اناسازي "الجزء 1"
" كانت اللحظة الحاسمة، عندما سمعت حوافر خيله، وشاهدته من بعيد قادماً على متن الفرس الأسود ويقترب بسرعة أدركت بأنني ساموت وأن هذا الخيّال هو من سيزهق روحي وسيقتلني بلا رحمة ،، تقوقعت حول نفسي بخوف ولكن بيده القوية انتشلني من فوق الأرض الترابية وحملني أمامه على الجواد وأسرع بي مبتعداً عن أسوار تلك المدينة القذرة بالكامل .. "
اناسـازي
عندما بدأت التعرف على ذاتي، وحملت ذكريات عن نفسي ، كنت اعيش في ذلك الملجأ الصغير المطل على السهل الشمالي بالقرب من هيرتفورد شاير ..
كان السهل رائعاً بما فيه من أشجار وحدائق غناء تنتهي عند شاطئ البحر .. في الحقيقة لم يكن لي من التحديق إلى هذا المنظر نصيب، فقد كنت دائماً اعمل وأعمل، وحتى في وقت فراغي فإنني أعمل حتى لا تغضب مني السيدة "ويلي" وتقوم بصفعي على وجهي كما جرت العادة .
لقد كانت السيدة ويلي قاسية جداً مع الجميع، وكما أذكرها، فقد كانت امرأة غاضبة على الدوام لديها شعرٌ أشقر قصير وجسدٌ نحيل وأما وجهها فقد كان قبيحاً وعينيها الخضراوتين ضيقتين يشع منهما الشر والغضب!
في الملجأ كانت تعمل فتاة ضعيفـة الجسد وتدعى "داريا"، ولكنها كانت تسقط في بعض الأحيان فتقوم السيدة ويلي بضربها، لقد كانت مثل الوحش المفترس الذي ينتظر منا القيام بهفوة ليخرج الغضب الذي يكنه على نفسه ويكتسحنا!
كنت أساعد داريا بدون علم السيدة ويلي، ولكنني كنت أتأخر عن اداء مهماتي فتعاقبني بأشد العقوبات ..
وفي يومٍ ما فقدت داريا السيطرة على مشاعرها وبدأت في البكـاء، لم تكن قد أكملت السابعة من عمرها بعد،، ولكن السيدة ويلي لم ترحمها وعندما اقتربت منها لتضربها قامت داريا برمي الرمال داخل عينيها فجن جنون السيدة ويلي وقامت بإلقاءها في المخزن المظلم وأغلقت عليها الباب بإحكام ..
كانت "داريا" فتاة لطيفة وجميلة لديها عينان واسعتان عسليتان وشعر بني فاتح تملؤه الخصلات الصفراء .. مع انفها الصغير وابتسامتها الجذابة وخديها البارزين الورديين .. كانت جميلة جداً وهذا ما جعلني أظن بأن غضب السيدة ويلي كان ينصب عليها بمجرد النظر إلى جمالها الطفولي البرئ .
بقيت في مكاني حتى شعرت بان السيدة ويل قد نامت وعندها تسللت إلى باب المخزن وسمعت صوت "داريا" تبكي ، كانت تبكي بحرقة .. لقد كانت حديثة اليتم، فقد شاهدت والديها وعاشت معهما ولهذا كان من الصعب عليها البقاء هنا، على عكسي .. أنا الفتى الذي نشـأت على ضرب السيدة ويلي منذ كنت طفلاً رضيعاً ..
- داري .. هل تسمعينني..؟
ناديت بالهمس حتى لا تسمعني ويلي، ولكن داريا لم تسمعني أيضاً!
امسكت بعصا صغيرة وحركتها من أسفل الباب، اصدرت صوتاً كأن فاراً يسير أو شيئاً كهذا، وعندما توقفت داريا عن البكاء بدأت أقول:
- داريا! اقتربي من الباب سوف أعطيكِ شيئاً
أخرجت شطيرة العشاء الخاصة بي من جيبي وأدخلتها من أسفل الباب ورأيت أصابع داريا الصغيرة وهي تسحبها بسرعة ..
