الدراسات أثبتت أن التعليم يمكن أن يحدث أثناء النوم
يبحث العلماء في كيفية التحكم بأفكار الإنسان لتعليمه أثناء النوم، ويشيرون إلى أن ذلك يساعد على استيعاب قدر أكبر من المعلومات التي تعين المرء على إدراك أمور أعمق، أو التخلي عن بعض العادات السيئة، أو اكتساب بعض العادات الحسنة.
وذكرت مجلة «نيو ساينتست» العلمية المتخصصة، في تقرير حديث لها حول هذا الموضوع، أن العالم والفيلسوف ألدوس هكسلي كان قد سجل أصوات الهمسات وبثها في آذان أطفال نائمين، ليساعدهم على التكيف مع دورهم في المجتمع مستقبلاً، وهو ما اجتذب اهتمام قراء كثر إلى كتابه الذي ألفه في هذا المجال عام 1932، وبدأ الاهتمام بالتعليم أثناء النوم يتسع نطاقه منذ ذلك الحين.
وفي عام 1951 كرس باحثون في جامعة جورج تاون بواشنطن أنفسهم لدراسة هذه المسألة، واختاروا 30 متطوعاً، ووضعوا مسجلات ومكبرات للصوت في غرف نومهم، وعلى مدى نصف ساعة أثناء النوم شغل المتطوعون موسيقى مصحوبة بكلمات صينية، وفي اليوم الثاني وجدوا أن الأطفال يتكلمون اللغة الصينية بشكل أفضل، وبالتالي تأكدوا من أن التعليم يمكن أن يحدث أثناء النوم.
وادعى فريق ثان أنه درّس إشارات «مورس» لمجموعة من الأشخاص أثناء حالة النوم التي استغرق فيها طلاب يعملون في القوات البحرية، ووجد فريق ثالث أن الأطفال توقفوا عن قضم أظفارهم، بعد أن استمعوا أثناء نومهم لجملة «طعم أظفاري مر بشكل رهيب» لست مرات أثناء الليلة الواحدة على مدى 54 ليلة.
قياس نشاط الدماغ
وفي عام 1955، أجرى باحثون دراسات عدة لقياس نشاط الدماغ مستخدمين التيار الكهربائي، واليوم وبعد نصف قرن من الدراسات التي أجريت في هذا المجال، تبين أن تعليم الأدمغة أثناء الليل يمكن أن يؤدي إلى استيعاب بيانات جديدة وفقاً للشروط الجديدة. وحالياً نعلم أكثر حيال ما يدور في أذهاننا هذه الأيام. وقال سيد قويدر، عالم الأعصاب الإدراكية في معهد «إيكول نومال سوبرير» في باريس:
«حتى قرن من الزمن، لم يعتقد كثيرون بحدوث هذا الأمر»، ووجد الخبراء أن الدماغ لا يتوقف عن العمل، فأجزاء منه تظل نشطة بشكل كبير، حتى عندما نكون غير واعين، ويبدو أن الدماغ النائم يراجع ويخزن الذكريات في اليوم الواحد ليحافظ على المعلومات المهمة.
واكتشف الباحث أن توطيد الذاكرة الذي يحدث أثناء النوم يجعل بعض الأشخاص يتعجبون من إمكانية بسط سيطرتهم على العملية. وفي عام 2007 اختبر عالم الأعصاب جان بورن من جامعة «ليوبيك» في ألمانيا هذه النظرية، ودعا لذلك 18 متطوعاً لممارسة لعبة الذاكرة قبل ذهابهم للنوم، وتعلم كل فرد منهم موقع 15 زوجاً من البطاقات على شاشة الكمبيوتر، وأثناء النوم تم نثر الرائحة من حولهم كي يستنشقوها، على افتراض أنه من الممكن للأفراد تذكرها أثناء نومهم.
واختار الباحثون الرائحة كي تكون دليلاً على صحة فرضياتهم، لأن العطور لا توقظ النائم أثناء الليل، ويشير الخبراء إلى أن منطقة الدماغ مرتبطة بقوة بالروائح وبخلايا «هيبو كامبس»، وهي جزء من الدماغ يلعب دوراً رئيسياً في تكوين الذكريات، وتمكن المتطوعون من تذكر عدد أكبر من البطاقات بعد تعرضهم للعطور مقابل نومهم من دون تعرضهم للروائح.
التركيز على الأصوات
وسعى الباحثون إلى النظر في إمكانية تحصيل النتائج ذاتها عبر التركيز على تأثير الأصوات بدلاً من الروائح، وأصبح من الواضح أن من الممكن التأثير في الذكريات أثناء النوم عبر مؤثرات خارجية، واكتشف الباحثون عام 2011 في مختبر «بورن» نموذجاً جديداً من الدراسة أوضح أهمية الذاكرة في المستقبل.
وإلى جانب ذلك، أشار الخبراء إلى أن قلب الأفكار رأساً على عقب بالتزامن مع سماع موسيقى معينة، يمكنه أن يساعد الناس أيضاً على تغيير معتقداتهم الراسخة، وتمكنت كاثرينا هاينر من جامعة «نورث ويسترن» من مسح الذكريات السيئة الموجودة في عقل الإنسان أثناء النوم، وأظهرت للناس وجوهاً مختلفة بينما عرضتهم إلى صعقات كهربائية وكذلك لروائح نباتية، مثل الليمون والنعناع والصنوبر. وأثارت هذه التجارب القلق في البداية، بينما تم قياس نتائجها من التعرق، إلا أن ذلك القلق تبدد تدريجياً، وعندما استفاق من أجري عليهم البحث كانوا أقل قلقاً تجاه الصور التي شاهدوها، وبالنسبة للمتطوعين الذين تعرضوا للتجربة ذاتها، ولكن من دون النوم فإنهم لم يفقدوا خوفهم. ووجد العلماء أن التعلم يحدث بشكل أكبر أثناء حركة العين السريعة، أو ما يعرف اختصاراً بـ«أر إي إم» الذي يعتبر وقتاً ملائماً للنوم.
تعزيز الدراسة
يشير العلماء إلى أن أنهم توصلوا في دراستهم إلى مستوى ثان من التعليم، وبوضع ذلك في الحسبان بحث الخبراء في إمكانية معالجة المعلومات اللفظية أثناء النوم. ويقول باحثون إنه دائماً ما سيكون هناك تبادل للمواد بغض النظر عن الحيل أو التقنيات التي كشف عنها البحث المتعلق بالتعلم أثناء النوم. ويمكن أن يساعد ذلك على تحسين المهارات الموسيقية واللغوية والرياضية. وقد نستخدم النوم يوماً ما لتعلم كيفية إزالة التحيزات القوية تجاه الآخرين، أو تعلم مبادرات جديدة مثل الشعور الإيجابي تجاه نوع معين من الغذاء أو التجارب.
الانباء