهني ذكريات الفتاة ذات الفستان الأسود التي قابلتني في الحفلة . لقد قالت بأن أسمها كيتي؟ أو كايت؟
وقفت السيدة ارشيبالد واقتربت مني ورائحة عطرها تسبقها ثم دارت حولي وقالت :
- أنا انتظر رحيلك من القصر بأسرع ما يمكن. فمن اليوم الذي وصلت فيه وأنا في تعاسة كاملة!
حاولت كبت مشاعر الخوف والدهشة ، ولكنني لم استطع فعل شيء سوى التحديق إلى عينيها الزرقاوتان، وانا اشعر بشعور لا مثيل له ..
رفعت عينيها تنظر فوق رأسي، وكأنما تستطيع ان ترى تلك الفتاة التي تتشبث بشعري على الدوام .. تنهدت بحرقة ثم قالت :
- لقد جئت الى هذا المكان وانت طفل، الآن اصبحت ارفع راسي لانظر اليك، انت شاب يافع، ويمكنك الاعتماد على نفسك ..
تكلمت بخوف :
- لماذا .. تحاولين مواساتي لانني سأخرج من هنا؟
لم استطع ان ارى تعبيرات وجهها فقد التفتت وتوجهت ناحية النافذة وهي تمشي بسرعة، امسكت بالستائر وقالت :
- ربما .. أنا اواسي نفسي .
لم افهم أي شيء، لقد كانت تتمنى رحيلي ، ولكن .. هل تعرف شيئاً ما؟
تساءلت على الفور :
- هل تعرفينها؟
لم تنظر لي وتابعت تأمل المنظر من النافذة :
- بالتأكيد، فقد رأيتها عدة مرات في القصر وتبادلنا الأحاديث .
- أنا لا أقصدها ..
- كاثرين؟
- لا ، داريا .
التفت وهي تحدق في وجهي بذعر ، اهتز صوتها وهي تقول بحدة :
- سترحل اليوم! هل فهمت .. اجمع كل اغراضك.
لقد كانت تعرفها! من تكون داريا للسيدة ارشيبالد! لم اتحرك من مكاني ونظرات الفضول لا تفارقني .. ولهذا تهاوت السيدة ارشيبالد على الأريكة وبدأت في البكاء وهي تصرخ :
- اخرج! اخرج! اخرج!
تراجعت بظهري حتى اصطدمت بالباب . "هي تعرف درايا!" .. هذا ما تأكد حدسي منه ، على الفور فتحت الباب وخرجت ثم أغلقته خلفي وأنا أسمعها تبكي .
جمعت أغراضي بسرعة وتوجهت إلى غرفة شقيقي جيمي . كان ينتظرني والابتسامة لا تفارق وجهه الجميل، ولكنني تساءلت بدون أن أخفي شيئاً من أفكاري :
- جيمي . شكرا لك على كل شيء منذ ذلك اليوم الذي قابلتني فيه في الملجأ ، وحتى الآن ، لكن .. هل لي بسؤال أخير ..؟
لم تهدأ ابتسامة جيمي الحارة، وهمس لي بود كبير :
- بالتأكيد .
- لكنك سوف تجيب عنه بصدق تام ؟
بدأت الابتسامة تخفو شيئاً فشيئاً وانا أتسائل :
- في ذلك اليوم ، عندما رأيتك لأول مرة .. لقد كنت مدفوعاً من قبل السيدة آرشيبالد لكي تحضرني إلى هنا ؟
انصبت النظرات الجامدة على وجه جيمي . وعندها تكلمت :
- لأنك متعلم، وتعرف الكثير من أمور الخدمة ولا يمكن أن تكون شاباَ مشرداً مثلي .
أردت أنا أقول بأنني لست محبوباً، لا يمكن أن يفعل أحد ما لي أي شيء من تلقاء نفسه .
تنحنح جيمي وجلس على مقعده وهو يقول :
- لم أكن مدفوعاً من قبل السيدة آرشيبالد ..
قاطعته :
- ولكن لماذا أنا؟! لماذا ؟
رفع عينيه نحوي للحظة، كان مرتبكاً بشكل لم أعهده عليه .. وتكلم على الفور :
- انصرف وحسب . لا يمكنني أخبارك بشيء .
تضاربت أحاسيسي، شعرت بالقهر، لأنني عرفت بأن الشخص الوحيد الذي اهتم بي .. كان مدفوعاً من قبل السيدة آرشيبالد، خرج صوتي مبحوحاً :
- يالك من كاذب! أنت لم تحبني قط ولم تعتبرني شقيقك أبداً!
اندفعت من الغرفة ..
ابطأت من سرعتي ..
تمنيت أن يلحق بي ، أن يخبرني بأن هذا غير صحيح . كنت سأصدقه حتى ولو كذب ..
نظرت خلفي، لربما يخرج من غرفته ... كنت بحاجة للتصديق بأن هناك شخص يحبني حقاً.
توقفت انتظره .. حتى ولو يكن جيمي رائعاً، متكامل الأوصاف ..
حتى ولو كان مجرد شخص عادي ..
أردته أن يكون صادقاً .. شعرت بدموعي تطرق الباب. ولكنه –كالعادة- احتبست خلف جدار عيني الزجاجي .
أردت أن أعود، أن ارتمي على صدره وأخبره بأنه يعني لي كل شيء، حتى ولو لم أعن له شيئاً .. ولكنني أكملت سيري مطأطأ الرأس، أحاول أن ألملم شتات مشاعري المتناثرة داخل صدري .
