الإسلام لم يفرّق بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة ، فخلقهما من نفس واحدة ، قال تعالى : { خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها } الأعراف آية 189، فالمقصود من نفس واحدة هو حقيقة واحدة ، وهذه الحقيقة لا توصف بأنها مذكرة أو مؤنثة لأن النفس موجود مجرد ، وهذا الموجود المجرد لا يقبل هذا التصنيف ، وهو القابل للتعليم ، والتقوى ، والسير إلى الله ، والإلهام ، قال تعالى : { ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها } ، كما جعل الله ميزاناً للتفاضل بين الناس مبنيّ على التقوى قال تعالى : { إن أكرمكم عند الله اتقاكم } الحجرات آية 13.
وكما إن الله تعالى لم يفرق بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة ، كذلك لم يفرق بينهما في الخطابات التكليفية ، ولا في جزاء العمل ، قال تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة } المدثر آية 38 ،وقال تعالى : { إني لا أضيعُ عملَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى ) آل عمران آية 195.
إن الله تعالى قد أعطى لكل مخلوق من مخلوقاته وظيفة تتناسب مع تكوينه ودوره في الحياة ، قال تعالى : { الذي خلق فسوّى * والذي قدّرَفهدى } الأعلى آية 2،3
فنظراً لوجود الاختلاف البدني والفسيولوجي بين المرأة والرجل ، وكذلك الاختلاف في الطبائع والخواص النفسية ؛ فقد ترتبت على هذا الاختلاف أحكام خاصة ووظائف ومسؤوليات لكل منهما ، فهناك بعض المسؤوليات الثقيلة التي لا تتلائم مع طبيعة المرأة ، وطغيان العاطفة على طبعها ، كالولاية ، والقضاء ، والقتال ، وغيرها ، فأوكلها الله تعالى للرجل؛ وذلك لأنه أقرب للتعقل منه إلى العاطفة ، والفعاليات العقلية لديه أقوى، فهو أقدر من المرأة على القيام بتلك الأعمال .
ومن هذه المسؤوليات التي أوكلها الله تعالى للرجل ؛لأنها تناسب خلقته هي( القيمومة) .
-القيمومة في النظام العائلي:
قال تعالى : { الرجالُ قوّامونَ على النساءِ بما فضّلّ اللُه بعضَهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالِهم فالصالحاتُ قانتاتٌ حفظتٍ للغيبِ بما حفظ الله } النساء آية 34
قوّامون : جمع قوّام، وهو القائم بالأمر المسلَّط على الشيء ، والصيغة من صيغ المبالغة أي بمعنى كثير القيام .
ولتوضيح معنى قيمومة الرجل يجب الالتفات إلى أن الأسرة وحدة اجتماعية صغيرة ، وهي كالمجتمع الكبير لابد لها من قائد وقائم بأمورها ، وهناك أربعة احتمالات لمن يقوم بمهمة قيادة الأسرة :
1 - أن تستقل المرأة بها دون الرجل ، وهو أمر غير ممكن ؛لأننا ذكرنا سابقاً عدم تناسب هذه الوظيفة مع تكوينها الجسدي والنفسي .
2 - أن يشترك الرجل والمرأة معاً ، وهذا سيؤدي حتماً إلى نشوب الفوضى والخلاف ، ومن ثم تعاسة الأسرة وانهيارها .
3 - أن لا توجد قيمومة أصلاً ، وهذا خلاف ما تقتضيه طبيعة الحياة الاجتماعية والتنظيم البشري .
4 - أن يستقل الرجل بها دون المرأة ، وهو المطلوب ، فيكون الرجل رئيساً للأسرة مع الأخذ بنظام التشاور ، بينما تكون المرأة بمثابة المعاون له الذي يعمل تحت إشراف الرئيس مما يضمن حياة هانئة وسعيدة يسودها الاطمئنان والسكينة .
-لماذا الرجل ؟
إن القرآن يصرّح بأن مقام القيمومة والقيادة للعائلة لابد أن يعطى للرجل وذلك من خلال قوله تعالى : { بما فضّلّ اللُه بعضَهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالِهم } ؛ فالسبب في إناطة هذه المسؤولية للرجل هي كونه يتمتع بخصوصيات معينة فضّله الله بها كالقدرة على ترجيح جانب العقل على جانب العاطفة والمشاعر ، وامتلاك بنية داخلية ، وقوة بدنية أكبر ليستطيع بالأولى أن يفكر ويخطط جيداً، ويستطيع بالثانية أن يدافع عن العائلة ويذبُّ عنها ؛ فالتفضيل هنا هو تفضيل بالقدرات العقلية والجسدية والنفسية التي تمكنه من القيام بهذه المسؤولية ، وليس تفضيل من الناحية الإنسانية إذ لا فضل للرجل على المرأة من هذه الناحية كما أشرنا .
والسبب الثاني الذي ذكرته الآية هو مسؤولية الإنفاق على الأولاد والزوجة ، وما تعهد به الرجل من القيام بكل التكاليف اللازمة من مهر ونفقة وإدارة مادية لائقة للعائلة .
قد يعترض بعض ويقول إن هناك بعض النساء ممن يتفوقن على أزواجهن في العقل ، والقدرة على الإدارة واتخاذ القرار ، أو في بعض الجهات الأخرى ، إلا أن القوانين تسن بملاحظة الأغلبية لا بملاحظة الأفراد ، ولا شك أن الحالة الغالبة في الرجال أنهم يتفوقون على النساء في القابلية على القيام بهذه المهمة وإن كانت النسوة يمكنهن القيام بوظائف أخرى لا يشك في أهميتها .
