كانت تتمرن على الخياطة في مشغل تقيمه سيدة محسنة لمساعدة الأرامل ، تعلمت في الأيام الثلاثة الأولى بعض مهارات الفصال ، وجاء اليوم الرابع لتطبق ذلك على الماكنة .
خمسة نساء في كل دورة أمدها عشرة أيام ، لقد كانت ذكية بما فيه الكفاية لتتعرف على التفاصيل بسرعة فهي متعلمة وتمتلك شهادة الدبلوم من معهد الإدارة .
حاولت بشرى عدة مرات ان تتصل بقناة الشرقية لتحصل على مساعدة مالية أو ماكنة خياطة لكنها كانت تفشل في كل مرة ، ذهبت لمبنى القناة بنفسها لكنهم طردوها لعدم توفر الشروط فيها ، وقبلها كانت قد ذهبت لرجل دين قالوا لها عنه انه يملك الكثير من المفاتيح لمساعدتها لكنه أشاح بوجهه عنها بعد أن علم ان زوجها قد قتل وهو سكران !
غيرها لم يكنّ أفضل حالاً من ذلك ، فربما حصل بعضهنّ على مبالغ نقدية زهيدة لا تكفي لوجبة طعام واحدة .
باعت غرفة زواجها لتعطيها لسمسار يُخلص لها معاملة الحصول على راتب شهري للأرامل ، لكنها لم تحصل على الراتب ولا على اموالها التي دفعتها .
عملت كل تلك الفترة كخبازة متنقلة حتى تستطيع ان تعيل اسرتها المكونة من أربعة افراد ، ولدان ومثلهما من البنات .
تعبت بشرى من كثرة المراجعات لدور الرعاية والمجالس البلدية ، حتى تلقفتها يد ام سامي لتعلمها الخياطة .
-كان زوجي يعمل حداداً ، عندما داهم ملثمون محله وأردوه قتيلاً ، وقد كتبوا على باب المحل " منحرف طبقنا فيه شرع الله" .
نفرنا أقاربنا وجيراننا ، وبات الناس يسموننا "بيت السكارى" ، وحتى أموالنا التي كانت بذمة الناس لم تعد لنا .
بحثت عن من يدير المحل بعد زوجي لكن الجميع رفضوا ذلك ، حتى اضطررت لتركه بعد ان طالبوني بالإيجار ، فأجره صاحب المحل الملاصق واشترى مني ما تبقى فيه من حديد ومكائن لحام وغيرها .
كتبت يوماً مشكلتي على موقع الكتروني ووضعت رقم هاتفي فأتصل بي شخص قال انه مسؤول في الدولة ، ويعمل مستشاراً في رئاسة الوزراء ، وكان كلامه طيباً حين دعاني للحضور لمقر الأمانة العامة ، سررت كثيراً بذلك واستنجدت بصديقتي لترافقني الى هناك .
وصلت لمدخل وزارة الدفاع فوجدت اسمي موجوداً فعلاً في البوابة ، وصلت الى البناية الرئيسية ، وقلت لهم انني اروم مقابلة استاذ ابو كروان ، وماهي الا دقائق حتى كنت في غرفته .
استقبلني بحفاوة وتكلم طويلاً عن الوطن ومظلومية الناس على ترابه ، وكنت متحفظة جداً في التعامل والكلام ، حتى انني لم أشرب قدح العصير الذي قدموه لي ،قدم لي ورقة موجود فيها بعض الأسئلة تتعلق بالإسم الكامل واللقب والتحصيل الدراسي والعمر والمهارات والعنوان وغيرها ، مع استنساخ لمستمسكاتي الأربعة ، ووعدني خيراً .
مرت الأيام والأشهر ولا من نتيجة ، حتى جاءت تلك الليلة التي فكرت فيها بإرسال رسالة استفهام عن معاملتي ، فجاء رده السخيف سريعاً ، رده المعبر عن حقيقته وحقيقة الكثير من المسؤولين " يابلبل ليش سهران ؟ ، احنا الحلو ما ننساه " !!
اخرجت "السيم كارد" من الموبايل ولتلوذ في غرفتها خائفة باكية .
"عيني بشرى ستكونين مساعدتي الأولى في مصنع الخياطة الصغير الذي سأفتتحه الإسبوع القادم " ، كانت تلك البشارة التي ساقتها لها ام سامي جعلتها تطير من الفرح .
كان مصنعاً صغيراً لخياطة الشراشف ، تديرة امي سامي وتعمل فيه مجموعة من الأرامل والمطلقات ، تتشابه قصصهن في المظلومية التي كبدها لهن المجتمع وتتباين في مظلوميات شخصية أخرى .
وفي يوم قريب من ذلك كانت بشرى تحتفل بتوصيل توأمها فادي وفادية الى المدرسة في أول يوم دراسي لهما بعد إن بلغوا السادسة من العمر .