خسرو علي أكبر
في اللحظة التي أردت فيها أن التقط صورة فوتوغرافية لأحد المشردين في شوارع العاصمة طهران، فجأة انتبه إلي المشرد وكان شابا لم يتجاوز الثلاثين من العمر،وصار يصرخ بالفارسية لست شحاذا،انتم الصحفيون أسوأ من الشحاذين،انتم تتاجرون بظروفنا المأساوية،حينها أعدت كاميرا التصوير الى حقيبتي وواصلت سيري وأنا أتساءل في قرارة نفسي ترى ماذا ستكون ردة فعل هذا المشرد لو علم بعشرات المقالات التي تكتب في الصحافة العربية والعالمية التي توظف معاناة الفقراء والمشردين في ايران في تصفية حساباتها مع النظام الايراني، لقد أخفقت الصحافة الايرانية في إنهاء هذه الظاهرة الاجتماعية بذلت جهودا إستثنائية من خلال تركيزها الضوء على معاناة المشردين، و لم تتاجر في كل الأحوال بآلامهم ومعاناتهم.
مئات المشردين في العاصمة طهران يفترشون الورق المقوى (الكرتون)، ويقضون ليلهم ونهارهم عليه.واحيانا يتدثرون به نظرا لتوفره مجانا أو بأسعار زهيدة.وهي ظاهرة صارت تعرف بين الايرانيين باسم سكنة الكرتون.
احصائيات وزارة الصحة الايرانية تشير الى وفاة 40 شخصا من هؤلاء المشردين في فصل الشتاء الماضي بسبب الأمراض الناجمة عن موجات البرد القارص، وقد حذّرت مؤسسات اجتماعية من احتمال ارتفاع نسبة وفيات هؤلاء المشردين، اذا لم تتخذ الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة الصحة الايرانية ومؤسسة الرعاية الصحية الإجراءات اللازمة كأيواء المشردين في أماكن سكنية وتقديم المساعدات الصحية اللازمة لهم.
السيد رسول خادم مسؤول للجنة الثقافية والاجتماعية التابعة للبرلمان الايراني أداء الحكومة في ايجاد حل لمعضلة سكنة الكرتون ومعالجتهم وتقديم الخدمات الصحية لهم خصوصا وأن نسبة عالية منهم تعاني من أمراض خطيرة كالربو والتهاب المفاصل.،ورأى في حجزهم من فبل بلدية طهران وادارة الشرطة عملا ناقصا،ما لم يتم تخصيص ميزانية مالية وبرنامج مناسب لهذه الظاهرة التي تركت آثارا نفسية سلبية على جميع المواطنين، بسبب المنظر المؤلم لمئات المشردين وهم يلفظون أنفاسهم الاخيرة على مرأى المارة.
وقد بلغ عدد المصابين بأمراض الايدز والهيباتيت من المشردين في طهران 80 شخصا وفقا لوكالة الانباء الايرانية ايسنا ن وتتم معالجتهم حاليا في مراكز صحية باشراف وزارة الصحة.
وقد شهدت طهران مؤخرا افتتاح أكبر مركز صحي للمشردين، ضم 250 مشردا ويتوقع أن يرتفع العدد الى أكثر من ألف خلال الأيام القادمة.
وبسبب انقطاعهم عن الاجواء العائلية وفقدانهم للسكن والعمل يعيش المشردون في علب ورق المقوى المضغوط"الكرتون" الأماكن المعزولة كالخرائب والعمارات السكنية التي لم يكتمل بناؤها ويمرون في شروط صحية مؤسفة كما يعانون من الأمراض النفسية والادمان على المخدرات، وقد تم العثور على 23 جثة في الشهر الماضي في المناطق غير الماهولة في طهران ولايتعدى أغلب أصحاب هذه الجثث سن الأربعين.
ويؤكد المتخصصون في الأمور الطبية ان البرد الذي يتعرض له المشردون هو السبب الرئيس في وفاة عدد كبير منهم،إضافة الى اسباب اخرى منها الجوع وسوء التغذية.
وعلى الرغم من الدور الكبير للاعلام الايراني في تسليط الضوء على معاناة المشردين، والضغط على الجهات الرسمية المسؤولة لإيجاد حلول علجلة لهذه الشريحة المتضررة، يرى بعض المتخصصين في الشؤون الاجتماعية ضرورة اتخاذ خطوات أكثر فاعلية للقضاء على هذه الظاهرة،منها تحسين الخدمات الاجتماعية وتوسعة قطاع المعونة الاجتماعية،وقد أعلن محمد واعظي أحد مسؤولي وزارة الرفاه الاجتماعي أن الوزارة قد خصصت 500 مليون تومان ايراني أي مايعادل نصف مليارد يورو من ميزانيتها لتقديم المساعدات الضرورية للمشردين.
العودة الى السكن في بيوت الكرتون
يقول أحد المشردين الذين تم معالجتهم في مركز "شفق"الصحي، أبلغ من العمر 52 عاما وبسبب الافلاس أعيش منذ تسعة أعوام في علبة من الورق المقوّى،وقد انفصلت عن عائلتي وأدمنت خلال هذه الأعوام على المخدرات، وبسبب الأزمة النفسية والمالية إضطررت للنوم في الشوارع، أفترش الكرتون وأتدثر به من البرد، ومنذ شهر أقيم في هذا المركز الصحي، وقد تمت معالجتي وتخلصت من الإدمان، المشكلة الكبرى التي نواجهها في المراكز الصحية هي نوعية الأغذية التي تقدم لنا،وقد طلب مني المسؤولون أن أغادر المركز بسبب تحسن حالتي الصحية، كي أفسح المجال لمشرد آخر،وبما انني عاطل عن العمل منذ سنوات وبلا سكن، سأعود الى حياة التشرد فيما اذا أرغموني على الخروج من هنا.
وقد تم نقل 1700 من مشردي طهران خلال الشهور الثلاثة الماضية،الى مراكز الرعاية الصحية،كما تم تكليف وزارة العمل بتأهيلهم للعمل من خلال ورشات فنية، للحيلولة دون عودتهم للسكن في علب الكرتون،الأقل تكلفة وأكثر مأساوية من بيوت الصفيح.