ولد أوكتافيو باث لوثانو في المكسيك في 31 مارس (آذار) عام 1914، تأثر بالأدب منذ طفولته من خلال جده لأبيه
الذي كان مفكرًا ليبراليًا وقاصًا. عام 1937 أنهى دراسته الجامعية وسافر إلى مدينة يوكاتان للبحث عن عمل،
وهناك اكتشف الوضع الثقافي وضعف إيمان الفلاحين المكسيكيين نتيجة المجتمع الرأسمالي، زار إسبانيا أثناء الحرب الأهلية، وأظهر تضامنه مع الجمهوريين، وقد أثرت هذه الأيدلوجيات المختلفة في أعماله في فترة شبابه، وأبرزت قصائده انعكاسات وهموماً سياسية. لم يكن شاعرا فحسب، بل سياسيا من الطراز الأول، عندما تقرأ أعماله لا تعرف هل هو شاعر سياسي أم سياسي شاعر؟
عرف بعمق التاريخ الثقافي للبلد وخصص أعمالا كثيرة لدراسة الهوية المكسيكية المعقدة. لم يكن أحد يفهم أكثر منه طبيعة المكسيك والمكسيكيين، لم يستطع فنانوها أو كتّابها لمس هذا العمق في واقعها، جوهرها ومستقبلها، مع ذلك كان جزء هام من السياسيين والمفكرين على خلاف كبير معه أثناء حياته.
قطع بابلو نيرودا علاقته معه لانتقاده ستالين، بعدها بسنوات وفي المكسيك أهان علنًا نظام فيدل كاسترو ووصفه بالديكتاتورية، وانتقد عدم وجود الحريات في نيكاراغوا. في أحدى المرات في عام 1984، أحرق بعض المتظاهرين صورة باث أمام سفارة الولايات المتحدة الأميركية اعتراضاً على الخطاب الذي ألقاه في فرانكفورت، أثناء تسلّمه إحدى الجوائز الدولية في جمعية الناشرين والكتاب الألمان، أكد فيه أن ثورة نيكاراغوا صودرت من قِبّل قادتها وطالب بإجراء إنتخابات حرة.
مع أن معنى اسمه باث _ Paz باللغة الإسبانية السلام، إلا أن المؤرخ المكسيكي الكبير إنريكي كراوث وصفه أثناء حفلة تكريمه التي أقيمت في الذكرى العاشرة على وفاته: «لم يكن رجل سلام، لكنه رجل حرب، حرب جيدة، حرب فكرية نبيلة يشنها نتيجة غضبه وانفعاله، غضبه من خداع الأيديولوجيات، التشويش، التعصب، الإيمان السيئ وخصوصاً غضبه من الكذب. أما انفعاله فهو للحرية، للأدب، للوضوح، للنقد، للعقل، وخصوصاً للحقيقة».
انتقد باث الموقف السياسي في المكسيك الذي لا يرتكز، من وجهة نظره، على الديموقراطية، بل على المواجهة السياسية. رأى أن المجموعات المختلفة
لا تتحدث في ما بينها، لكنها تتبادل اللكمات. اعتبر أن أيديولوجية الميليشيات أحد أسباب تكثيف العنف، فالأفكار التي تعطيها الحرب للميليشيات هي أفكار خاطئة وغير فاعلة. في كلمات أكثر دقة، كان يتعجب من تمسّك الميليشيات في المكسيك بأيديولوجية ترفض الفعل السياسي الشرعي في الوقت الذي تتجه فيه شبه القارة للعمل على التغيير، عن طريق مؤسسات ديموقراطية كما في أوروغواي وتشيلي. بحسب رأي باث، تتحمل الحكومة على ما يبدو المسؤولية الكبرى لهذا العنف، كانت تسجن أشخاصًا لأسباب سياسية وترفض وجود سجناء سياسيين، وفي الوقت نفسه تجمد أي نشاط عنيف للميليشيات.
طرح باث موضوع العنف في سلسلة مقالات نشرت عام 1973، بعد مذبحة الطلبة في تلاتِلولكو كتب أكثر عن الأمور السياسية الراهنة.
يمكن تقسيم اهتمامات باث في مقالاته إلى أربعة مواضيع أساسية: العلاقة بين الكاتب والدولة، قلق على تطور الثورة المكسيكية وشرعيتها، تعليقات على الظروف الدولية المتصلة بالعصر مثل الإنقلاب في تشيلي، إهتمامه الدائم بعرض التعديات التي تحدث في الإتحاد السوفياتي آنذاك على حقوق الإنسان.
تتضمن مقالاته أكثر من 25 عنواناً منذ «متاهة الوحدة» التي كتبها عام 1950 وحتى «ومضة الهند»
التي ظهرت في عام 1995 قبل وفاته بثلاث سنوات، وهي تطاول محيطه الذي يقوم على الأحداث ليس في المكسيك فحسب لكن في العالم. عندما سئل عن النقد في بعض اللقاءات أجاب باث: «أعتقد أن الثقافة الحديثة في الأصل نقدية. يقتضي وصف الواقع دائما نقده. لا يكون أدب غير نقدي أدبًا حديثاً
كانت الساعات الأولى من 19 أبريل (نيسان) عام 1998، عندما أمر الرئيس الأرجنتيني آنذاك أرنستو ثيديو طائرته بالرجوع
فورًا الى المكسيك لإعلان وفاة الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث.
جعل موت الكاتب المكسيكي، الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل للأداب عام 1990، بسبب سرطان العظام، البلاد تعيش في حالة اضطراب
وكأنها أصبحت يتيمة من دون زعيمها الثقافي الأكثر تأثيرا في النصف الثاني من القرن العشرين.
..