حرف الفاء
وتأتي لعدد من الأوجه :
أولاً : حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب ، ويكون المعطوف بها إما مفرداً أو جملة .
مثال المعطوف المفرد : جاء محمد فمحمود .
ومنه قول الشاعر * :
يا لهف زيابة للحارث الصابح فالغانم فالآيب
ومنه قول الآخر :
قضى بيننا مروان أمس قضية فما زادنا مروان إلا تنائيا
ومثال المعطوف الجملة ، وتكون الفاء دالة على السببية قولهم : ضربه
فأدماه ، وزنى فرجم ، ومنه قوله تعالى ( فوكزه موسى فقضى عليه )(1) .
وقوله تعالى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه )(2) .
وتأتي الفاء رابطة لجواب ( إما ) .
نحو قوله تعالى ( فأما اليتيم فلا تقهر ، وأما السائل فلا تنهر )(3) .
والفاء في هذا الموضع تفيد السببية أيضاً ، وهي ليست بعاطفة لأن الأصل فيها أن تلي إما مباشرة ، ولكنها في الآية السابقة أضمرت لضرب من إصلاح اللفظ ومن ثم فهي حرف جواب ، يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها فاليتيم في الآية السابقة مفعول به للعامل الآتي ( تقهر ) .
ثانياً : تأتي الفاء زائدة للتوكيد وهي نوعان :
1 – نوع يدخل على خبر المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط .
نحو : الذي يفوز فله جائزة .
والفاء في فله شبيهة بالفاء الواقعة في جواب الشرط .
ـــــــــــــــ
(1) القصص [15] (2) البقرة [27] (3) الضحى [8-9] .
* ابن زيابة : هو عمرو بن الحارث بن همام من بني تيم الله بن ثعلبة ، وقيل اسمه سلمة بن ذهل ، شاعر جاهلي ، وقيل ابن زباية ، والزباية فأرة من فئران الحرة .
الفاء
2 – نوع زائد مطلقاً وهي لا عمل لها .
كقوله تعالى ( وربك فكبر وثيابك فطهر )(1) .
ومنه قول الشاعر :
لا تجزعي إن منفساً أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
فالفاء في فاجزعي زائدة .
وتزاد الفاء لتزين اللفظ إذا دخلت على ( حسب أو قد أو قط أو صاعداً ) .
نقول : قبضت عشرة فحسب ، أو عشرة فقط ، أو فقد جاء الصيف .
ونقول : عدوا واحداً اثنين ثلاثاً فصاعداً .
ثالثاً : تأتي الفاء للسببية الناصبة للفعل المضارع بأن مضمرة وجوباً وهي في حقيقتها ترجع للعاطفة ويشترط فيها أن تكون مسبوقة بنفي محض أو طلب محض للنهي ، استفهام دعاء ، ترجي ، تمني ، تحضيض .
مثال النفي : قوله تعالى ( لا يقضى عليهم فيموتوا )(2) .
مثال النهي : لا تهمل دروسك فترسب .
ومنه قوله تعالى ( لا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي )(3) .
ومثال الترجي : قوله تعالى ( لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات والأرض فاطلع إلى إله موسى )(4) .
رابعاً : فاء الاستئناف : وهي التي لا يصح عطف ما بعدها على ما قبلها لاختلاف المعنى ، نحو : سافر أخوك فليته لم يفعل .
ـــــــــــــــ
(1) المدثر [3-4] (2) فاطر [36] .
(3) طه [81] (4) غافر [36] .
الفاء
ومنه قوله تعالى ( إنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون )(1) .
ومنه قول جميل بثينة :
ألم تسأل الربع القواء فينطق وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
خامساً : الفاء الرابطة لجواب الشرط .
وهي لا عمل لها وتقع في الجواب إذا كان لا يصلح أن يكون جواباً للشرط وذلك في المواضع الآتية :
1 – إذا كان جواب الشرط جملة اسمية .
نحو : أينما تذهب فأرض الله واسعة .
ومنه قوله تعالى ( من جاء بالحسنة فله خير منها )(2) .
وقوله تعالى ( من يهد الله فهو المهتدي )(3) .