لكن السيدة ويلي بشكلٍ ما عرفت، وعاقبتني بمنعي من الخروج لمدة 3 أيام .
ولكن في تلك الليلة التي أعقبت الأيام الثلاثة .. سمعنا صراخاً رهيباً، ارتفع الصراخ من المخزن الذي حبست فيه داريا!
فتحت باب الحجرة التي أنام فيها مع بقية الاولاد واندفعت أركض حتى قابلتني السيدة ويلي وقالت بخوف وهي ترمي المفتاح إلى صدري ..
- أ .. أفتـ .. افتح الباب!
كان صراخ داريا مرعباً وعالياً بشكلٍ خارق للعادة!
أمسكت بالمفتاح بشجاعة وفتحت الباب بسرعة وإذ بي أرى داريا تنظر من النافذة العلوية وهي تقف على الهواء ...!
كانت النافذة عاليه جداً ويستحيل الوصول إليها من قبلنا!!
لقد كانت تقف على الهواء مما أصاب السيدة ويلي بالذعر وبدأت في الصراخ :
- يا إلهي! إنها ممسوسة!! ممسوسة!
صرخت بسرعة وأنا أحاول استيعاب المشهد:
- داريا!! ماذا هناك هل انتِ بخير ..؟
ولكنها التفت تنظر خلفها بشكلٍ غريب وسريع وتحركت رأسها مع استدارة كاملة ..
ارتجفت أوصالي من تلك النظرة المخيفة التي كانت تحدق بها خلفي .. كانت تنظر إلى السيدة ويلي وحول عينيها هالات سوداء ..
سقطت السيدة ويلي أرضاً وهي تستنجد .. ثم سكتت فجأة!
وعندها حولت داريا أنظارها إلي وقالت وهي تبتسم ابتسامة مخيفة :
- سأبقى معك إلى الأبد!!
كان صوتها يرن في الأرجاء وشاهدتها تطير نحوي بسرعة .. ثم اخترقت جسدي ودخلت إلى داخلي ، بينما لم أشعر بأي ألم ولكن البرودة اجتاحتني ..
نظرت إلى الأرض وأنا أرتجف مذعوراً .. فوجدتها مكبلة بالحبال ،، تسقط على رأسها وشعرها يغطي وجهها بالكامل .
وبتلك الحادثة الغريبة ، ماتت داريا والسيدة ويلي في نفس اللحظـة، وتم توزيعنا على الملاجئ الأخرى .
أما أنا فقد اصبت بلعنة وأصبحت عيناي محلقتان بالسواد، شخصٌ مخيف لم يعد يطيق أن ينظر لي أي احد!!
-------------------------------
كنت آنذاك في العاشرة من عمري ..
تلك الفتاة التي تسكن بداخلي تُركت من قبل الآنسة ويل لثلاثة أيام بدون طعام أو شراب حتى ماتت .
بشكل ما كنت استرجع ذكرياتها، فكنت أحلم بالماضي الخاص بها .. فتاة مدللة تعيش في بيت جميل ولديها أم حنون وأب لطيف،، ..
عندما استيقظ من النوم فزعاً انظر حولي فأجد بأنني مازلت في الملجأ .
لقد كنت سعيداً في السابق، وحتى مع تلك المعاناه التي نعيشها مع السيدة ويلي، كنت سعيداً بأصدقائي الذين كانوا بمثابة إخوتي، هنا .. في هذا الملجأ لا يوجد أحد يحبني، الجميع يتحاشاني ورئيس الملجأ يعاملني بقرف ..
وفي إحدى الليالي غفوت ، وفجأة رايت نفسي ..
