منذ حوالي 2000 عام قرر الكهنة في إحدى القبائل الصينية بناء تمثال ضخم، ليكون مَعْلمًا من معالم قريتهم العظيمة، وليكون من أهم الآثار الصينية التي يتكلم عنها التاريخ، وحتى يأتي التمثال مميزًا ويليق بحضارتهم الممتدة في عمق الزمن الغابر، قرروا صنعه من الذهب، فجمعوا كمية هائلة من الذهب الخالص، وبعد عمل مضنٍ استنزف الجهود، خرج التمثال الأجوف إلى الوجود تحفةً نادرة ليس لها مثيل في تلك الحقبة من التاريخ. ونصبوا التمثال في ساحة القرية، وتوافد أهل القبيلة إلى التمثال زيارةً وعبادةً فرحين بهذا الإنجاز الإعجازي.
وبعد سنوات سمع الكهنة عن قبيلة همجية صينية تدعى "البرمود" وعرفوا عن جنودها الشراسة والقوة والبأس، وعرفوا أن "البرمود" يهاجمون القبائل من حولهم ويفتكون بالبشر والحجر، ويدمرون القرى، ويسرقون وينهبون ما يحلو لهم. فخاف الكهنة على التمثال الذهبي، وبادر أحدهم بفكرة للحفاظ عليه من النهب والتخريب، وقاموا بتغطيته بطبقة سميكة من الطين حتى لا يكتشف أمره. وفعلاً وبعد مدة هاجم البرمود هذه القبيلة وقتلوا الصغار والكبار، وفتكوا بكل ما اعترض طريقهم، وحملوا النفائس والغنائم وحين وصلوا إلى التمثال استحقروه لأنه من طين، ولم يعيروه أي اهتمام. وطاب لهم مناخ القرية فضربوا طوقًا حولها، وعاشوا فيها سنوات وسنوات دون أن يعرف أحد سر التمثال.
ومرت مئات السنين، وماتت أجيال وولدت أجيال والتمثال صامد مكانه، ومند 150 سنة أرادت السلطات في الصين أن تنقل هذا التمثال الطيني إلى قلب العاصمة الصينية باعتباره مَعْلمًا تاريخيًا شاهدًا على حضارتهم، وحين أتوا بالمعدات اللازمة لنقله، وبسبب الأمطار والعواصف، حدث شق في التمثال أثناء تحريكه، فأشار أحد الكهنة بتوقيف العمل حتى تهدأ العواصف وتخف الأمطار، وفي الليل أثارت الحشرية هذا الكاهن فخرج إلى التمثال يتفقده على ضوء شمعته، وعندما سلط الضوء نحو الشق لاحظ أن الضوء ينعكس من الداخل، استغرب الكاهن لأن الطين لا يعكس الضوء، فشكّ في حقيقة التمثال، واستنتج أن لابد من وجود معدن ما تحت الطين، وفي اليوم التالي استدعى مجموعة من الكهنة لمساعدته، ونخروا الشق بالمعول، وكم كانت دهشتهم حين اكتشفوا أن التمثال مصنوع من الذهب الخالص، وأن قيمته تفوق الخيال، فأخبروا السلطات التي نقلت التمثال إلى المكان المقرر وكتبوا على قاعدته العبارة الصينية الشهيرة "تحت الطين يوجد الذهب".
والعبرة من هذه القصة أن الكثير من أبنائنا وطلابنا يمتلكون كنوزًا في داخلهم، ولديهم من الإمكانات والقدرات ما يفوق تصورنا، ولكنها مكبوتة لأسباب أسرية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو سياسية، وعلينا نحن أولياء الأمور والمعلمين، أن نسعى جاهدين لإخراج هذا الذهب المكنوز في الداخل ليتفجر طموحًا ومعرفة وعلمًا، ويحقق ما تصبو إليه النفوس وما تسعى إليه العقول.
وأنت! ألم يحن الوقت أن تعرف حقيقةً من أنت؟ وأن تعرف قدراتك اللامحدودة؟ ألم يحن الوقت أن تكتشف الكنز الكامن فيك؟ فلتوقظ المارد النائم بداخلك، واصنع مستقبلك بنفسك!