إن المتأمل في استراتيجيات القرائية للصوتيات والمفردات يجدها مستقاة من مباحث علوم اللغة العربية، ويرى أنها تؤسس مباحث علوم اللغة العربية في نفوس التلاميذ وعقولهم من دون عناوين أبوابها ومباحثها الاصطلاحية في علوم اللغة العربية المختلفة.
كيف؟
نبدأ بما يتعلق بالصوتيات.
ماذا سنجد؟
سنجد:
أ- التلاعب بالأصوات أي بالحروف وحركاتها
تتكون الكلمة من مجموعة مقاطع تتكون من أصوات أي حروف وحركات قصيرة أو طويلة، والصوت هو أصغر وحدة تحليلية للكلمة. وإن مفهوم الحرف لا يستوعبه التلميذ من تعريف مجرد بالألفاظ؛ فقد اختلف فيه الصوتيون كما تذكر كتب علم الأصوات، لكنه لو لعب بحروف الكلمة، ورأى تغير الصورة اللفظية والمعنى بتغير الحروف لرسخ مفهوم الحرف داخله رسوخا ثابتا.
مثال: "شاكر".
لو قدمنا الكاف لتغيرت الكلمة ومعناها فإنها تصير "كاشر"، ولو حذفنا الراء لصارت الكلمة "شاكٍ" وهي كلمة جديدة بمعنى جديد. ولو أبدلنا بالشين باء لصارت "باكر" وتحول معناها إلى الزمن. وهكذا لو غيرنا تغييرا مزدوجا كأن نغير موقع الكلمة ونزيدها حرفا.
وهذا مما سيدرسه لاحقا في علم الصرف والمعجم والأصوات.
ب- التحليل الصوتي، والتركيب الصوتي أي الدمج
ما التحليل الصوتي؟
إنه تقسيم الكلمة إلى مقاطعها الصوتية.
ما المقطع الصوتي؟
المقطع الصوتي هو تجمع صوت أو أكثر محوره حركة أي صائت.
لماذا كانت الحركة محور المقطع؟
لأنه لولا وجود الحركات أي الصوائت: القصير منها متمثلا في الحركات، والطويل متمثلا في حروف المد- لما استطعنا نطق الصوامت.
لماذا؟
لأن الصوائت تيار هواء مستمر يصل الصوامت بعضها بالبعض الآخر، ولأن المقطع الصوتي نواته حركة أو حرف مد أي صائت، وحاشيتاه صامت أو صامتين. ولأن هناك فرقا عضليا وجهديا في نطق الأزواج التالية من الكلمات: قَتَلَ: قَتْلْ، وعَصَرَ: عَصْرْ، و... إلخ. وما شابه ذلك من كلمات نجد النطق فيه منطلقا في حالة عدم تجاور صامتين ومتعسرا في وجود صامتين متجاورين وهذا لا تسمح به اللغة إلا بقواعد تبيح التقاء الساكنين في مواضع محدودة.
وقد اختُلف علميا قديما وحديثا أيهما يأتي أولا الصائت أم الصامت؟ وقد تناول ابن جني ذلك في باب "محل الحركات من الحروف معها أم قبلها أم بعدها" في كتابه "الخصائص"، وتناوله المحدثون من علماء اللغة.
ما أهمية المقطع الصوتي؟
إن المقطع هو الطريقة التي ينطق بها الإنسان الكلام؛ فالكلام لا يخرج حروفا بل يخرج مقاطع على وفق آلية عمل الحجاب الحاجز وجهاز النطق. كما أنه وسيلة تعليمية لو أحسنت لعالجت حالات كثير من عسر تعلم القراءة والكتابة.
ما أنواع المقاطع الصوتية العربية؟
تتعدد أنواع المقاطع إلى:
1- مقطع قصير: ويتكون من صامت "ص" وحركة "ح"، مثل:أَ: والتعبير عنه مقطعيا يكون "ص ح".
2- مقطع متوسط، وهو ينقسم قسمين: مقطع متوسط مغلق: وهو ما يكون آخره "صامت"، مثل: قَدْ: وتعبيره المقطعي: ص ح ص. ومقطع متوسط مفتوح: وهو ما يكون آخره حركة، مثل:"ما"، ويكون التعبير المقطعي عنه : " ص ح ح".
3- مقطع طويل: وينتهي بصورتين: مقطع منته بـ"ح ص"، مثل "مين" من كلمة "العالمين"، ويكون التعبير المقطعي عنه"ص ح ح ص". ومقطع منته بـ"ص ص "، مثل "خَوْفْ"، ويكون التعبير المقطعي عنه" ص ح ص ص".
وهاكم تقطيع قوله تعالى:" الحمد لله رب العالمين" تمرينا دالا: اَلْ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. حَمْ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. دُ: ص ح : مقطع قصير. لِلْـ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. لَا: ص ح ح: مقطع متوسط مفتوح. ـهِ: ص ح: مقطع قصير. ربـْ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. بِلْ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. عا: ص ح ح : مقطع متوسط مفتوح. لَـ: ص ح : مقطع قصير. مِينْ: ص ح ح ص: مقطع طويل.
كل هذا يتعلمه التلميذ في القواعد اليسيرة التي يعرفها في التحليل الصوتي عندما يقال له:
1- الحرف المتحرك مقطع.
2- الحرف الساكن مع ما قبله مقطع.
3- حرف المد مع ما قبله مقطع.
