تذكر وتذكر واياك ان تنسى انك بشر
كان الفراعنة يضعون صورة تابوت على المائدة ،
كي يلجموا أنفسهم على الانغماس في الشهوات ،
ويُفكروا في الموت. ذلك أن فائض النِعم يعمي البصائر ،
ويُعطي إحساسا للإنسان بالعظمة والخلود.
لقد ذهبت النِعم عبر التاريخ بإمبراطوريات لم تكن تغرب عنها الشمس .
فإدمان الرفاهيّة والملذّات أسقط قلاع روما ،
ولم يُبقي منها سوى الأعمدة لمن يعتبر.أمّا قادتها ،
فـ بفضل فتوحاتهم العابرة للقارات ،
والانتصارات الساحقة لجحافل جيوشهم ،
أخذوا أنفسهم مأخذ الآلهة . مما جعل مجلس الشيوخ ينصِب مُنادياً
على مدخل روما لدى عودة أي قائد منتصر إلى المدينة ،
ومعه بوق يردِّد فيه " تذكّــــر أنك بشــــر . . تذكّــــر أنك بشــــر " .
لو أنّ طغاة هذه الأمة ، ممن استبدّوا وأبادوا ،
وأفسدوا ونهبوا و تألّهوا وتفرعنوا ،
سمعوا هذا النداء ، لربما عادوا إلى صوابهم ،
وتذكّروا أنهم مجــــرّد بشــــر ، وُجدوا لمصادفة تاريخيّة حيث هم ,
فتواضعوا قليلا ، ووفّروا على أنفسهم ذنوبا بين يديّ الله ،
ومذلّة أمام التاريخ .
فالنفس البشريّة في اعتيادها على النِعم لا تُصدِّق زوالها.
لا غنياً يتوقّع إفلاسه ، لا شاباً يرى نفسه ذات يومٍ شيخاً ،
لاحاكماً يضع في حسبانه زوال الكرسي وجاه السلطة ،
لا المعافى المتمتّع بنعمة الصحة يضع المرض في حسبانه ،
ولا العاشق يتوقّع فقدان الحبيب ،
ولا الحيّ يرى بأمّ عينيه روحه ساعة سكرات الموت .
إن مأساة الإنسان تكمن في عدم تصديقه لزوال النِعم ،
لذلك قليلون يستعدّون لخسارتها ،
بالمثابرة بتذكير النفس بهشاشة مكاسبها .
كلّ ما يصنع زهو الإنسان ومباهجه زائل ،
لذا وحده المؤمن أو من منَ عليه الله بالحكمة ،
يتعامل مع الشباب والحبّ والصحة والجاه والثراء والحياة ،
كهدايا يُمكن لله متى شاء استردادها ،
لأنها نِعم يختبرنا بها الله كي نكون أهلاً للنعمة الأبديّة :
الجـــــّنــــــة
لــــــذلك يا هــــــــــذا ...
تذكــــــر أنـــــك بشـــر ..!
ممـــــا تصفحــــــت وراااااق لـــــــي