2 – إذا كان الجواب جملة فعلية فعلها جامد .
والأفعال الجامدة هي ( نعم ، بئس ، وعسى ، وليس ) .
نحو قوله تعالى ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي )(4) .
وقوله تعالى ( فإن أكرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً )(5) .
3 – جملة فعلية فعلها طلبي ( أمر ، نهي ، استفهام ) .
كقوله تعالى ( من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء )(6) .
وقوله تعالى ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله )(7) .
ـــــــــــــــ
(1) الأنبياء [108] (2) النمل [89] (3) الإسراء [178] .
(4) البقرة [271] (5) النساء [19] (6) الحج [78] (7) الجمعة [9] .
الفاء
ومنه : متى تسمع الجرس فلا تتأخر عن الدرس .
ومنه : إذا نجحت فهل تدعونا إلى حفل عشاء .
4 – إذا كان الجواب جملة فعلية فعلها منفي ( بلا ) أو ( لن ) أو ( ما ) .
كقوله تعالى ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم )(1) .
وقوله تعالى ( ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً )(2) .
وقوله تعالى ( فإن توليتم فما سألتكم من أجر )(3) .
ومنه قول المتنبي :
وإن أسلم فما أبقي ولكن سلمت من الحمام إلى الحمام
5 – إذا كان جواب الشرط جملة فعلية مسبوقة ( بالسين أو سوف أو قد ) .
كقوله تعالى ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً )(4) .
وقوله تعالى ( أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه )(5) .
وقوله تعالى ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً )(6) .
6 – إذا كان جواب الشرط قسماً ، نحو : إن تأتني فوالله لأكرمنك .
أو كان مقروناً ( برب ) ، كقول الشاعر :
فإن أمس مكروباً فيا رب قينة منعمة أعملتها بكران
سادساً : تأتي الفاء حسب ما قبلها : وهي كل فاء أتت في أول الكلام المعرب ، ولا يعلم الكلام الذي قبلها ، كقوله تعالى ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة )(7) .
سابعاً : تأتي الفاء فعل أمر من الفعل ( وفى يفي ف ) ويكون مبنياً على حذف حرف العلة ، نحو : ف بوعدك .
ـــــــــــــــ
(1) آل عمران [160] (2) آل عمران [144] (3) يونس [72] .
(4) الفتح [10] (5) الكهف [87] (6) النساء [47] (7) مريم [23] .
الفاء
تنبيهات :
1 – يجوز اقتران الفاء بجواب الشرط إذا كان فعلاً مضارعاً صالحاً للشرط عارياً من الحروف ويكون الفعل حينئذ مرفوعاً .
كقوله تعالى ( ومن عاد فينتقم الله منه )(1) .
فقد اتصلت الفاء بالفعل على تقدير ضمير بعدها ، محله الرفع على الابتداء ، وجملة الفعل بعده في محل رفع خبره .
والتقدير : ومن عاد فهو ينتقم الله منه .
2 – وإذا كان الفعل ماضياً متصرفاً مجرداً من الحروف ، أي لم يسبقه حرف من الحروف المختصة بالدخول على الفعل الماضي مثل ( قد ) لا يحق اقترانه بالفاء .
نحو : إن قام الضيف قام الحاضرون .
ولكن هناك نوع من الأفعال الماضية يجب اقترانه بالفاء ، وذلك إذا كان ماضياً لفظاً ومعناً .
كقوله تعالى ( إن كان قميصه قد من قبل فصدقت )(2) .
فقد دخلت الفاء على الفعل بتقدير ( قد ) المحذوفة ، أي فقد صدقت .
وهناك نوع ثالث يجوز اقترانه بالفاء إذا كان مستقبلاً ، ويقصد به وعد أو وعيد .
كقوله تعالى ( ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار )(3) .
3 – تلحق الفاء ( إذا ) الفجائية ، نحو : خرجت فإذا صديقي بالباب .
وهي حينئذ إما زائدة أو عاطفة ، والوجه الأول أحسن (4) .
ـــــــــــــــ
(1) المائدة [95] (2) يوسف [77] .
(3) النحل [19] (4) شرح المفصل لابن يعش ج8 ص95 .