البكاء، لحظة الضعف التي ينتج عنها قوة
تعلمنا منذ صغرنا أن دموع الرجال لؤلؤة ثمينة وغالية، تعلمنا أن الرجل كالصخر قاسٍ جلد لا يبكي، وأن دمعته عزيزة وصعبة النزول... قالول لنا "البكاء ليس للرجال" وقالوا لنا بأن المرأة دمعتها سخية جاهزة للنزول في كثير من الأوقات والمناسبات وذلك لأنها كما يقولون شديدة العاطفة والتأثر... فهل هذا التحليل منطقي؟.
استوقفني عنوان هذا الموضوع عندما سمعته من أحد الأشخاص، مما دفعني للتفكير فيه طويلا... ترى متى يبكي الرجال؟ ما الذي يدفع هذه الدمعة الغالية إلى أن تخط طريقها فوق ثنايا وجه رجل؟... ما هو الأمر الجلل الذي يدفع بالرجال إلى البكاء؟ ما الذي يجعل رجولة هذا الإنسان تنحني لتسقط العبرات الغالية؟.... متى يبكي الرجل أمام الرجال؟ وأمام شهود العيان؟. ومن قال أن الرجل لا يبكي ضعفا؟ ومن قال أن الرجل لا يُهزم؟ ومن قال أن الرجل لا يقهر؟... لقد تعوذ الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام من الكسل والفقر وغلبة الدين وقهر الرجال، أفلا يضعف الرجل أمام المرأة ويبكي بعدها عندما يتذكر خطأه؟ ألا يُقهر الرجل عندما يحكم عليه ظلما؟ أو يهزم في معركة من المعارك أو يخيب ظنه بأحدهم أو يرى تجارته تنهار لسبب أو لآخر؟
لماذا ينكرون على الرجل البكاء ؟
أليس الرجل إنسان ذو قلب وأحاسيس ومشاعر؟ نعم، إن الأمر يستحق البكاء وفق كل قوانين الإنسانية حتى الحيوان يبكي إذا رأى صغيره يموت أمام عينيه ولا يحرك ساكنا ليقف حائرا أمام ما يراه ولا يستطيع أن يعبر عما يجول في خاطره... لماذا يضنون على الرجل أن يبكى وقد بكت السماء والأرض ألم يقل الله عز و جل في كتابه الكريم حين أهلك قوم فرعون (فما بكت عليهم السماء و الأرض و ما كانوا منظرين) وعندما سئل ابن عباس هل تبكى السماء والأرض على أحد؟ قال رضي الله عنه نعم، انه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه و منه يصعد عمله فإذا مات المؤمن أغلق بابه من السماء الذي كان يصعد به عمله وينزل منه رزقه فقد بكى عليه، وإذا فقد مصلاه في الأرض التي كان يصلى فيها و يذكر الله عز وجل فيها بكت عليه... وما للأرض لا تبكى على عبد كان يعمرها بالركوع و السجود و ما للسماء لا تبكى على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها كدوى النحل و حين تعمر مكانك وغرفتك بصلاة وذكر و تلاوة كتاب الله عز و جل.
ألا يبكى الرجل العجوز الذي حناه الدهر من شدة ما لاقى فيه من ويلات ومكائد... يبكي ولده!!... نعم، إن الأمر يستحق البكاء فسهر الليالي على تربيته وما أكثر الليالي الحالكة التي تعصف بالأبناء وخاصة في طفولتهم.
ألم يبكى سيدنا يعقوب وأبيضت عيناه من الحزن على ابنه يوسف عليهما السلام بعد أن غدر به أخوته وألقوه في البئر، وحينما يعجزالرجال عن فعل شيء قد يدفعهم ذلك إلى البكاء... وقلة المال بين يدى الرجل قد تدفعه للبكاء خلوة مع نفسه حينما يرى أبناءه محرومين ولا يستطيع فعل شيء ولا حول له ولا قوة.
إذا ليس غريبا أن يبكي الرجال ورسولنا محمد عليه السلام أفضل الخلق قد بكى في مواقف كثيرة، بكى عليه السلام عندما بلغه نبأ مصرع قادة مؤتة الثلاثة، وحزن عليهم حزنا لم يحزن مثله قط، ومضى إلى أهليهم يعزيهم ولما بلغ بيت زيد بن حارثة لاذت به ابنته الصغيرة وهي مجهشة بالبكاء فبكى عليه السلام حتى انتحب، فقال له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام هذا بكاء الحبيب على حبيبه.
.
متى يبكى الرجل ؟
قيل عن الرجل أنه لا يبكي إلا نادراً وإذا بكى كانت دموعه دم... وقيل أيضا إن دموع الرجل ملتهبة جداً وبكاء الرجل شكل من أشكال التعبير عن المشاعر التي تجسد لحظات من الفرح والحزن... فالدموع تريح النفس وتخفف الضغط الذي يعانيه في مختلف مناحي الحياة ويجب أن ندرك جميعا أن الفرح أو الألم حينما تكون منابعهما أقوى من كل قوة نمتلكها فإننا نبكى وحينها لا فرق يُذكر بين رجل أو امرأة.
بكاء الرجال يختلف من شخص لآخر وحسب المواقف والظروف التي يمر بها... فهناك بكاء صامت يبكيه الرجل داخل قلبه عند كل فاجعة عظيمة ومصيبة كبيرة ولكنه لا يظهره حتى لاتغرق السفينة التي يعتبر ربانها... وهناك بكاء الدموع تلك الدموع التي ظل يناضل لحبسها زمنا طويلا فتتسابق للخروج من مقلته، ولا يبكي الرجل هذا البكاء إلا عندما تضيق به السبل فنقول أنه قد بكى وحـق له البكاء.
ويبكى الرجل عندما يكون في قمة ضعفه وانكساره فتدمع عيناه من هذا الإنكسار.... ويبكى عندما يُظلم ويتعاقب على رأسه الذل وحينها يسقط بلاشعور باكياً، حينها تنكسر طاقة تحمله فتهل دموعه لاعبراته لأنه في قمة الحزن والهن... وربما يبكي لشعوره بالندم ويبكي لحاجته للعطف أو الحنان أو لرغبته في البكاء أو ربما لينفس عن كرب أو ضائقة في داخله.
ولربما يبكي من الفرحة والسرور، ويبكي عندما يكون صاحب ضمير ونفس لوامة وقلب خاشع فيبكي من خشية الله تعالى سواء لشعور بالذنب ورجاء في المغفرة أو ابتغاء مرضاة الله.
البكاء من خشية الله