------------------------
مرت اسابيع على ورودي الأكاديمية ، الكثير من الدراسة والاساتذة صبورين للغاية، لكن هناك المعلمة " آنسيل بروكين " التي مافتأت تستهزأ بي .. وتخبرني بأنني قد عدت عدة سنوات للخلف .. مثل عشر سنين وها أنا ذا أتعلم الحروف والأرقام مثل أطفال الخامسة من العمر .
لقد كنت اتجاهل سخريتها تلك، بينما اركز على هدفي الذي طالما تمنيته ، أن أستطيع قرآءة وكتابة كل شيء غير اسمي .. تلك المنحة التي قدمت لي على طبق من ذهب لايجب أن أفوتها بالمشاحنة مع الآنسة آنسيل .. والتي تكبرني بأربعة أعوام وتدرس في جامعة شيفيلد بتخصص التاريخ الأدبي ...
لطالما تساءلت ما الذي أجبرها على تعليمي الحروف والكلمات طالما أنها تسوف تسخر مني بهذا الشكل .
وهاهي حصة الآنسة بروكين قد انتهت بسلام، أعادت خصلات شعرها البنية للخلف وقالت وهي تحمل الكتب الملونة بين يديها :
- اعترف بأنك تتعلم بسرعة ، واظنك شغوف بما تفعله وهذا جيد .. سوف يكون لديك اختبار إملاء في حصة الغد لذا تدرب جيداً .
وقفت وأنا أوميء بالايجاب.. رفعت رأسي ونظرت إليها، بينما كنت من قبل لا أجرؤ على رفع رأسي في وجهها وتكلمت :
- إنها المرة الأولى التي تخبرينني فيها بكلام مشجع، شكراً لك .
رفعت رأسها تنظر لي بوجنتين صبغتا باللون الأحمر، وعلامات التعجب والانزعاج تلف وتدور حول رأسها الصغير، ومالبثت أن قالت بنبرة منزعجة :
- لا بأس، لا تتكلم معي بأي شيء خارج الدرس، هل فهمت..؟
- حسناً .
اخفضت ناظري . ورأيت رجليها تتحرك وتنصرف .
وهكذا بدأت علاقتي مع الآنسة آنسيل بالتحسن، وفي خلال حصة الاملاء جعلتني اتهجأ كلمة " التضحية " كانت صعبة بعض الشيء ولكني قمت بكتابتها ..
ولكنها لم تعلق على اجابتي .. بل كانت شاردة الذهن بعيداً، وكأنها لا تتذكر أنها تعلمني أو تختبرني حتى، كانت الورقة في يدها ظاهرة لي حتى أنني رأيت الكلمة الصحيحة وقارنتها بالكلمة التي كتبتها ...
أفاقت فجأة من شرودها بينما كنت أنظر إلى وجهها فتقابلت عينانا لأول مرة منذ مايقارب الشهرين والنصف من الاحتكاك .. لقد سرت رجفة في جسدي، فأبعدت عيني إلى الورقة في يدي وأنا أستعيد في مخيلتي تلك النظرة الغريبة، نظرة مليئة بالدموع والخوف وكأنها تعرضت للظلم كما تعرضت له أنا .
دفعني هذا للسؤال كي اغير الموضوع :
- هل كتبتها بشكلٍ جيد؟
رفعت رأسي ببطء لانظر لوجهها ولكن ناظريها كانت مركزة علي، وعندها تكلمت الآنسة آنسيل بصوت خافت حزين :
- أنا آسفة. لقد عاملتك بشكل مزري لأنك لم تكن شخصاً معروفاً .
تعجبت كثيراً من جملتها حتى أنني ظللت أمرر القلم فوق كلمة تضحية التي كتبتها منذ دقائق وأنا أشعر بالتوتر، أغمضت عيني وأنا أحاول التفكير فيم سأقول .. التصق شعري بجبهتي التي تصببت منها قطرات العرق .. لماذا أنا متوتر جداً، يمكنني فقط قول .. " لا بأس ، أو أي شيء من هذا القبيل .. "
احسست بيدها تخطف القلم من بين أصابعي ، وقالت وفي صوتها نبرة ضحكة خفيفة :
- يالك من شاب غريب، لماذا أنت متوتر؟ لقد فكرت كثيراً في الأمر .. بما أنك حصلت على منحة من الآميرة كاثرين وتم تخصيص هؤلاء الاساتذة لك ، فبالتأكيد أنت شخصٌ جدير .
كنت أعرف أنها لا تعي ماتقول. لقد تغيرت كثيرا منذ أن نظرت بداخل عيني، لقد أخبرني أخي جيمي ذات مرة بأن لدي عينان ساحرتان يمكنهما إيصال الكثير من الكلام في لحظة واحدة ، ويمكنني فهم ما يريده الشخص المقابل لي بنظرة واحدة ..
لكنني لم أصدقه بالطبع، فعيناي ليستا بهذا الجمال .. اعتقدت بأنه يبالغ. أو إنها ربما تكون عينا داريا الجميلتان تلك الفتاة التي تعيش بداخلي وتتوارد في أحلامي، قد تجسدت في لحظة ما أمام ناظري جيمي .. بشكلٍ ما ، أردت تصديق بأنني أمتلك تلك الموهبة ! في تلك اللحظة أصبحت مهووساً بتجربتها ..
أجل! أردت أن أنظر في عيون كل من حولي!
ولكن بشكل ما .. انطفأت نار الهوس فجأة كما اشتعلت فجأة .
يتبع إن شاء الله
بقلم
IRuMI
الجزء الاول لمن لم يقرأ
اناسازي "الجزء 1"
منقـول~