رغم اقتصار ردود الفعل الدولية والإقليمية على البيانات والتصريحات التى تراوحت بين الإدانة والمناشدة , إلا أن قضية الأسرى الفلسطينيين الذين يخوضون معركة البطون الخاوية مع جلاديهم فى سجون الاحتلال الإسرائيلى تبقى تجسيدا حيا لإرادة الشعب الفلسطيني برفض الاحتلال والإصرار على تحرير الأرض.
ومع دخول الإضراب عن الطعام مرحلة تكسير العظام بالامتناع عن تناول أى شىء سوى الماء , تتصاعد إرادة الأسرى مع استمرار التعنت الإسرائيلى رغم دخول مصر كوسيط قوى على خط الأزمة مع التسريبات الصحفية حول التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة.
وقد استطاع الأسرى الفلسطينيون خلال معركتهم مع الجلادين فى سجون الاحتلال التى لا تعد الأولى ولن تكون الأخيرة , أن يميطوا اللثام عن جرائم الاحتلال, والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي, وكافة المواثيق الدولية التي تحرم تعذيب الأسرى جسديا ونفسيا.
وسبق للأسرى الفلسطينيين أن خاضوا إضرابات من أجل تحسين ظروف الاعتقال , حيث يتعرضون للكثير من عمليات القمع مثل عدم وجود فرش وأغطية نوم كافية , وكان على المعتقل أن يقوم مبكرا من فراشه ويرتب بطانياته ويجلس في وضع معين طيلة الوقت , ولم يكن الطعام كافيا أو شاملا لمختلف المتطلبات الغذائية الضرورية للجسم , وطالما تعرض المعتقلون للاهانات والسباب والإذلال بالإضافة إلى الحرمان وسوء ظروف المكان وقسوة المعاملة, وطول فترات العزل وتعدد أشكال العذاب والعقاب, والحرمان من زيارة الأهل.
إلا أن ما زاد الطين بله ما يسمى بالاعتقال الإداري والذى تستمر مدته ستة أشهر قابلة للتجديد , وهو ما يجعل الفلسطينيين يقضون سنين في الاعتقال الإداري بدون محاكمة أو تهم محددة.
أما بخصوص ظروف الاعتقال , فقد عملت إسرائيل على اتخاذ إجراءات عدة للتضييق على المعتقلين , وشددت من عقوباتها ضد الذين يطالبون بحقوق اعتقالية وفق المعايير العالمية فيما عملت أيضا على جعل سجن مجدو الواقع في مرج ابن عامر شمال فلسطين المحتلة , حقل تجارب لفهم النفسية الفلسطينية وطريقة السلوك وفق معادلة الدافع والاستجابة.
ولعل نظرة سريعة على عدد الأسرى والخاضعين للاعتقال الإداري التعسفي في سجون الاحتلال يتيح للمراقب أن يتبين حجم الجرائم التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى ضد النساء والقاصرين , بما يخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية فى التعامل مع الدولة المحتلة.
ويبلغ عدد الخاضعين لظلم الاحتلال أكثر من 7400 معتقل وأسير تم حصرهم ورصد أماكن اعتقالهم منهم 107 نساء , و407 أطفال ومراهقين يتوزعون على 27 معتقلا ومركز تحقيق أهمها شطة وبئر السبع وأشيل السبع والسبع وداريم وتلموند ونفحة وعسقلان والرملة الجديدة ونفية ترسا ومستشفى سجن الرملة ومجدو والنقب وعوفر وعتليت , بينها مراكز رئيسية للتعذيب هى الجلمة , بتيح تكفا , عسقلان , المسكوبية , السجن رقم 1391.
وتشير التقارير إلى أن عدد الأسرى المصابين بأمراض مزمنة وإعاقات يبلغ 1046 , فيما بلغ عدد الشهداء داخل السجون منذ 1967 وحتى مطلع 2004 (166 شهيدا) 41% منهم قتلوا مباشرة خارج نطاق القضاء , 35% منهم نتيجة التعذيب , 24% منهم نتيجة الإهمال الطبي المتعمد , كما يوجد 12 أسيرا أمضوا في السجون أكثر من 20 عاما.
ويقضي (311) أسيرا حكما بالسجن مدى الحياة و(319) آخرين أحكاما تزيد على 15 عاما و(703) أسرى يقضون أحكاما بالسجن ما بين 10 و15 عاما و123 آخرين حوكموا بالسجن ما بين 5 و10 أعوام ولا تشمل هذه الأرقام الأعداد الكبيرة من الأسرى والمعتقلين الموقوفين خاصة من الذين تم اعتقالهم في السنوات الثلاث الأخيرة, ويتوقع صدور أحكام عالية بحقهم بعد عرضهم على المحاكم الإسرائيلية.
