لطائف نحوية -
طرفه نحوية قد يختلف اثنان على إعراب الاسم الذي يلي اسم الفاعل مثل كلمة (كتاب) في قولنا: (ناشر كتاب) ؛هل هو منصوب على أنه مفعول به (ناشر كتابًا)؟ أم
أنه مجرور على أنه مضاف إليه (ناشر كتابٍ)؟ والحق أن الوجهين جائزان بشرط التقيد بإثبات التنوين في الأول (ناشرٌ كتابًا) ، وحذف التنوين من الآخر (ناشرُ كتابٍ) ،
ولكن ذلك يحتاج أيضا إلى تقيد بالدلالة الزمنية التي يراد للتركيب أن يحملها. فـ(ناشرُ كتابٍ) ماضٍ تم وانتهى. أما (ناشرٌ كتابًا) فهو لم يتم وإنما يدل على المستقبل ، أي
(سينشر كتابًا). ولذلك طرفة من روائع طرف النحو العربي أبطالها ثلاثة ؛ الكسائي رحمه الله عالم النحو واللغة المشهور ، والقاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم
الأنصاري تلميذ أبي حنيفة رحمه الله وناشر مذهبه الفقهي وقاضي القضاة في زمن الرشيد ، والخليفة هارون الرشيد رحمه الله. القـصـة: اجتمع أبو يوسف والكسائي
يوما عند الرشيد ، وكان أبو يوسف يرى أن علم الفقه أولى من علم النحو بالبحث والدراسة ، وأن علم النحو لايستحق بذل الوقت في طلبه. فراح ينتقص من علم النحو
أمام الكسائي. فقال له الكسائي: أيها القاضي .. لو قدّمت لك رجلين ، وقلت لك: هذا قاتلُ غلامِك . وهذا قاتلٌ غلامَك. فأيهما تأخذ؟ الأول بالضم بدون تنوين (قاتلُ)
لإضافته للاسم بعده (غلامِك) المجرور على أنه مضاف إليه. والآخر بتنوين الضم (قاتلٌ) وإعماله في الاسم بعده (غلامَـك) المنصوب على أنه مفعول به لاسم الفاعل.
فأي الرجلين سيأخذه القاضي بالعقوبة ويقيم عليه الحد؟ فقال أبو يوسف : آخذ الرجلين. فقال الرشيد: بل تأخذ الأول لأنه قتل ، أما الآخر فإنه لم يقتل. فعجب أبو
يوسف ، فأفهمه الكسائي أن اسم الفاعل إذا أضيف إلى معموله (قاتلُ غلامِك) دل عل الماضي ؛ فهو قتل الغلام. أما إذا نون فنصب معموله على أنه مفعول به (قاتلٌ
غلامَك) فإنه يفيد المستقبل ؛ أي أنه سيقتل. فاعتذر أبو يوسف ، وأقر بجدوى علم النحو وعهد ألا ينتقص منه أبدا. وفي البلاغة بُلغة.