لطائف بلاغية من القرآن الكريمقال تعالى: " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ
فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
قال أبو حيان :
لقد جمعت هذه الآيات ضروباً من الفصاحة والبلاغة.
أحدهما : التقديم والتأخير في :" إن الدين عند الله الإسلام "ال ابن عباس التقدير : شهد الله أن الدين عند الله الاسلام ، أنه لا إله إلا هو ، ولذلك قرأ إنه ، بالكسر : وأن الدين ، بالفتح.
وأطلق اسم السبب على المسبب في قوله "ن بعد ما جاءهم العلم "عبر بالعلم عن التوراة والإنجيل أو النبي صلى الله عليه وسلم ، على الخلاف الذي سبق.
وإسناد الفعل إلى غير فاعله في : "بطت أعمالهم "وأصحاب النار.
والإيماء في قوله : "بغياً بينهم "فيه إيماء إلى أن النفي دائر شائع فيهم ، وكل فرقة منهم تجاذب طرفاً منه.
والتعبير ببعض عن كل في : "أسلمت وجهي "
والاستفهام الذي يراد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله "أأسلمتم "
والطباق المقدر في قوله :"فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ"ووجهه : أن الإسلام الانقياد إلى الإسلام ، والإقبال عليه ، والتولي ضد الإقبال.
والتقدير : وإن تولوا فقد ضلوا ، والضلالة ضد الهداية.
والحشو الحسن في قوله "غير حق"فإنه لم يقتل قط نبي بحق ، وإنما أتى بهذه الحشوة ليتأكد قبح قتل الأنبياء ، ويعظم أمره في قلب العازم عليه.
والتكرار في "ويقتلون الذين"تأكيداً لقبح ذلك الفعل.
والزيادة في "فبشرهم "زاد الفاء إيذاناً بأن الموصول ضمن معنى الشرط. {البحر المحيط حـ 2 صـ 431 ـ 432}