ملاحظات حول الاتفاق النووي الأخير
بناهيان: كلّ ما حصلنا عليه من مكاسب في خضمّ هذه المفاوضات فكان برصيد المقاومة، وكلّ ما افتقدناه أو لم نكسبه فهو بسبب نقص المقاومة/ نحن إن حصلنا على شيء في القرار 598، فكان ذلك بسبب مقاومتنا لثمان سنين، ولا شك في أننا لو كنّا قد قاومنا أكثر، لحظينا ببركات أكثر
تطرق سماحة الأستاذ بناهيان في تكملة سلسلة جلساته حول طرق الوصول إلى الحياة الأفضل إلى عنصري الصبر والمقاومة وعرّج على نتائج المفاوضات النوويّة. فإليكم مقاطع من كلمته الخامسة والعشرين من هذه السلسلة تمّ اختيارها لأهمية الموضوع:
لقد صمّم الله هذا العالم بالنحو الذي لا يحصل الإنسان فيه على شيء من دون الصبر والمقاومة
من الخصائص التي يحتاجها الإنسان دائما وفي كلّ مكان، وهي ملخّص ومجمل جميع أحكام الدين، وغير منفكّة عن ذات الدنيا وطبيعة حياة الإنسان هي المقاومة. يطلق على المقاومة تارة بالصبر وتارة بالاستقامة. فلا يمكن لكم الحياة من دون المقاومة والصبر، فضلا عن أن تعيشوا الحياة الأفضل. لقد صمّم الله هذا العالم بالنحو الذي لا يحصل الإنسان فيه على شيء من دون الصبر والمقاومة.
لقد قال الإمام الصادق(ع) في حديث نقله عن عيسى(ع): «إِنَّکُمْ لَا تُدْرِکُونَ مَا تُحِبُّونَ إِلَّا بِصَبْرِکُمْ عَلَى مَا تَکْرَهُون» [مسکن الفؤاد/42] و «إِنَّکُمْ لَا تُدْرِکُونَ مَا تَأْمُلُونَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا تَکْرَهُونَ» [تحف العقول/511] فقد تمّ تصميم الدنيا بحيث إن أردتم أن تنالوا ما تحبون لابدّ لكم من الصبر.
لا يمكن الوصول إلى الحياة الأفضل من دون الصبر والمقاومة. وإن الله سبحانه هو الذي يصمّم حياة الناس ويحدّد نوعية الصبر الذي يجب أن يتجرّعه كلّ واحد منهم، ولكن بشكل عام لا يصل أحد إلى رغائبه من دون معاناة الصبر والمقاومة. تقول الآية القرآنية المباركة: (لَسسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى) [النجم/ 39]. هذه هي الهيكلية التي صمّمها الله ربّ العالمين لهذا العالم فلا سبيل لكم إلى العيش بطريقة أخرى في هذه الدنيا.
كلّ ما كسبناه لحد الآن كان بسبب المقاومة/ نحن إن حصلنا على شيء في القرار 598، فكان ذلك بسبب مقاومتنا لثمان سنين، ولا شك في أننا لو كنّا قد قاومنا أكثر، لحظينا ببركات أكثر
كل ما حصلنا عليه لحدّ الآن فقد كسبناه برصيد المقاومة. ولو كانت تزداد مقاومتنا لحصلنا على مكاسب أكثر. وإن قلّت مقاومتنا سوف نحصل على مكاسب أقلّ مما ينبغي. فعلى سبيل المثال نحن نعلم أن قبول القرار 598 الذي فرض إيقاف القتال على الطرفين في الحرب الذي فرضها النظام البعثي الصدّامي على الجمهورية الإسلامية، كان بمثابة تجرّع كأس السم على السيد الإمام(ره) كما صرّح بذلك في بيانه بعد قبول هذا القرار، ولكن في المقابل قد رحّب البعض بقبول هذا القرار واعتبره مبادرة جيّدة. لعلّ القرار كان نافعا لمجتمعنا شيئا ما، ولكن لا شك في أننا لو كنا قد رفضنا القرار وواصلنا نهج المقاومة أكثر، لحظينا بمصالح ومكاسب أكثر، وإلا لما عبّر الإمام الخميني(ره) عن قبول القرار بتجرّع كأس السم!
