لأول مرة يشهد فريق من الباحثين أنثى دولفين من نوع "عنق الزجاجة" وهي تضع مولوداً جديدا في البرية، ثم بعدها بدقائق يهجم اثنان من الذكور على الدولفين الوليد للقضاء عليه.إنها واحدة من أقسى قصص الطبيعة وأشدها إيلاماُ تعرض فيها دولفين وليد للتهديد أو القتل على يد أبناء جنسه.
تسمى هذه الظاهرة "قتل الصغار"، وهي تحدث لدى العديد من الفصائل والأجناس المختلفة في الحيوانات، بدءاً من الأسود حتى القردة. ونادراً ما كانت تلاحظ في عالم الدولفين، لكنها في الواقع تحدث رغم سمعة الدلافين بأنها حيوانات ودودة ولطيفة.
ويعتقد علماء أن الذكور تقدم على قتل الولدان لتتفرغ الإناث للتزاوج، وإذا كان لدى أنثى الدولفين صغيراً ترعاه فلن تكون متفرغة للذكور لعدة سنوات.
لكنها إذا فقدت وليدها بعد الولادة بوقت قصير فقد تكون جاهزة للتزاوج مرة أخرى في غضون أشهر.
ولأول مرة يرى الباحثون أنثى دولفين من نوع "توريسبوسترانكاتوس" – وهي الدلافين ذات الأنف الشبيه بعنق الزجاجة - وهي تضع مولوداً في البحر، وتلت هذه اللحظة السعيدة في الحال محاولة لقتل هذا المولود الصغير.
وقع الحادث في شهر أغسطس/آب 2013 وسجل في مجلة علوم الحيوانات الثديية البحرية.
وتعتبر دلافين عنق الزجاجة أكثر أنواع الدلافين تفرقاً وانتشاراً، ولذلك فمن المدهش ألا يُشاهد مولد دولفين في البرية من قبل.
والأكثر إثارة للدهشة هو أن عملية الولادة تلتها محاولة لقتل الوليد، كما تقول روبين بيرتري من جامعة سافانا في ولاية جورجيا الأمريكية والتي شهدت الحادث بعينها.
ليست لدينا معلومات كافية عن المرات التي تحاول فيها ذكور الدلافين قتل الصغار
وحاول اثنان من ذكور الدلافين إغراق صغير الدولفين بعد دقيقتين تقريباً من مولده بالقرب من جزيرة تايبي في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة.
ومع اقتراب بيرتري وزملائها من مجموعة من الدلافين، شاهدوا أنثى دولفين وهي تتقلب في المياه، ومن ثم رأوا صغيرها، وكان محاطاً ببركة صغيرة من الدماء ربما خرج من مشيمة الأم.
وتقول بيرتري: "المياه مليئة بالطين والغرين، ولذا كانت الرؤية محدودة ". ومن هنا كان الاندهاش من رؤية عملية الولادة.
وتضيف بيرتري: "بدأنا التسجيل فور إدراكنا أننا بصدد مشاهدة عملية ولادة، وفجأة انضم اثنان من ذكور الدلافين إلى المجموعة وشرعوا في إغراق الدولفين الوليد تحت الماء".
وفي كل مرة حاول فيها ذكرا الدولفين إغراق الصغير، كانت الأم تدفعه إلى أعلى سطح الماء، واضعة إياه على رأسها كي يستطيع التنفس.
لكن ذكري الدولفين واصلا دفع الصغير إلى أسفل لمدة ثلاثين دقيقة، وهنا تقول بيرتري إن الأم بدت وكأنها مصدومة وهي تراهما يقفزان فوق الدولفين الذي ولد للتو.
تحاول الأم رفع وليدها إلى سطح الماء حتى يتمكن من التنفس
ولمدة ساعتين ونصف الساعة أحاط ذكران من الدلافين بالأم ووليدها. وفي الوقت الذي خفتت فيه الهجمات إلا أن التسجيلات الصوتية كشفت النقاب عن أنها استمرت بعنف تحت الماء، وكان الباحثون على مسافة بعيدة لم تسمح لهم بمراقبة ما يحدث على وجه الدقة.
وتقول بيرتري إن الهجوم ، ولو أنها غير متاكدة تماماً ، كان مدبراً مع سبق الإصرار والترصد.
فقد شوهد ذكرا دولفين وهما يحومان بالقرب من الأم قبل ساعة ونصف الساعة من الولادة، وكانا يتعقبانها استعداداً لقتل الوليد حال ولادته.
وتقول بيرتري: "ليس بوسعنا أن ندخل إلى عقول هذه الحيوانات، ولذا فمن المستحيل أن يكون كلامنا قطعياً. فربما كانت مصادفة، ولكن الحادث يثير سؤالاً مؤداه: هل كانا يراقبان الأم بالفعل قبل الولادة ؟".
ونادرا ما يمكن ملاحظة ظاهرة قتل الصغار في رتبة الحيتان، وهي المجموعة التي تضم الدلافين والحيتان وخنازير البحر.
ولم تشاهد هذه الظاهرة سوى مرتين في عالم دلافين "عنق الزجاجة"، ولم تلاحظ من قبل عملية غمر الوليد تحت الماء بهدف إغراقه، وفي الحالات السابقة كان يدفع بالوليد في الهواء لإصابته وإرهاقه.
شوهد ذكرا دولفين وهما يحومان بالقرب من الأم قبل ساعة ونصف الساعة من الولادة، وكانا يتعقبانها استعداداً لقتل الوليد
ويظهر الكشف الجديد أن الهجوم يمكن أن يحدث تحت الماء، وهو الأمر الذي يجعل من الأصعب اكتشاف ذلك الأمر. ومن هنا فظاهرة قتل الصغار في عالم الدلافين قد تكون أكثر شيوعاً مما كان يعتقد.
وتقول بيرتري: "هذا عامل من عوامل عدة يمكن أن تكون وراء مقتل صغار الدولفين. لا أعتقد أن أحداً كان يتوقع محاولة قتل الوليد على هذا النحو بعد دقائق من مولده".
وتضيف: "كل الحالات الأخرى التي لوحظت في عالم الثدييات البحرية كانت تحدث بعد أيام أو أسابيع من الولادة".
ونحن لا نعرف ما حدث لوليد الدولفين وأمه بالتحديد، وقد تمت مراقبة المشهد لمدة أربع وعشرين ساعة، لكن لم يظهر لهما أثر بعدها.
وهذا في حد ذاته لا يبعث على الاندهاش. فقبل مشاهدة بيرتري للدولفين الأم، لم تكن قد رأت أنثي دولفين منذ عام 2010، وهي فترة فراغ تمتد لثلاث سنوات. وربما كانت الأنثى ووليدها في مأمن يتنفسان تحت الماء.
منقول للأمانة