الجروح العاطفية من المشكلات النفسية الشائعة لدى الجنسين في مختلف المراحل العمرية ..وتتنوع أشكال هذه الجروح والصدمات ومنها صدمة الخيانة العاطفية والزوجية وهروب الحبيب وابتعاده والهجر والطلاق والفراق ..
وتختلف آثار الصدمة ونتائجها وفقاً لتفاصيل الصدمة وملامحها ووفقاً لشخصية الإنسان وظروفه وتكوينه النفسي والشخصي واستعداداته وقدراته ومهاراته ..
وعموماً يمكن للصدمات العاطفية أن تؤدي إلى الاكتئاب والحزن والألم النفسي الذي يستمر طويلاً ..كما تؤدي إلى مشكلات سلوكية وعقد نفسية مرتبطة بالجنس الآخر .. مثل رفض الجنس الآخر والابتعاد عنه وعدم الثقة به وأيضاً مواجهته وإيذائه والحقد عليه ..
كما تؤدي إلى السلوك الإدماني والسلوك المضاد للمجتمع والسلوك الانتحاري ..وغير ذلك من اضطرابات .
وتجاوز الصدمات بشكل إيجابي مطلوب دائماً ..ويحتاج الإنسان إلى الدعم النفسي والمعنوي وإعادة ترتيب أفكاره وانفعالاته وعواطفه إضافة للتعبير عن آلامه وجروحه وغضبه وحزنه لمدة تطول أو تقصر إلى أن يتم تجاوز الصدمة بنسبة كافية تؤهله للاستمرار في حياته بشكل فعال وفتح صفحة جديدة مع نفسه والآخرين والحياة .
وهذه العملية ليست سهلة أو ميسرة وهي تستهلك كثيراً من طاقة الشخص النفسية والعقلية والبدنية وهي تحتاج إلى شهور عديدة أو سنوات ..
ومما لاشك فيه أن الثقافة النفسية مفيدة في تفهم الإنسان لما يجري له من آلام ومعاناة ويساعده على احتواء ذلك والتخفيف منه والسيطرة عليه بشكل أو بآخر.. كما أن الثقافة العاطفية والاطلاع على مشكلات الحب وصدماته مفيد جداً في عملية تعديل التوازن النفسي والعقلي والفكري الذي يتعرض له المجروح والمصدوم ..
وتتضمن عملية إعادة التوازن وتجاوز الصدمة قدرة الشخص على النسيان ..وعلى إعادة ترتيب عالمه الداخلي بما فيه تعديل الذكريات الأليمة المرتبطة بانفعالات شديدة سلبية مثل الغضب والحزن والأسى ، وتعديل أفكار المرء عن نفسه وقيمتها وعن الفقدان والخسائر التي تعرض لها ..وعن الواقع المحيط به والمستقبل الذي يقترب منه .
ويمكننا القول أن الجروح العاطفية تغذي التعبير الأدبي والفني عموماً .. مثل كتابة القصة والشعر والرواية والخاطرة وغير ذلك .. ويمكن أن تنتج الجروح العاطفية أدباً مؤثراً ، كما أن التعبير بأشكال أدبية يعتبر أسلوباً علاجياً يعالج فيه المجروح انجراحاته وقلقه بشكل يجعله أكثر توازناً وأكثر ثقة بنفسه . ونجد ذلك عند عموم الناس وهم يكتبون وينتجون كتابات متفاوتة في عمقها وقيمتها الفكرية والأدبية كما نجد ذلك عند الأدباء المحترفين .
ومن الناحية النفسية نشجع طرق التعبير الكتابية والأدبية لأنها مفيدة وتساهم في إعادة التوازن للذات المجروحة . وهناك أشكال علاجية تعبيرية معروفة مثل العلاج بالتمثيل ( تمثيل الصدمات مثلاً ) وطرق التعبير بالرسم والفن وفي كل ذلك تنفيس عن المشاعر المتنوعة وفيها عقلنة وضبط لهذه الانفعالات .
والوصول إلى النسيان ليس أمراُ سهلاً وله جوانب متنوعة .. والحديث عنه يتطلب خبرة ودراية وعلماً .. والكتاب الذي سأقوم بعرضه نقدياً كتاب أدبي بامتياز للأديبة أحلام مستغانمي صدر عام 2009 عن دار الآداب – بيروت ، والكاتبة جزائرية وهي مشهورة في العالم العربي وتكتب الروايات والمقالات .