لقد خطا (مؤيد نعمة) بوعيه الجمالي التنويري أبعدَ من وعي اللحظة التاريخية المظلمة التي طوقته، إذ رغم غيابه الفيزيقي المبكر عن
هواء العراق، إلا أنه أفلح بالالتحاق الأبدي بذاكرة الثقافة العراقية، بوصفه مروجاً أميناً لأيديولوجية (ليس أمامك أيها الإنسان المعذب إلا
أن ترسم الشر والحمق، ثم تضحك منهما حتى تتسيدهما).
مؤيد نعمة رسام كاريكاتير عراقي له العديد من النتاجات الفنية والمواضيع التي دأب على نشرها في عدة صحف عراقية وعربية منذ أن
بدأ بالإنتاج الفني عام 1979.
ولد مؤيد نعمة في العاصمة العراقية بغداد عام 1951 وحصل على شهادة البكالوريوس من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد / قسم الفنون
التشكيلية/ تخصص خزف عام 1971.
– عمل رساماً للكاريكاتير في عدة صحف عراقية وعربية، حاز على الجائزة الدولية للكاريكاتير – كافرو – بلغاريا 1979، حاز على
جائزة الكاريكاتير / نقابة الفنانين العراقية عام 1989.
– ساهم في عدة معارض كاريكاتير دولية بلجيكا 1975، يوغسلافيا 1986، اليابان 1987، كوبا 1987، معرض الكاريكاتير العربي
(باريس) 1988، تركيا 1988 -1989 -2001 .
في جولة في بيت الفنان الراحل مؤيد نعمة وغرفته ومكتبته ومرسمه كانت لي زيارة لبيت الراحل مؤيد نعمة للحديث مع زوجته الصحفية
المعروفة مها البياتي رفيقة دربه والزوجة الوفية التي لاتزال تحتفظ بكل اشيائه، فالسيجارة الاخيرة لاتزال في مكانها وتخطيطاته الاخيرة
وأوراقه وكتبه في مكانها التي تركها مؤيد نعمة ورحل عن الدنيا إثر سكتة قلبية في بيته ببغداد.
حكاية زواجه تذكر مهما البياتي انها كانت زميلته في العمل في مجلتي والمزمار عام 1971 حيث كانت محررة ومؤيد نعمة رساماً..
لم تبدأ علاقتهما مباشرة فقد كانوا زملاء عمل.
تروي البياتي كيف تقدم مؤيد لخطبتها: في يوم من الايام تعرضت مها البياتي الى نكسة صحية نقلت على إثرها الى المستشفى وقد قام
بزيارتها كل زملائها في العمل عدا مؤيد نعمة، وقد كانت مفاجأة بالنسبة للبياتي في عدم زيارتها وقد اتصل مؤيد ليلاً واخبرها عن
اعتذاره عن عدم زيارتها كونه لا يحب زيارة المستشفيات ولا يريد ان يشاهدها وهي في وضع صحي سيئ، وبعدها بأيام تقدم الى
خطبتها.
كان الموضوع مفاجأة للبياتي لأنه موضوع صعب، اختيار شريك للحياة التي كان لها طموح كبير وخاصة انها في المرحلة الرابعة في
الجامعة، رفضت الموضوع في البداية، وبعد 6 أشهر وافقت مها البياتي بالارتباط بالفنان مؤيد نعمة ليتزوجا في 12 / 7/ 1973.
أول فيلم كارتوني رسم مؤيد نعمة أول فيلم كارتوني عراقي عام 1972 وكان بعنوان “لعبة كرة قدم اميركية”، حيث فاز الفيلم بالجائزة
التحكيمية في مهرجان فلسطين الاول عام 1972.
تدور فكرة الفليم بين فريقين: عربي وأميركي، رسم مؤيد نعمة الفريق العربي ورسم بسام فرج الفريق الأميركي، كان الكادر يتكون من
10 أفراد فقط ولهم سقف زمني مدته شهر واحد وكانت الأجهزة بدائية، وقد سبب فيلم لعبة كرة قدم أميركية خسارة سنة كامة من الفنان
مؤيد نعمة لأن الاتحاد الوطني في ذلك الوقت سحب منه ورقة الامتحان بحجة تجاوزه الغيابات، وأخبرهم مؤيد انه متفرغ للعمل في الفيلم
بأمر صادر من قبل الجامعة.
قراءاته مؤيد نعمة حريص أن يقرأ يومياً وباستمرار، متابع لكل الأخبار المحلية والعربية والعالمية، كان آخر كتاب قرأه هو كتاب
“الشخصية المحمدية” للشاعر معروف الرصافي وهو كتاب فيه إشكالية ومنع في العديد من الدول العربية، فضلاً عن كونه ممنوعا بقي
مخطوطا لأكثر من نصف قرن خوفاً من طبعه وقد استعار الراحل الكتاب من احد أصدقائه، في ايامه الاخيرة حاول مؤيد نعمة ان يجمع
اعمال عالم الاجتماع العراقي الشهير علي الوردي، وقد وجدت على طاولته عددا من التخطيطات وكتاب “آلام فارتر” التي كان يقرأها
باستمرار، وقد ذكرت لنا زوجته ان قسماً من مكتبة مؤيد نعمة لاتزال مدفونة تحت الارض في دارهم الواقعة في مدينة المنصور، دفنت
الكتب منذ عام 1979 بعد ضرب الجبهة الوطنية من قبل حزب البعث.