العودة إلي أعلي
الأسرى يطالبون بوقف سياسية التفتيش العاري والمذل
ويطالب الأسرى المضربون عن الطعام بوقف سياسة التفتيش العاري والمذل , ووقف سياسة فرض غرامات مالية على الأسرى , والسماح لجميع الأسرى بزيارة ذويهم لهم , ووقف سياسة إبعاد الأسرى من سكان الضفة إلى قطاع غزة وإلى خارج البلاد , وإلغاء سياسة اقتحام غرف الأسرى وتدمير حاجياتهم ومصادرتها بالإضافة إلى وقف السياسات القمعية والاعتداء على الأسرى لأتفه الأسباب وإنهاء سياسة العزل الانفرادي والجماعي.
كما يطالب الأسرى بتحسين شروط غرف الحجز بإزالة الألواح الصاج من الشبابيك والسماح بفتح الشبابيك وزيادة مواد التنظيف ومبيدات الحشرات, وزيادة مدة الخروج للساحة الخارجية وتخفيف الاكتظاظ داخل الزنازين والسماح للأسرى الأشقاء بالتواجد مع بعضهم في نفس الغرفة وتحسين العلاج الطبي وتوفير أطباء متخصصين وإجراء العمليات الجراحية لمن يحتاجها , بالإضافة إلى السماح للأسرى بالانتساب للدراسة والسماح بإدخال الكتب والمواد الثقافية والرسائل, وتحسين الطعام والسماح للأسرى بطهي طعامهم بأنفسهم.
ويبدو أن الأسرى الفلسطينيين الذى نفذوا العديد من الإضرابات والإعتصامات يدركون أنهم لن يحصلوا على مطالبهم أو الحد الأدنى منها , إلا بممارسة أقصى درجات الضغط على جلاديهم خاصة فى ظل صمت دولى مريب , وعدم وجود دعم كاف لمطالبهم بسبب اعتبار الكثير من الدول خاصة القوى الدولية هؤلاء الأسرى مجرمين يقضون فترة عقوبة.
وقد استطاع الأسرى على مدى تاريخ السجون الإسرائيلية , انتزاع الكثير من الحقوق بسبب إضراباتهم رغم عدم بلوغ تلك المكاسب حد الإفراج عنهم , خاصة الأبرياء منهم , فقد تمكنوا من تحسين الطعام كما ونوعا وتحسين ظروف التجوال (الفورة) اليومي داخل السجن, لكن الثمن كان باهظا جدا حيث سقط شهداء كثيرون داخل السجون.
ويبدو أن الإضراب الحالي يحاول أن يستفيد من التجارب السابقة, ومن تجربة المحرر خضر عدنان الذي أضرب أكثر من 66 يوما وانتزع قرارا إسرائيليا بعدم تجديد اعتقاله إداريا.
ورغم الصمت الدولى المريب , مع التجاهل الإسرائيلى لمطالب الأسرى , إلا أن الدور المصرى فى الوساطة بشأن قضية الأسرى احتل واجهة الأحداث , حيث توسطت مصر في اتفاق يهدف إلى إنهاء الإضراب عن الطعام الذى ينفذه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.
ورغم عدم وجود إعلان رسمى عن تفاصيل الاتفاق الذى من المقرر أن ينهى الأزمة ,إلا أن تقارير صحفية أشارت إلى أن الاتفاق يقضي بتسوية أزمة الأسرى المضربين عن الطعام, ويشمل قبول إسرائيل بمطالب السجناء مقابل إنهاء الإضراب عن الطعام.
ورغم أن إسرائيل أشارت إلى أنها مستعدة لتقديم تنازلات بشأن الظروف السائدة في سجونها, فإنها لم تبد رغبة في إنهاء العمل بنظام الاعتقال الإداري الذي يقضي باعتقال الفلسطينيين بدون محاكمة لأجل غير مسمى.
ويرى مراقبون أن أى مكاسب يحصل عليها الأسرى الفلسطينيون من جلاديهم فى سجون الاحتلال , قد لا ترقى إلى مستوى صبرهم الاسطوري وإرادتهم الصلبة , إلا أنهم بهذا الصبر وتلك الإرادة استطاعوا أن يعروا الاحتلال أمام العالم كله , وأن يثبتوا أن الديمقراطية التى تحاول إسرائيل التغنى بها ما هي إلا ديمقراطية زائفة, وأن شعارات احترام حقوق الإنسان ليست سوى شعارات فارغة , لا تجد طريقها الى الإنسان الفلسطيني.
كما أن إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام - حيث مضى على إضراب بعضهم أكثر من 70 يوما - , يؤكد أن إرادة الحياة لدى الشعب الفلسطيني أقوى من الاحتلال , وأن تلك الإرادة ستنتصر حتما , وأنه قادر في سجنه على مواجهة الجلاد, وتجاوز حدود الجدران,حيث يخوض الأسرى غمار الموت , وهم يعلمون أن الإضراب عن الطعام طريق وعر, ومسلك خطر, وأنه قد يودي بهم إلى الشهادة أو يلحق بهم أمراضا وإصابات خطرة إلا
أنهم سوف يستمرون صامدين خلف جدار الوطن.