أسهم (نيلس بوهر) بشكل بارز في صياغة نماذج لفهم البنية الذرية إضافة إلى ميكانيك الكم وخصوصا تفسيره الذي ينادي بقبول الطبيعة الاحتمالية التي يطرحها ميكانيكا الكم، وبذلك يعد من أحد أبرز الفيزيائيين النظريين فى القرن العشرين، فقد لعب دوراً بارزاً فى استنباط وتفسير ميكانيكا الكم عبرأعماله الخاصة ومن خلال تأثيره على صغار السن من الفيزيائيين،حصل في العام 1922 على جائزة نوبل عن نموذجه للذرة أو نظريته في بناء الذرة التى وصفت الظواهر الذرية وتحت الذرية (الدون ذرية). وضعه مايكل هارت الى مصاف الشخصيات المهمة في التاريخ وذلك في كتابه (الخالدون المئة).
ولد بوهر في سنة 1885 في مدينة كوبنهاجن، وكان والده أستاذا فى علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا)، في سنة 1911 حصل علي الدكتوراه في الفيزياء ،وبعد ذلك سافر إلي كمبريدج وهناك أكمل دراسته بإشراف تومسون العالم الكبير الذي أكتشف الإلكترون، وفيما بعد أنتقل بوهر إلى مانشستر وهناك درس أرنست رذرفورد الذي أكتشف بعد ذلك نواة الذرة وبسرعة أهتدى بوهر إلي نظريته عن بناء الذرة...
والبحث الذي ألفه بوهر يعتبر من علامات العصر عنوانه عن تكوين الذرة والجسيمات وقد نشر هذا البحث في المجلة الفلسفية سنة 1913،ونظرية بوهر تُصَوِّرُ الذرة من الداخل كالمجموعة الشمسية، حيث النواة في المركز والإلكترونات تدور في مدارات حولها - مع الفرق أن مدارات الكواكب تتفاوت إتـِّسـاعاً على خلاف مدارات الإلكترونات الثابتة.. ويرجع إليه الفضل في التوفيق بين نظريتي رذرفورد وماكسويل عندما بيّن أن الذرة لا تشعّ في الحالة المستقرة.
تحفة رياضية
الجدير بالذكر أنّ ماكسويل إعتمد على قوانين نيوتن الكلاسيكية عند دراسته للذرة وقال أنّه عند تحرك جسم مشحون بشحنة ما حول جسم مشحون بشحنة مخالفة فإنّ الجسم يشعّ باستمرار ويصغر مدار الجسيم إلى أن يصطدم بالجسم الآخر. بتطبيق المذكور على الذرّة نجد أنّها في حالة اشعاع مستمر وسيصطدم الإلكترون حتماً بالنواة وينتهي النظام الذري.
هذه النظرية قضت تماما علي النظرية القديمة كلها ولذلك أعلن أينشتاين العالم الكبير إعجابه الكبير بنظرية بوهر وأعتبرها تحفة رياضية وعن طريق هذه النظرية استطاع بوهر ان يصور لنا ذرة الهيدروجين، فقد كان معروفا أن غاز الهيروجين إذا ما أرتفعت درجة حرارته فإنه يضيء وهذا الضوء لا يشمل كل الألوان إنما ضؤه له ذبذبات خاصة محددة..
وأستطاع بوهر بمنتهى الدقة أن يحدد لنا طول الموجات لكل الألوان التي يطلقها غاز الهيدروجين وأستطاع بوهر لأول مرة أن يفسر لنا حجم الذرات وسرعان ما قبل العلماء هذه النظرية الجديدة التي استحق عليها جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1922..
وفي سنة 1920 افتتح معهد الفيزياء النظرية في كوبنهاجن وعين بوهر مديرا له فانضم له عدد من العلماء النابهين وأصبح مركزا للأبحاث الجديدة في الفيزياء، وتحول اسمه الى معهد نيلس بوهر في الوقت الحاضر، وهو مركز أبحاث تابع لجامعة كوبنهاغن، تجرى به أبحاث في مجالات علم الفلك و فيزياء الأرض و تقانة الصغائر و فيزياء الجسيمات و ميكانيكا الكم والفيزياء الحيوية.
مشاكل وحلول
سرعان ما ظهرت مشاكل واجهت نظرية بوهر التي اقتصرت علي تفسير ذرة الهيدروجين ووجد العلماء صعوبات كثيرة في تفسير حركة الإلكترون في ذرات أثقل وزنا وقد أدرك بوهر هذه الصعوبة ورغم عبقريته لم يستطع أن يجد لها حلا وكان لابد من اكتشاف جذري لهذه المسألة..
أما الحل فقد جاء بعد ذلك .. أكتشفه العالم الألماني هيزنبرج وآخرون سنة 1925 ومن الطريف أن هيزنبرج والعلماء الآخرين قد درسوا في كوبنهاجن ودارت بينهم مناقشات كبيرة مع نيلس بوهر وقد شجع بوهر الكثير من العلماء على المضي في ابحاثهم ..
وفي سنة 1930 مضى بوهر يدرس تركيب نواة الذرة وهو اول من اهتدى إلى ان النظائر المشعة التي ظهرت في فلق النواة هي اليوارنيوم 235 وكان لهذا الإكتشاف أثره البالغ فيما حدث بعد ذلك وفي سنة 1940 احتل الألمان الدانمارك وكان موقفه صعبا فهو معاد للنازية بوضوح.
وفى عام 1943 هرب بوهر من الدنمارك المحتلة ثم عمل فى الولايات المتحدة خلال الفترة المتبقية من الحرب العالمية الثانية وساهم فى مشروع القنبلة الذرية حين ذاك وبعد انتهاء الحرب عاد بوهر إلى وطنه وكانت له خطب وأحاديث دورية تكلم فيها عن الحاجة إلى المسؤولية عن السياسة النووية، وبعد الحرب عاد إلي كوبنهاجن ورأس معهد الفيزياء النظرية حتي وفاته سنة 1962 وحاول بوهر جاهدا دون فائدة أن ينجح في السيطرة على استخدام الطاقة النووية دون أن ينجح..
وتزوج بوهر سنة 1912 في نفس الوقت الذي كان ينجز فيه عمله العظيم وترك خمسة من الأولاد، واحد منهم إسمه آجي بوهر، حصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1975 .
كان بوهر من أحب العلماء في العالم فقد كان لطيفا وكان بالغ الرحمة والإنسانية..
افكار رائدة
ومن الجدير بالذكر كانت لبوهر محاورات في فلسفة الفيزياء مع آينشتاين وشرودنجر وهايزنبيرج.
وقد قام بوهر من خلا ل محاضراته ومناقشاته مع ألبرت أينشاتين وأخرين بتكريس أفكاره الرائدة لفهم ميكانيكا الكم وتعد أسهماته مع (هيزنبرج) في استنباط مبدأ الريبة (الشك).
وقد أطلق على الطريقة التي فهم عن طريقها معظم الفيزيائيين ميكانيكا الكم أسم ( تفسير كوبنهاجن) وفي أواخر الثلاثينيات أتجه اهتمام بوهر إلى الفيزياء النووية، وعلى الرغم من أن نظريته قد تجاوزتها الفيزياء الحديثة فإنه سوف يبقى واحدا من أعظم العلماء فلا يزال جانب من نظريته صحيحا إلى اليوم كما أن نظــريته قد ساعدت على تكوين نظريات أخرى في الفيزياء توفي بوهر فى تشرين الثاني في العــــــام 1962