- النساء الصالحات:
يصف القرآن الكريم موقف النساء تجاه موضوع القيمومة بقوله : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب } ، وهذا يعني أن النساء بالنسبة إلى الوظائف المناطة إليهن في مجال العائلة على صنفين :
-الطائفة الأولى : وهنَّ ( الصالحات ) وصفهن الله تعالى بأنهنَّ ( القانتات ) وأصل القنوت دوام الطاعة أي مطيعات تجاه الوظائف العائلية ، وأيضاً ( الحافظات للغيب ) أي يحفظن حقوق الأزواج وشؤونهم لا في حضورهم فحسب ، بل وفي غيبتهم أيضاً ، فلا يرتكبن أية خيانة سواء في مجال المال ، أو في المجال الجنسي ، أو في مجال حفظ مكانة الزوج وشأنه الاجتماعي ، وحفظ أسرار العائلة ، ويقمن بمسؤولياتهن تجاه الحقوق التي فرضها الله عليهن ، وظاهر الآية إخبار ولكن المراد منه الأمر بالطاعة .
يقول بعض المفسرين إن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها لأن الألف واللام في الجمع يفيد الاستغراق ، فتعبير ( الصالحات ) يقتضي أن كل امرأة تكون صالحة فهي لا بد وأن تكون قانتة مطيعة ، وقد ورد عن النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) : (خير النساء إن نظرت إليها سرتك ، وإن أمرتها أطاعتك ، وإن غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ، وتلا هذه الآية ) قوله تعالى : { بما حفظ الله } : ( ما ) قد تكون موصولة ، والمعنى أن عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابل ما حفظ الله لهن حقوقهن على أزواجهن ، حيث أمرهم بالعدل عليهنّ ، وإمساكهنّ بالمعروف ، وإعطائهنّ أجورهن كالمهر والنفقة ، والدفاع عنهنَّ وغير ذلك من الحقوق ، فمن الطبيعي أن يكون الرجال مكلفين باحترام أمثال هذه النسوة ، وحفظ حقوقها وعدم إضاعتها .
من البحث المتقدم نستنتج بعض النقاط وهي :
1- أن قيمومة الرجل لا تعني أن كل رجل قريب قوّام على كل امرأة قريبة له ، فعندما تُطرح المرأة في مقابل الرجل والرجل في مقابل المرأة بوصفهما صنفين فالرجل ليس قيّماً على المرأة أبداً ، وإنما الرجال قوّامون على النساء حين تكون المرأة زوجة للرجل ؛ ففي بعض الحالات تكون المرأة هي القيّمة على الرجل ، مثلاً الأم قيّمة على الابن، ولها حق الطاعة عليه ، فإذا نهته عن عمل وقالت : إن هذا العمل يسبب إيذائي ، هنا طاعتها واجبة ، ولا يستطيع الابن أن يقول : إنني لم أعد تحت أمر أمي ؛ لأنني أصبحت مهندساً أو طبيباً وأمثال ذلك .
2- قيمومة الرجل ليست دليلاً على الكمال والتقرب إلى الله ، بل هي عمل تنفيذي . فالشخص الذي يصبح رئيساً أو مسؤولاً وقيّماً لا يكون أقرب إلى الله ، بل إن ذلك مسؤولية تنفيذية فقط ، ومن الممكن أن الشخص الذي لا يتولى رئاسة تلك المؤسسة يعمل بإخلاص أكثر من القيّم ويحصل يوم القيامة على أجر أفضل ، ويكون عند الله أقرب ، فالمرأة تستطيع أن تصل إلى المقامات السامية ، وتصبح وليّاً من أولياء الله بالتقوى والعمل الصالح بغض النظر عن مسالة القيمومة .
3- القيمومة في حقيقتها وظيفة لا مزيّة ، والقرآن لا يقول للمرأة إنك تحت أمر الرجل ، أو أنت أسيرة له ، بل يقول للرجل تولّ مسؤولية المرأة والمنزل ؛ فالجملة وان كانت جملة خبرية ولكن روحها إنشاء ، فهي أمر للرجل ليقوم بمسؤوليته ، القيمومة لا تعني الاستبداد والتسلط الظالم ، والديكتاتورية ، وأن الرجل يستطيع أن يعمل ما يشاء بلا حدود ما دام هو القيّم ؛ القرآن يقول للرجل أنت موظف، وهذه هي وظيفتك، وليس مزيتك ، ويطلب من النساء أيضاً أن يحترمن هذه الإدارة والمسؤولية الداخلية ؛ فالآية القرآنية لم تأتِ أبداً لتعطي فتوى من طرف واحد ، بل ذكرت الحكمين إلى جانب بعضهما؛ ليعرف كل من الرجل والمرأة دورهما في الأسرة .
4- لو فهم كل من الرجل والمرأة مسالة القيمومة كما أرادها القرآن فإن الأسرة ستستقر على أساس قوي ويستقر المجتمع بدوره ويصبح قوياً ، وينتهي الفساد ، ويرحل الطلاق ، ويتربى أبناء صالحون ؛ والذين يُعدّون الهدف الأسمى من أهداف الزواج ، فعن الإمام الصادق -عليه السلام- : ( ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً ، لعلَّ الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله ) .
المصادر :
1- القرآن الكريم
2- تفسير الأمثل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
3- تفسير الرازي / فخر الدين الرازي
4- مسالك الإفهام إلى آيات الأحكام / الجواد الكاظمي
5- جمال المرأة وجلالها / الشيخ جوادي آملي
6- تربية الأسرة على ضوء القرآن والعترة / السيد عادل العلوي
بقلم : خديجة أحمد موسى