بهو الأسود أو قصر السباع أجمل وأشهر أجنحة قصر الحمراء بمدينة غرناطة في الأندلس، حيث يعتبر ويعتبر بهو السباع أو كورة السباع Patio de los Leones، أجمل وأرشق أبهاء الحمراء.
إنشاء بهو الأسود
عندما خلف السلطان محمد الغني بالله النصري من بني الأحمر آخر ملوك غرناطة (755هـ / 793هـ - 1354م / 1391م) والده يوسف الأول أبي الحجاج (733هـ / 755هـ - 1333هـ / 1354م)، لم يكتف بإنهاء الإصلاحات التي بدأها والده (الذي أنشأ برج قمارش وبهوه)، ولكن بدأ في تشييد ما سيكون عمله الأكبر، ذلك الإرث الرائع الذي تركه لنا في الحمراء: بهو الأسود أو بهو السباع. فقد كان يشكل هذا القصر الحجرات الخاصة للعائلة الملكية، كما بني في الزاوية التي تشكل الحمامات وفناء الريحان. وما زال اسمه ماثلا في مواضع كثيرة من هذا الجناح.
وصف قصر الأسود
بلغ الفن النصري ذروته في هذا قصر الأسود، حيث يصل جمال الإدراك والانسجام لدرجة لا مثيل لها، حيث يجعل كل من الضوء، والماء، واللون، والزخرفة الرائعة من هذا القصر متعة رائعة للحواس، فيمر بنا عبر الفترة السابقة من الزخارف المجردة والهندسية لينقلنا إلى أسلوب طبيعي أكثر، وبلا شك هو تأثير مسيحي تم تعزيزه بعلاقة الصداقة التي عقدت بين محمد الخامس (الغني بالله) وبطرس الأول الطاغية، والذي كان الحاكم المسيحي في ذلك الوقت.
قصر الأسود أو بهو السباع عبارة عن فناء مستطيل مكشوف، طوله خمسة وثلاثون مترًا، وعرضه عشرون، تحيط به من الجوانب الأربع مشرفيات أو أروقة ذات عقود، تحملها مائة وأربعة وعشرون عمودًا من الرخام الأبيض، والخشب الرقيق، صغيرة الحجم، متناهية في الجمال والرشاقة، التي يوجد في الجزء العلوي منها العديد من الحلقات، وتدعم هذه الأعمدة تيجان مكعبة الشكل وطبليات كبيرة مزينة بنقوش وزخارف نباتية، وعليها أربع قباب مضلعة، تقع كل واحدة منها وسط ضلع من أضلاع المستطيل.
يوجد تحت إفريز الخشب المنحوت أقواس من الجص الذي يعلو وسطه، وهي أقل من تلك الموجودة في السرادقات وفي أطراف الجوانب الأكثر طولا من الممر، وهي من القباب المقرنصة، بفسحات مثلثية مزينة بزخرفة مفرغة على شكل معين. ويوجد بمركزي الجوانب الأكثر طولا للفناء أقواس نصف دائرية أكبر من باقي الأقواس إذا نظرنا في المنتصف ولها جزء خشبي مستدير من القباب المقرنصة، بينما نجد الفسحات المثلثية مزينة بزخارف نباتية.
تصل هذه الأقواس الفناء بقاعة بني سراج وبقاعة الأختين، وفوق هذه الأقواس يمكننا ملاحظة غرف حريم السلطان. في منتصف كل رواق من الأروقة القصيرة توجد السرادقات التي تعد قريبة من الباحة، وهي عبارة عن طابق مربع، ومغطاة بقباب شبه دائرية خشبية من الداخل. والتي تسمح لنا بالوصول للقاعات الأخرى: في الغرب من قاعة القباب المقرنصة، وفي الشرق من قاعة الملوك، وفي الشمال من قاعة الأختين، المشربيات ومنظرة دار عائشة وفي الجنوب من قاعة بني سراج والحريم.
كان مركز الباحة عبارة عن حديقة سفلية، وكانت أرضية الأروقة من الرخام الأبيض. تعرضت هذه الحديقة للعديد من التغييرات على مر السنوات، وحاليا تم اختيار إزالتها فعلا من أجل تجنب الرطوبة التي ظهرت في عصور أخرى. ويوجد بها قنوات من الرخام الأبيض التي تنطلق من داخل السرادقات وتحت التكعيبات، وتتلاقى في النافورة المركزية على شكل صليب. يوجد في أطراف القنوات صنابير تحمل الماء إلى النافورة المركزية.
نافورة الأسود
وفى وسط الفناء نافورة الأسود أكثر الأماكن شهرة في قصر الحمراء، وهى عبارة عن نافورة ماء، يحمل حوضها المرمري المستدير الضخم، اثنا عشر أسدًا من الرخام الجميل على شكل دائرة، تخرج المياه من أفواهها بحسب ساعات النهار والليل. ويحيط الأسود بحوض النافورة الاثنى عشرية الأضلاع التي ترتكز فوقهم.
وقد نقشت فوق دائرة هذا الحوض اثنتى عشر بيتا من قصيدة ابن زمرك الشهيرة في وصف الحمراء، أمام كل أسد بيت منها، وهذا مطلعها:
تبارك من أعطى الإمام محمدا *** مغانـىَ زانـت بالجمـــال المغانيــا
وإلا فهـذا الروض فيـه بدايـع *** أبى الله أن يلقى لها الحسن ثانيا
تعد هذه النافورة المصنوعة من الرخام الأبيض واحدة من أهم تحف فن النحت الإسلامي. وقد تعطلت مخارج المياه في هذه البركة؛ حيث حاول الفرنجة التعرف على سر انتظام تدفق المياه بالشكل الزمني الذي كانت عليه، ومن الجدير بالذكر أن الحضارة الإسلامية استخدمت الفوارات في زخرفة الحدائق العامة والخاصة.
وقد وصلت براعة المهندسين المسلمين في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي حدًّا كبيرًا في صنع أشكال مختلفة من الفوارات يفور منها الماء كهيئة السوسنة، ويتم تغييرها حسب الحاجة ليفور الماء كهيئة الترس وفي أوقات زمنية محددة، ولقد وصلت تقنية الفوارات قمتها في الأندلس؛ حيث تنافس المهندسون الأندلسيون في تزيين حدائق وقصور الخلفاء والأمراء، وتمثل فوارات قصر الحمراء وجنة العريف نموذجًا متطورًا لما وصلت إليه إبداعات المسلمين في ذلك الوقت.
مراجع الدراسة:
- محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الرابعة، 1417هـ / 1997م.
- الموقع الرسمي لقصر الحمراء على الإنترنت.
قصة الاسلام