نحن إن حصلنا على شيء بعد قبول القرار 598، فكان ذلك بسب مقاومتنا لمدة ثمان سنين، ولولا ذلك لما أصدروا هذا القرار الذي راعى شيئا قليلا من مصالحنا، بل لأصدروا علينا قرارا يديننا ولفرضوا علينا عقوبات وغرامات كنا ندفعها إلى يومنا هذا! إذ قد اتضح ديدنهم جليا بأنهم عندما يهجمون على بلد ما، يفرضون عليه أن يدفع غرامات الحرب! كما أن مجلس الأمن الدولي قد أصدر في الأيام الأخيرة قرارا يدين الشعب اليمني المظلوم. فالآن إذا واصل الشعب اليمني مقاومته سوف يضطر مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار يحاول بشكل أو بآخر يرضي الطرفين ويخفّف من إدانة الشعب اليمني، وإذا واصلوا مقاومتهم أكثر سوف يظطرون إلى إدانة الظالم بشكل صريح، من أجل أن ينهوا الحرب وينقذوا الظالم من السقوط وتلقي الضربات القاضية من الشعب المظلوم.
الآن إذا رأيتم القوى الاستكبارية يتفاوضون معنا كقوّة معترف بها، فذلك بسبب حركة المقاومة الناشطة في المنطقة وبسبب المقاومة التي تجسّدت في بلدنا في أيام الدفاع المقدّس وبعدها كالمقاومة العلمية التي تمخّضت عن تطوّر علمي باهر في التقنية النوويّة، وحتّى المقاومة التي جسّدها سماحة السيد القائد في خضمّ هذه المفاوضات. إن أعداءنا يعرفون جيّدا أن قادتنا كالإمام الخميني(ره) وسماحة السيد القائد(دام ظله) ليسوا أهل مجاملة ولا أهل التظاهر الإعلامي، ولذلك عندما يقول سماحة السيد القائد شيئا، لا يجدون بدّا إلا التراجع والتنازل، وفعلا قد تنازلوا أمام أنظار العالم.
كلّ ما لدينا الآن فهو بسبب المقاومة وكلّ ما ينقصنا فبسبب تقصيرنا في المقاومة/ إن خدمات أمريكا إلى العراق كانت بإزاء صنع داعش
كلّ ما لدينا فهو بسبب المقاومة وكلّ ما ينقصنا فبسبب تقصيرنا في المقاومة. فالأمر الذي يجب أن يأخذ مأخذا من اهتمامنا هو المقاومة. طبعا نحن لا نتوقع من أمريكا أن تعمل على أساس الاتفاق ولا تنقضه، ولكن في أي مورد تضطرّ أمريكا إلى مراعاة الاتفاق فسوف يكون بسبب مقاومتنا. إن نتيجة استسلامنا إلى أمريكا واضحة جدّا. أفضل الاحتمالات هو أنهم سوف يتعاملون معنا كما تعاملوا مع صدّام. فقد كان العراق في زمن صدّام مستلسلما ومطيعا لأمريكا ولكن ماذا كان ردّ فعلهم؟ فانظروا ماذا فعلوا بالعراق من هدم ودمار؟ أحد النماذج هو ما ذكرته المرشّحة القادمة لرئاسة الجمهورية في أمريكا فقد ذكرت في كتابها بأننا نحن الذين أوجدنا داعش في العراق!
لو استسلمنا إلى أمريكا، سوف تأتي إلى بلدنا وتسعّر حربا تحرق البلد كلّه وأقل ما تتمخض عنه وما يجترحونه هو هتك الأعراض و حزّ الرؤوس. هذا هو منتهى رضاهم! فهل تزعمون أنهم إذا رضوا عنا سوف يسمحون لنا بالعيش في حياة سعيدة هادئة؟ كلا! لقد صالت أمريكا وجالت في العراق وما زالت تستلم أموالا باهضة بسبب تواجدها في العراق. ولكن ما الذي قدمته للعراق؟! الأمر الذي قدّمته خدمةً للعراق هو أن صنعت لهم داعش!
