تركيا تنتج نسخة {داعش} الصينية
23/07/2015 05:46
لم تكن دعوة ممثل المرجعية الدينية لدول الجوار الإقليمي قبل اسبوعين، بالتوقف عن رفد عصابات “داعش” بالإرهابيين نابعة من فراغ. فالمشاهد والمعلومات المتواترة داخليا وخارجيا، تفيد بان بعض تلك الدول تحولت من ممر لهؤلاء المرتزقة إلى حاضنة لتجنيدهم وتطبيبهم أيضا.

على رأس قائمة المتهمين بتجنيد «الدواعش» وإرسالهم الى مناطق القتال في كل من العراق وسوريا، تأتي تركيا التي لم تنفك أصابع الاتهام توجه نحوها وتربطها بعلاقة «مشبوهة» مع العصابات التكفيرية؛ لا بل حتى الاستفادة من الفوضى التي سببها الارهابيون في المنطقة المضطربة اصلا، فيما توجه اتهامات بدرجة أقل لدول وجهات خليجية تحديدا وممالك عربية.



شواهد محلية

واعترافات

أحد الشواهد المحلية على هذه الاتهامات، هو ما يتناقله «الإعلام الحربي» ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع فيديو لـ«دواعش» ذوي ملامح صينية وقعوا في قبضة الأجهـزة الأمـنية وقوات الحشد الشعبي، فيما لقي آخرون مصرعهم.

انتشار هذه الصور والفيديوهات، دفع بعض المُعلّقين للتساؤل بسخرية: هل أنتجت الصين النسخة المقلدة من «داعش»، أم إنها بريئة من هذا الإنتاج الداعشي، كبراءة الذئب من دم يوسف؟.

وإلى جانب الصور والتسجيلات المنتشرة على نطاق واسع في الشبكة العنكبوتية، هناك «معلومات استخبارية وأخرى مبنية على اعترافات اولية أدلى بها «الدواعش» الصينيون بعد القبض عليهم تشير الى تـورط تـركي تحديدا بتجـنيد هـؤلاء المرتزقة»، طبـقا لما أكـده لـ«الـصباح» قيـادي في هيئة الحشد الشعبي.

القيادي الشاب الذي فضل الإبقاء على اسمه بعيدا عن الإعلام حاليا لحين اكتمال التحقيقات، أكد أيضا ان «بعض الارهابيين المعتقلين ممن يتحدثون العـربية بركـاكة، اكدوا انهم يتقـاضون فور تجنيدهم مبالغ مالية تصل الى الفي دولار لكل مُجـند، تُسلم لهم مع وثـائق سفر مؤقتة عـبر وسطـاء ودبلوماسيين اتـراك ايضا».

ووفقا للاعترافات المُسربة، فان «الدواعش الاسيويين يتحركون بحرية متنقلين من دول جنوب شرق اسيا باتجاه تركيا عبر طائرات الخطوط الجوية التركية، لينقلوا بعدها الى سوريا ومن هناك الى العراق».

امتعاض عراقي



وفي الوقت الذي يمنع دستور العراق التدخل في شؤون الدول الاخرى الداخلية، إلا أن مسؤوليه وبعض زعاماته السياسية أبلغوا سفيرها ببغداد فاروق قايمقجي بهذا الأمر خلال جولته على مقراتهم في شهر رمضان.

كما وصلت رسالة الامتعاض العراقي من الدور التركي المشبوه، إلى القيادة هناك إبان المباحثات التي أجرتها وفود رسمية زارت أنقرة مؤخرا، بهدف معلن هو التباحث حول أزمة المياه التي تضرب العراق، نتيجة سياسات دولة المنبع.

هذا ما كشفه مصدر دبلوماسي واكب إحدى تلك الزيارات.

إذ قال في تصريح خاص لـ«الصباح»: إن «مسؤولين كبارا في الجارة الشمالية، سمعوا من زائريهم العراقيين كلاما صريحا ومباشرا في هذا الجانب، لكنهم وكالعادة قابلوا تلك الاتهامات بالتجاهل والنفي وشيء من التقية».

رسالة الامتعاض أوصلها بشيء من الدبلوماسية نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي عندما زار أنقرة مطلع الشهر الجاري.

وبعد ذلك فاتح رئيس البرلمان سليم الجبوري مضيفيه الأتراك حول هذا الأمر عندما زارهم بعد أيام من زيارة النجيفي، دون أن يحصل الرجلان على جواب شاف.

ليعود وزير الخارجية إبراهيم الجعفري الذي ترأس نهاية رمضان وفـدا رسميا للتبـاحث حـول موضـوع المياه هو الآخر، ويطرح موضـوع مرور المرتـزقـة عبـر الأراضي التـركية نحو مـعاقل «داعش» لكنـه جوبه بنـفي قاطع للاتهـامات الموجهة صوب أنـقرة في التورط بتجـنيد المتـطرفين العرب والأجانب وإرسـالهم إلى سـوريا والعـراق.

تحييد الجارة الشمالية



تنامي هذه الاتهامات في الأوساط المحلية ضد تركيا، دفع لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الى مطالبة الحكومة، باتخاذ «إجراءات سياسية واقتصادية صارمة تجاه الدول التي يتدفق منها الإرهابيون».