قصة اعتقاله كان مؤيد نعمة شيوعياً في انتمائه، وفي يوم الاثنين المصادف 12/5/1979 اعتقل مؤيد نعمة من داره الواقعة في حي
المنصور، وتتذكر زوجته حيث تقول: دقت الباب وعندما فتحتها وجدت ان زميل طفولتها وجار شقيقتها ابو وسام وخلفه العديد من رجال
الامن وعندما شاهدها قال ماذا تفعلين هنا، اخبرته انه بيتها وهي زوجة مؤيد نعمة، وقال لها لا تخافي ولا تقلقي.
كانت السيدة مها البياتي قوية جداً بعزيمتها وذكائها فقد قامت باستضافتهم وقدمت لهم الشربت وبقيت واقفة لا تخرج من المكان الذي فيه
رجال الأمن.
وحضر مؤيد الذي كان في غرفة المرسم واخبرها احد رجال الأمن ان تتركهم لكي يتحدثوا مع مؤيد، بعدها اعتلقوه، لكن ابا وسام ضابط
الأمن زميل طفولتها أخبرها انه لن يأخذه إلى الأمن العامة.
عصبوا عينيه وكتفوا يديه وربطوه بسرير حديد وبدأ التحقيق معه، أخلاق مؤيد نعمة جعلت رجال الأمن يخجلون..
وقد عرف مؤيد نعمة فيما بعد ان المكان الذي اعتقل وحقق معه هو مكان قريب على البيت عن طريق أذان الجامع فقد كان يسمع نفس
الاذان الذي كان يسمعه وهو في البيت وعرف انه في مركز شرطة المنصور القريب من داره.
صفاته مملوء بالابداع، معطاء، يحب عمله بصدق، لا يخطو اي خطوة ما لم تنضج بكل شروطها، صديق لأولاده، لا ينفعل، هادئ جداً
وعندما ينتابه قلق يخلد الى النوم، كان يعرف ان عمره قصير. رسام كاريكاتير متميز في رسمه للأطفال وانتباهه وتركيزه على
التفاصيل الصغيرة في رسمه للأطفال، بحيث يجعل المتفرج يرى الصورة من عدة جوانب، كان اختصاصه الأول خزافا، وهوايته هي
الكاريكاتير، أصبح الكاريكاتير حرفته والخزف هوايته، وهذا مكمل إلى عمله الفني وإلى شخصيته الفنية، حاول المزج بين الاثنين،
حاول تنفيذ أفكار كاريكاتيرية بواسطة الخزف، وحدثت أكثر من مرة، وكان له مشاركات دولية في هذا الموضوع.
مشاريعه تذكر مها البياتي ان مؤيد نعمة هو صاحب التجربة الاولى في الوطن العربي في إدخال الكاريكاتير في الخزف وهي بادرة
قدمها مؤيد عام 1973 برؤوس الاساتذة منهم كاظم حيدر، فائق حسن، سعد شاكر، اسماعيل الشخيلي، اسماعيل الترك، أسعد عبد
الرزاق..
وقد سرق احد التماثيل في باريس لأهميته، وقد ذكرت البياتي ان المرحوم كان يتمنى ان يتفرغ لإكمال تجربته العظيمة التي لم يستطع
الى هذه اللحظة اي فنان بالقيام بتلك التجربة.
كان من ضمن أعماله تمثال للشاعر الجواهري وصادق الصائغ ومظفر النواب وبدر شاكر السياب، كان يسعى لتنفيذها..
وفي معلومة نادرة جداً، ذكرت البياتي ان هناك 12 رأس بورتريه من ضمنه للشاعر سعدي يوسف اقتناها رافع الناصري من مؤيد نعمة
بعد أن كلفه الناصري ان يختار الشخصيات، لازالت هذه الرؤوس في عمان عند معتمد رافع الناصري وتتمنى وتطالب مها البياتي من
وزارة الثقافة أن تتفق مع رافع الناصري وتكون ضمن مقتنيات وزارة الثقافة العراقية لأنها تجربة فريدة على المستوى العربي.
أول معرض شخصي كان أول معرض شخصي لمؤيد نعمة خارج العراق في عمان في 5/6/2002 في دار الأندي ويعد هذا المعرض
الاول من نوعه للفنان مؤيد نعمة وحمل عنوان “صورة طبق الاصل”، وكان أول معرض لمؤيد بمفرده لأنه كان يقيم معارض مشتركة،
وتذكر البياتي ان الراحل اتصل بها هاتفياً واخبرها بالمعرض وقالت له زوجته ان المعرض هو ولِدَ بعيداً عن أحضان أهله ووطنه.
العودة الى العراق عاد مؤيد نعمة الى العراق بعد سقوط النظام بعد ان قضى غربة موحشة من اجل توفير حياة اقتصادية جيدة لعائلته،
وبعد عودته عرضت عليه العديد من الجهات للعمل معها لكنه رفض، كان همه الاول والاخير ان يكون في بلده العراق، كان يردد دائماً
ان العراق سوف يستقر بعد الخلاص من الطاغية.
وتحدثت زوجته عن علاقته ببلده العراق، حيث قال لها الراحل ان الأمر يستدعي أن أكون قريبا من أحداث بلدي، وهذا حال كل رسامي
الكاريكاتير بالعالم، اني بتماس مباشر مع أحداث بلدي، وأحاول أن أترجم ما أشاهده، ما أحسه إلى رسوم أنشرها بالصحافة.
التخطيط الأخير التخطيطات الأخيرة التي وجدت على مكتبه كان لرسم صورتين واحدة للسياسيين مثال الالوسي وصالح المطلك، بقيت
تخطيطات فقط لأن القدر سرق الفنان مؤيد نعمة