أقل استسلام لأمريكا حتى ولو كان تراجعا تكتيكيّا، يفسح المجال لها لتمارس جرائمها الكثيرة
بقدر ما استسلم الشعب الأفغاني أو أيّ شعب آخر إلى أمريكا، جرى عليهم ما جرى من البلايا والرزايا. طبعا وبالتأكيد أن الأمريكان لن يحلموا أبدا باستسلام الشعب الإيراني لهم، فضلا عن أن يروا ذلك في الواقع، ولكن حتى الحد الأدنى من التراجع والتنازل وإن كان ضروريا بحسب الحسابات التكتيكية والسياسية، ولكنّه يفسح المجال لهم لارتكاب جرائم كثيرة. وذلك لأنه أساسا كل ما يفترض أن نحصل عليه من مصلحة أو مكسب، فإنما سوف نكسبه عبر المقاومة.
لابدّ أن تستند المفاوضات إلى المقاومة/ أي مصلحة لم نحصل عليها في هذه المفاوضات فبسبب تقصيرنا في المقاومة
إن كلامنا هذا لا ينفي المفاوضات ولا يتعارض معها. كما أنه قال سماحة السيد القائد: «إن استطاع الإنسان أن يقلّل من شرّ العدو، يفعل ذلك، حتى ولو كان ذلك عن طريق التفاوض». كما أن رسول الله(ص) قد مارس هذا الفعل أحيانا ودفع به شرّ العدو. ولكن يجب أن تستند المفاوضات إلى المقاومة.
كلّ ما حصلنا عليه في خضمّ هذه المفاوضات فكان برصيد المقاومة، وكلّ ما سوف نحظى به في المستقبل، سوف يكون برصيد المقاومة أيضا. وكل ما لم نحصل عليه في هذه المفاوضات فبسبب نقص المقاومة.
الأمر اللطيف والمفرّح للقلب هو ابتهاج شعوب المنطقة المظلومة بهذه المفاوضات. فإنهم ينظرون إلى الجمهورية الإسلامية كقوّة حقيقيّة، ويحلّلون هذه المفاوضات من زاوية أخرى. إن هذه الشعوب تخوض حروب الآن في ساحات الوغى ولكنهم يعرفون أن الجمهورية الإسلامية تدعمهم وتقف وراءهم، فهم يفتخرون قائلين لشعبها: «لقد استطعتم أن تقارعوا القوى العظمى وتواجهوها وجها لوجه». وفي نفس الوقت ذاته يطالبوننا بمواصلة المقاومة وعدم الانخداع بهم. فهم يتصلون بنا من لبنان ومن باقي البلدان الإسلامية ويرسلون إلينا رسائلهم ويطالبوننا بعدم التراجع والتنازل وفي نفس الوقت يباركون لنا ويقولون: «هنسئا لكم فقد استطعتم أن تقعدوا هذه القوى على طاولة التفاوض كما قد استطعتم أن تفرضوا عليهم الكثير من مطالباتكم».
أي بلد اقترب الأمريكان منه، فقد أثاروا فيه الفتن/ كلّ ما باع العدو وقاحة وصلافة في هذه المفاوضات، فكان ذلك بسبب توقعاته في قلّة مقاومتنا
نحن نعتبر جميع إيجابيّات هذه المفاوضات جزءً من محاسن المقاومة، وكلّ ما باع العدوّ وقاحة وصلافة فكان ذلك بسبب توقعّاته في قلّة مقاومتنا. فيجب علينا الآن أن نزداد مقاومة، إذ أيّ بلد اقترب الأمريكان منه فقد أثاروا فيه الفتن. فانظروا ماذا فعلوا بالعراق بعد ما اقتربوا منه.
لقد قال سماحة آية الله الشيخ جوادي آملي (حفظه الله) عبارة جميلة وهي: «بعدما يصافح الإنسان هؤلاء الأمريكان، يجب أن يحسب أصابعه!» وحقا عندما تمرّون من جانب المسؤولين الأمريكيين يجب أن تراقبوا جيوبكم أن يسرقوها! فإنهم منذ سنين يمارسون سرقة جميع العالم ونهبه في رابعة النهار، ولا يأبون ذلك، فهذا هو شغلهم الرسمي!
الروايات التي تقول: «إِنَّکُمْ لَا تُدْرِکُونَ مَا تُحِبُّونَ إِلَّا بِصَبْرِکُمْ عَلَى مَا تَکْرَهُون» تشير إلى حقيقة رأيناها بأم أعيننا في جبهات الدفاع المقدس. وبمقتضى هذه الحقيقة كان يوصّي سماحة السيد القائد الدولة السابقة وهذه الدولة أيضا أن يعوّلوا على وعود الله سبحانه.