رئيس الدبلوماسية العراقية، قال في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره التركي في الرابع عشر من الشهر الجاري، انه يعول «على العلاقات الاقتصادية لتعزيز التعاون الأمني مع تركيا ».

وهو ما يشاطره فيه مراقبون وساسة يعتقدون بإمكانية تحييد الجـارة الشـمالية التي تمتلك مشروعا سياسيا تريد تصديـره للخارج الإقليمي، وتحويلها إلى درع واقية للعراق وعموم دول المنطقة من خطر الإرهاب المعاصر عبّر التلويح لها بـ»كعكة» الشراكات الاقتصادية والاستثمارات.

بالمقابل، أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو، في المؤتمر الصحافي، ان بلاده ستستمر بـ«مساعدة العراق في مكافحته لداعش..»، مـذكرا هنا بالمعونات التدريبية والتسليحية «غير الملموسة» التي قدمتها أنقرة للقوات العراقية و«البيشمركة» الكردية.

تواصل الاتهامات



لكن كل ذلك لم يمنع من الاستمرار بتوجيه الاتهامات صوب تركيا سواء داخل العراق أو خارجه.

لا سيما مع تأكيد اردوغان الاستمرار بتنفيذ مشاريعه الداخـلية والخـارجية، وهو ما عرضه لانتقادات داخلية خـصوصا بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف متظاهرين اكرادا ونشـطاء يساريين في اقليم «شانلي اورفـه» المحـاذي للـحدود مع سوريا.

الاتهامات المتـواتـرة بالتورط التركي في انتاج «داعش» وتـغذيته، لم ترد فقط على السنة العراقيين ومن قبلهم السوريين، بل ان الدول الغـربية تسجل على أنقرة ما تصفه بـ«تغاضـيها» إزاء التنظيمات المتشددة التي تقاتل في «الشرق الأوسط» .

وينـطلق الغرب في اتهاماته، من رفـض تركيـا المشاركة حتى الآن بـما يعرف بـ«التحالف الدولي» بقيادة واشـنطن لمحاربة التنـظيم المتطرف الذي بـات يضرب في كل أصـقاع الـعالم، علما أنها عـضو في حلف الشـمال الأطـلسي «الناتو» الذي يشارك عدد كبير من أعضـائه في التـحالف المذكور.



ضغوط دولية

وحملة شكلية

ومع نفي تركيا المتواصل لتلك الاتهامات، ألا أنها خضعت على ما يبدو للضغوط التي تتعرض لها في هذا الجانب، وأجبرتها على شن عمليات وسط تغطية إعلامية مضخمة لتفكيك شبكات تسهل عبور المرتزقة الأجانب من أراضيها إلى سوريا.

هذه المداهمات التي جاءت بعد زيارة قام بها مسؤول أميركي إلى أنقرة حيث طلب منها المزيد من الدعم في إطار الحملة الدولية ضد التطرف والإرهاب المنتشرين في عموم المنطقة العربية، أسفرت عن اعتقال عدد من المشتبه بهم في تمويل ودعم «داعش».

كما عززت من تدابيرها العسكرية على طول الحدود مع سوريا.لكن يبدو ان الاجراءات الاحترازية الشكلية المتخذة من قبل السلطات التركية لم تنفع والدليل، تفجير «شانلي أورفه» الاخـير، الذي حُمل وزره تـركيا لكـونها «شريكا في خلق داعش وتدعيمه».حتى ان وسائل اعلام تركية معارضة، علقت بتهكم على المأزق الذي وضع اردوغان نفسه فيه، بالقول «طباخ السم آكله» و«بضاعته الداعشية ردت اليه» أو «تركيا كمن يربي الذئب».



اتهامات صينية هذه المرّة

ومثل هذا الكلام التهكمي ورد من أقصى الشرق هذه المرة. إذ وجهت الصين أصابع الاتهام نحو تركيا بتجنيد «الايغور» المسلمين الذين يعيشون في إقليم «شينجيانج»، وضمهم إلى «داعش» عبر تزويدهم بوثائق هوية تركية من دبلوماسيين أتراك في جنوب شرق آسيا ثم ينقل المرتزقة المجندون إلى «بلاد الأناضول».

وقدمت بكين هي الأخرى، أدلة موثقة وحقائق تثبت اتهاماتها بحق أنقرة التي باتت في خانة ضيقة داخل حلبة الدفاع عن نفسها ونفي الاتهامات الموجهة إليها.مسؤول صيني كبير، كشف قبل أيام عن ان المجندين الايغوريين «يباعون للقتال لمصلحة جماعات مثل داعش».

وبهذا الصدد، قال رئيس قسم البحث الجنائي في وزارة الأمن العام الصينية تونغ بيشان: «تعطيهم - يقصد هنا الايغوريين - السفارات التركية وثائق إثبات على أنهم أتراك».