"أسير في شارع مظلم وأحمل طفلاً صغيراً ، كان يبكي باستمرار .. لكنه كان جميلاً مثل القمر، وضعته على الرصيف لأستريح قليلاً ، لم أشتت انتباهي عنه سوى لثوانٍ معدودة وعندما نظرت إلى جانبي لأحمله، وجدت بأنه أصبح ميتاً ، رمادي اللون .. جسده متحلل والديدان الكبيرة تأكل عينيه وتدخل من فتحات انفه الصغير وتخرج من فمه"
صرخت وصرخت .. صرخت! واستيقظت من نومي!!
كنت أرتجف من الخوف . واحتقنت الدموع في عيناي ولكنها أبت النزول! أردت البكاء! كأنني مازلت أسمع صوت ذلك الطفل الصغير يرن داخل أذناي!
سمعت صوته يتكلم ببطء:
- هل انت بخير؟
رفعت رأسي بتردد لانظر لوجهه فأزاح شعري الطويل من فوق عيناي وقال وهو يبتسم :
- هل كنت تحلم بشيء مزعج؟
تفاجأت من ردة فعله ، وانقعد لساني فحاولت التكلم وأنا أتلكأ في كل حرف:
- كان .. مخيفاً!
ضحك وقال وهو يضرب كتفي بقوة :
- مه!! لا يمكن أن يكون هناك حلم مخيف!
قلت بعصبية وخرجت الحروف من فمي بسرعة :
- لن تستطيع الإحساس بنفس مشاعر الخوف التي تنتابني فأنت لم تر ما أراه!
- أعرف، لكن اليست مجرّد أحلام؟
- إنها كوابيس تجعلني أكره النوم !
بالفعل لم تكن ذلك الكابوس الوحيد، دائماً ما أحلم بتلك الأشياء، شخص سليم يسير معي، ثم يموت فجأة وأقوم خائفاً مرتجفاً .
- ما اسمك؟
نظرت إليه ,, كان يكبرني بكثير .. وكان يعمل نجاراً في الملجأ ويقطع الأخشاب، إنه قوي البنية وطويل القامة .. ومع أنه يبدو في العشرينيات ، إلا ان عمره أصغر من ذلك ، قلت بهدوء وأنا أقرب ركبتاي من صدري وأحتضنهما بين ذراعي :
- أ ... أسمي؟ .. ينادونني أحياناً ويل .. وأحياناً شـ .. شينكي .
ضحك ضحكة خفيفة وقال:
- ألا تعرف اسمك؟
- لا .
كنت خجلاً جداً، لم يسألني أحدُ من قبل هذا السؤال. وعندها تكلم قائلا:
- تعال لنذهب غداً ونعرف ماهو اسمك . حسناً؟
- حسناً.
قلت حسنا بلا مبالاة، أنا لم أكن أعرف إلى أين سيذهب، لكن هذا الشاب القوي، اهتم بي وعاملني بطلف شديد وابتسم وضحك في وجهي، بينما كنت في ذلك الوقت أداس بالأقدام مثل الحشرة، ولا أسمع سوى الشتائم .
في الصباح رأيته يقترب بوجه مبتسم وقال لي :
- هيا بنا! تعال معي.
أمسكني من معصم يدي ومشيت معه باستسلام، ثم ركبنا العربة التي تجر بخيل واحد، كانت عربة صغيرة ومحطمة ، ليس لها سقف .. لكنني كنت سعيداً بركوبها وحاولت أن ابتسم ولكنني لم أستطع .
حاولت ولكن وجهي لم يتحرك، واكتفيت بأن أبدو سعيداً من داخلي وعندها أصبح ذلك الشاب ينظر إلى وجهي بكثرة ثم قال:
- هل يضايقك شيء ما ..؟
- لا
حاولت مجدداً! بلا فائدة!
ولكنه صمت وعاد ينظر امامه فتساءلت :
- و .. وأنت؟ ما اسمك؟
- جيمي.
نظرت له وقلت :
- شكرا!
عاد يبتسم لي، كانت لديه ابتسامة جميلـة، وقفنا أمام بوابة قصرٍ كبير، واقترب أحد الخدم اللذين يرتدون ملابس رسمية فخمة، وتفوح منهم رائحة العطور الجميلـة .. نظر لنا بازدراء ثم قال :
- من انتم؟ هل أتيتم للشحاذة!! هذا ليس المكان المناسب إذاً.