غضب تركي

الاتهام الصيني المباشر، أغضب تركيا على الصعيدين الرسمي والشعبي.إذ وجه مسؤولون في حكومة أنقرة انتقادات - ولو بشكل غير علني - للسلطات الصينية بسبب ما وصفوه بـ»تعاملها القمعي» مع المسلمين الايغور الذين يتشاركون مع الاتراك بالتراث الثقافي والديني.

فيما تظاهر مجموعة من القوميين في اسطنبول منددين بما يتعرض له «الايغور» من مضايقات في الصين، حتى أنهم اعتدوا على سياح كوريين ظنوا بأنهم صينيون.

تزامنا مع ذلك تفيد تقارير صحافية، بان المئات وربما الآلاف من الصينيين الايغور فروا سراً إلى تركيا عبر جنوب شرق آسيا، هربا من الاضطرابات التي يشهدها إقليمهم الذي يضم أكثر من 25 مليونا من الأقلية المسلمة، وهـو رقم يفوق تعداد سكان دول الخليج قاطبة.

تساؤلات غربية

ومع توالي الاتهامات لتركيا بـوجـود علاقة «مشبوهة» تربـطها مع «داعش» التي دفعـتها أخيـرا إلى شن حملة أمنية ضـخمت إعـلاميا ضـد أنـصـار التنـظـيم المتـوحش وخلاياه النائمة في عدد من مدنها، تساءلت وسائل إعلام غربيـة: هل تركيا جادة في تحركاتها ضد التنظيم السُني المتطرف؟.

مراقبون أجانب ومعارضون محليون لسياسات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وكبير وزرائه احمد داود أوغلو، شككوا في الخطوات المتخذة من قبل حكومة أنقرة ضد الخطر «الداعشي» الذي بات يقض مضاجع السلطات التركية ويؤرق مسؤوليها.

ويرى هؤلاء، ان التغيير في نهـج تركيا المتـغاضي عن نشاطات «داعش» والمتساهل مـع هـذا التـنظيم المتـغذي بالفكر الوهـابي،عبر إمداد عنـاصره بالسلاح وتقـديم العلاج لـجرحاه، ناهيك عـن تسهيل مرور مرتزقته عبر أراضـيها، «ليس جوهريا» بل هـو عبارة عن سياسة مصطنعة لـ«ذر الرماد في العيون» وهو«تغيير ظرفي» تتـطلبه المرحلة الراهنة، وكذلك تحتاجه العلاقـة بين «قطيع التكفيريين» وأنـقرة التي استفادت سياسيا ومـاليـا من الفوضى التي سببها «الدواعش» في المنـطقة.



مقابل مادي..

فيما يؤكد آخرون أن الإجراءات الأمنية المعتمدة أخيرا من قبل السلطات التركية ضد المتعاطفين مع «داعش» وشبكاته المتواجدة على أراضيها، ليست دون مقابل، بل لها ثمن يتمثل في المسعى التركي المحموم لمنع أكراد سوريا الذين يقاتلون التنظيم المتطرف، من إنشاء منطقة حكم ذاتي.

وبحسب رئيس مركز «أدام» للأبحاث في اسطنبول سنان اولغن، فإن «تركيا أدركت أنها لن تتلقى أي دعم من حلفائها.. لمنع إنشاء منطقة حكم ذاتي كردية على حدودها إذا فشلت في الرد على انتقاداتهم اللاذعة في ما يتعلق بمحاربة داعش»، مثلما نقلت عنه (فرانس برس).

ويرى الخبير التركي في حديثه، أن “أنقرة استخدمت في الماضي تنظيم داعش لتحقيق أهدافها في المنطقة، من مواجهة نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا إلى احتواء النفوذ الكردي”.



أدلة داخلية

وتقارير خارجية

بعض تلك الاتهامات، تستند إلى ما عرضـته وسائل إعلام معارضة لنـهج حكومة «العـدالة والتـنمية» وكـشفت بالـدليل الـقاطع كيـف يـتم تـزويد الجماعات الإرهابية بالسلاح والمعـدات بواسطة شاحنات حكـومية تابعـة لأجهزة الأمـن التركية تـدخـل إلى المناطق التي تخضع لسيطرة التنـظيمات المتشددة في سوريا.

يضاف إلى تلك الاتهامات الصريحة، ما كشفته قبل أيام قليلة تقارير أجنبية، عن هيئة سرية طبية تعالج جرحى «داعش» وتنقلهم إلى المستشفيات التركية.

ما يثير الانتباه في التقارير الواردة من أميركا، هو مقر هذه الهيئة الطبية السرية الذي يقع في المنطقة التي وقع فيها التفجير وهي محاذية للحدود مع سوريا وذات غالبية كردية معروفة بمعارضتها شعبيا وحزبيا لسياسات وتوجهات اردوغان.

التقارير، كشفت النقاب عن العلاقات «المشبوهة» التي تربط الرئيس التركي وأفراد أسرته بأعضاء وقيادات التنظيم المتطرف، فضلا عن متاجرة ابنه بلال بالنفط المهرب من المناطق التي يسيطر عليها «الدواعش» في كل من العراق وسوريا، وهو ما اعتبرته دعما غير مباشر لتلك العصابات الإرهابية.



شبكة الاعلام العراقي