نظر جيمي نحو الخادم الأنيق وقال بتهذيب:
- لا ، لقد أتينا من أجل الخدمة بالقصر، ألم تفتحوا باباً للتسجيل؟
صرخ الخادم وهو يدفع جيمي باحتقار :
- اخرج من هنا ايها الحشرة!
- توقف!
خرج هذا الصوت الانثوي الصارم فجأة ، واقتربت امرأة متوسطة العمر، كانت ترتدي فستاناً حريرياً بنفسجي اللون وبلا أكمام، وتضع وشاحاً شفافاً على كتفها، كانت امرأة جميلة، شقرآء ترفع شعرها فوق رأسها وتتدلى بعض الخصل الخفيفة على كتفيها .
كان وجههاً نحيلاً وذقنها مستدقّـة، بعينيها الخضراوين الضيقتين نظرت إلينا نظراتٍ ثاقبة ثم قالت وهي تتجه بهما نحوي:
- ما اسمك ..؟ وكم عمرك أيها الفتى؟
تكلم جيمي نيابة عني :
- إنه شقيقي، ويدعى شين .
نظرت المرأة إليه وقالت :
- انت يمكن قبولك، تبدو قوياً ولبقاً، أما ذلك الصغير فلن نستطيع قبوله، إنه صغير السـن .
شد جيمي قبضته على كفي وقال:
- آه حسناً، شكراً جزيلاً . لقبولك لنا .
نظرت المرأة بعينيها الثاقبتين نحو جيمي ثم ظهرت شبح ابتسامة على جانب فمها الذي صبغته لوناً وردياً مثل خديها وقالت:
- فليكن!
كنت منبهراً بها، يمكنني القول بأنني نظرت إليها بإعجاب، لقد كانت أجمل امرأة وقعت عيناي عليها منذ ولدت ،، وإلى أن أتممت الخامسة عشرة من عمري .
عملت في ذلك القصر خادماً بالمطبخ، كان جيمي يرتدي البزة السوداء الأنيقة ويتجول مع الاميرات هنا وهنـاك، لقد كان طوله وكتفاه العريضتان تضفي عليه طابع الأناقة، فضلاً عن وسامة وجهه وبشاشته الدائمة، كان يستحق لقب أجمل شاب عى الإطلاق ..
لقد كنت أسعد كثيراً حينما يبتسم لي، وكنت أبادله ابتسامة مشابهـة ولكنني عندما ابتسم أشعر بأن الجميع ينظر لي باستغراب .
إنه أنا " شين" الفتى ذو الخامسة عشرة ولا أعرف اسمي الحقيقي، أو حتى عمري الحقيقي .
لقد انتشلني أخي الكبير "جيمي" من الوحل . عندما كنت في ذاك المنزل الكئيب، واتى بي لأعمل هنا ..
عندما أنظر إلى وجهي في المرآة وأرى نفسي .. أرى فتى غريباً لا أعرفه ، تغير منذ كان في العاشرة من عمره ..
وجهي النحيل، شعري الاسود الحالك وعيناي الداكنتان المحاطة بالهالات السوداء ، بأي حال لم أكن رائعاً مثل جيمي .. ولا حتى قريباً منه ولكنني .. أتناول طعاماً جيداً، وارتدي ملابس جيدة نظيفة ولدي وسادة مريحة أنام عليها كل ليلة .. أنا حقاً سعيد.
إنني اسعد شخصٍ في العالم،
هكذا أشعر . بأي حال! أنا لا أذكر كيف كنتُ فيما مضى .
ولكن ذلك اليوم بالتحديد، تبدلت حياتي بالكامل، عندما كنت أساعد الطاهي وأنا أمسك بمغرفة كبيرة وأقلب محتويات القدر .. تعلمون، إنني أصبحت ماهراً في اعمال الطهي . رأيت أخي جيمي يطرق الباب ثم لوح لي وقال :
- احتاج إلى قفازات جديدة، لقد اتسخت خاصتي .
تركت القدر وأومأت له موافقاً ثم دخلت إلى الخزانة الكبيرة وأحضرت له قفازاً جديداً أبيض اللون .
ابتسم لي كعادته وقال :
- الليلة ستقام حفلة تنكريّة . يمكنك الحضور ، لقد استأذنت السيدة آريشبالد ووافقت على حضورك .
رفعت حاجباي لكي أعبر عن اندهاشي ثم تساءلت وأنا أحاول أن أرفع صوتي قليلاً حتى يسمعني جيمي:
- وكيف سأحضر تلك الحفلة ..؟
- لا بأس لقد جهزت كل شيء، فقط خذ حماماً جيداً و انتظرني بعد العشاء.
أومأت موافقاً ، فانصرف جيمي مسرعاً وهو مايزال يبتسم .
ظل عقلي يردد "مامعنى حفلة تنكريّة" .. ما معناها ..؟ " ماذا تكون ..؟"
بعد العشاء انتهيت من حمامي وخرجت من غرفة الطهاة المساعدين وأنا أبحث عن جيمي، انتظرت لفترة حتى يأست بأنه سيحضر، ولكنه قدم في النهاية .. كان يحمل في يده بزة سوداء وأمسك بكتفاي ثم قال :
- ستأتي معي الآن، سوف أصفف لك شعرك فأنت لم تقصه منذ فترة طويلة .
مشيت بجانبه وأنا أشعر بالخوف. أنا لم أهذب شعري منذ خمس سنوات، ومع ذلك فهو لم ينمو حتى مليمتراً واحداً . لا يعرف جيمي عن الأمر، حتى إنني كلما حاولت تمشيطه آلمني بشدة .
ويبدو أن العجز والخوف قد ظهرا على وجهي عندما دخلت إلى مصفف الشعر الخاص بالخدم من فئة الدرجة الأولى . كنت محبطاً وجلست على مقعدي متذبذباً وكأنني أجلس على موقد النار .
اقترب الرجل وأمسك بالمشط وأدخله في شعري الأسود الكثيف بحريّة .. ولكن سرعان ماشعرت بالألم وتأوهت عدة مرات فقال المصفف بجزع:
- ماهذا!؟ لم تصدر تلك التأوهات، حتى إن شعرك ناعم !
كان شعري ناعماً ومنسدلاً ولكنه كان يؤلمني كثيراً ولهذا أردت أن أضع منشفة الطهاة على رأسي وأغطيه وينتهي الأمر كما أفعل عادة . نظرت إلى جيمي وقلت:
- جيم . لا أريد هذا .
نظر لي جيم مع ابتسامة وقال مشجعاً :
- مرة واحدة فقط، أرجوك .
أردت أن أحتمل من أجل جيمي، الذي بذل من أجلي الكثير .. احتملت ولم أفتح فمي حتى انتهى الرجل من تمشيط شعري، ثم حان دور المقص .. وحينما بدأ يقص أطراف شعري شعرت بالمٍ شديد!!
كما لو كان يقص إحدى أصابع يدي! لم استطع أن احتمل وصرخت بألم، فسقط المقص من يد المصفف وهو ينظر لي باستغراب!
تكلمت وأنا أريد أن أبكي :
- هذا! .. هذا مؤلم!
قال المصفف ساخراً:
- هل يمكن لأحدٍ أن يتألم من قص شعره!! هذا سخيف!
شعرت بيدا جيمي الحنونتان تحضتن كتفي . وسمعت صوته الهادئ وهو يقول:
- لا بأس . انت خائفٌ فقط لأنك لم تصفف شعرك منذ فترة، سوف تعتد على الأمر ، ارتدي بزتك أولاً وحاول طرد الخوف من رأسك .
ساعدني جيمي في ارتداء بزتي، كانت تلك البزة السوداء أجمل شيء لبسته منذ طفولتي، أيضاً، كانت على مقاسي تماماً وعلمت بأن جيمي قد صممها من أجلي. إنه يبذل كل شيء لأكون سعيداً .
جلست عند المصفف مجدداً، كنت خائفاً جداً من أن أشعر بهذا الألم الرهيب مجدداً، اقترب المصفف ووضع جيمي كفه الأيمن على كتفي وهو يقول :
- لا تفكر في الأمر . اتفقنا ..؟
شعرت بالألم الرهيب مجدداً، كأن رقبتي تقطع!! صرخت ولوحت بيدي لأبعد المصفف:
- مؤلم! أخي! إنه مؤلم .
- حسناً توقف .
كان هذا أمر جيمي إلى المصفف، .. نزلت دمعة واحدة من عيني لكنها تلاشت بسرعـة، كنت أشعر بألم رهيب ورفعت رأسي بصعوبة فصادفت مرآة أمامي .
وعندها رأيتها ..
داريا .
كانت هي، تحدق لي من المرآه ، كانت تجلس على رأسي بجسدها الصغير .. نظرت مذهولاً أمامي وصرخت :
- ماهذا!! ماهذا ؟!
وقفت ثم تراجعت فسقطت أرضاً .. اغمضت عيني لكي لا أنظر للمرآة .. كان ذلك رهيباً .. بعد كل تلك السنوات! أراها مجدداً .. وليس في أحلامي وحسب، بل أمامي مباشرة ..! وبنفس عمرها لم تتغير أبداً!!
كان قلبي يقفز بين ضلوعي ويضطرب بعنف . لم استطع التقاط أنفاسي وحاولت الوقوف وعندها رأيتها مجدداً في المرآة .. كانت تجلس فوق رأسي !! وتتشبث بشعري وتبتسم ابتسامة مخيفة ..
تخبطت في كل شيء أمامي هارباً من المكان واصطدمت بالناس وأنا أحاول أبعادها من فوق رأسي بكلتا ذراعي ولكنني لم أستطع الامساك بأي شيء .. سمعت صوت جيمي يناديني .. لكن الخوف دفعني لأن أركض بكل سرعتي حتى أبعدها ..
كنت مذعوراً ، وهائجاً مثل الثور!! وركضت إلى مكان لا أعرفه .. صعدت درجاً لا ينبغي علي الصعود إليه، واصطدمت بشخصٍ ماكان علي الاصطدام به ..!
سقطت على الأرض وسقط الشخص الذي اصطدمت به، نظرت أمامي وقد توقفت أخيراً عن الصراخ واستعدت رباطة جأشي.
كانت تجلس وهي تنظر لي من تحت قناعها الأسود الملئ بالنقوش الذهبية اللامعة، والذي كان يغطي عينيها وأنفها فقط.
نظرت حولي استوعب أين أنا . حقاً أين أنا ..؟ ما تلك اللوحات الجميلة، والسجاد الأحمر القاني الناعم، وذلك السقف الخشبي المليء بالرسومات ..؟!
نظرت للفتاة مجدداً، كانت بمفردها .. ولم تتحرك من مكانها.
ظلت تحدق لي من تحت قناعها وشاهدت فستانها الأسود المليء بالدانتيل المنفوش، وقفازتها السوداء الطويلة المنقطة باللون الذهبي .
لم أنس هذا المشهد أبداً .
سمعت صوتها الهادئ يقول :
- من أنت ؟ هل أنت شبح ؟
- شبح؟!
وقفت بسرعة وانحنيت وأنا أعتذر، ثم مددت يدي إليها وقلت:
- آسف جداً، إنني حقاً ...
أمسكت بذراعي واستندت ثم نظرت إلى الأعلى وقالت:
- أنا أرى شبحاً على رأسك!
شعرت بالذعر وتحسست رأسي فلم أشعر بشيء. نظرت لها مجدداً وقلت :
- لـ .. لكن .. كيف ..؟
يتبع إن شاء الله في القريب العاجل ..
بقلـم
IRuMI
الجزء الثاني
منقـول ~