4- الحرف المشدد حرفان: أولهما ساكن مع ما قبله كما في "2"، وثانيهما متحرك كما في "1".
5- الحرف المنون مقطع.
ويؤدي كل ذلك إلى غوص التلميذ في هذا العمر المبكر في مباحث علم الأصوات بيسر ومن دون إجهاد، فإن درسه لاحقا كانت لديه البنية الأساسية التي تفرض الألفة العلمية.
(2)
هذا عما يتعلق بالصوتيات، فماذا عما يتعلق باستراتيجيات المفردات؟
سنجدها جميعها تصب في ذلك الباب.
كيف؟
أ- شبكة المفردات
شبكة المفردات تعني حصر أكبر قدر من الكلمات التي لها صلة بالكلمة المرادة، وهي تتصل بالحقول الدلالية المعجمية، وهي تهدف إلى إثراء معجم التلميذ؛ إذ تُذكر فيها كلمة ويطالب التلميذ بذكر كلمات متصلة بها.
مثال: اكتب شبكة مفردات "المدرسة"، ويترك لهم الوقت الكافي، فيأتون بكلمات لها صلة بالكلمة المطلوبة، مثل: المعلمون، والفصول، والكتب، و.... إلخ.
ب- خريطة الكلمة
خريطة المفردات تخطيط يبين موقع الكلمة من خلال محاور معجمية وصرفية ونصية.
كيف؟
توضح المرادف والمضاد وهذا مبحث معجمي. وتذكر النوع، وهذا مبحث صرفي يتصل بنوع الكلمة الذي يأتي في المقدمة الأولى في صدر كتب النحو. ووضعها في جملة أي في سياق، وهذا يتصل بالمعجم والنص.
مثال: اكتب خريطة "عاد"، ويترك لهم الوقت الكافي، فيأتون بالمرادف الذي هو رجع والمضاد الذي هو ذهب والنوع الذي هو فعل والجملة التي هي: عاد التلميذ من المدرسة.
ج- عائلة الكلمة
عائلة الكلمة تعالج موضوع الاشتقاق بعيدا عن التنظير الذي يمثل علما من علوم اللغة العربية عند البعض، ويمثل عند البعض الآخر لب علم الصرف. وتتميز اللغة العربية بأنها لغة اشتقاقية. وتتصل أيضا بالحقول الدلالية.
فإن جاء للتلميذ المضارع وكان يعرف الماضي كان الماضي وسيلة لمعرفة المضارع. وهكذا يعرف التلميذ أحد تصريفات الكلمة من التصريفات الأخر. وهذه الاستراتيجية مثال لانتقال أثر التعلم الذي يعني استثمار أمر معلوم لاكتشاف أمر غير معلوم.
مثال: اكتب عائلة "احفر"، ويترك لهم الوقت الكافي، فيأتون بالماضي الذي هو حفر أو المضارع الذي هو يحفر أو الاسم الذي هو حفرة- على وفق ما يوجد في معجم التميذ من خبرة سابقة، فيتوصل إلى المجهول من خلال معلوم سابق.
د - المعاني المتعددة
تتصل استراتيجية المعاني المتعددة بظاهرة المشترك اللفظي الذي يمثل مبحثا من مباحث فقه اللغة، والذي يدرس الكلمات التي لها أكثر من دلالة يحدد السياق الدلالة المقصودة في الجملة المذكورة.
مثال: اذكر معنى قص في الجملتين الآتيتين:
** قص الأب الحكاية.
** قصت المعلمة شرائط الزينة.
فتكون كلمة الحكاية في الجملة الأولى دالة على أن معنى "قص" حكى، وتكون كلمة شرائط الزينة في الجملة الثانية دالة على أن معنى "قص" قطع.
فإن درس التلميذ لاحقا فقه اللغة، ودرس المشترك اللفظي- فلن يستغرب، بل سيجد لديه ألفة من طفولته المبكرة.
و- مفاتيح السياق
مفاتيح السياق استراتيجية تحمل صدى علم النص إلى التلميذ في طفولته المبكرة بعيدا عن التنظير المتشعب.
كيف؟
إنها تبحث في توظيف عناصر الجملة لمعرفة معنى كلمة منها، وهي تشبه شبكة المفردات لكنها تكون هنا محصورة في كلمات الجملة لا معجم التلميذ.
مثال: ما مفاتيح سياق كلمة "فتح" في الجملة الآتية: فتح محمد الباب. وبعد تفكير يسير يعلم التلميذ أن كلمتي "محمد والباب" دلتا على أن معنى فتح هو أزال إغلاق.
وبذلك يرى التلميذ إلى كلمات الجملة كائتنات متعاونة لا جزرا منفصلة، وشيئا فشيئا تنمو هذه الرؤية لتشمل النص كاملا.
ز- الصفة المضافة أي التلاعب بالدلالة
الصفة المضافة تعالج مسألة النعت التي سيدرسها التلميذ في صفه السادس الابتدائي، وهي تتصل أصوليا بمبحث المطلق والمقيد، وتجعل التلميذ يتحكم في دلالة كلمة ما بوضع كلمات تالية لها.
مثال: وقف التلميذ.
كلمة "التلميذ" في هذه الجملة تعني كل تلميذ، لكن لو وضعنا بعده "المتفوق" لقل العدد. وهكذا يتمكن التلميذ من اللعب بالدلالة سعة وضيقا.
ح- المثال واللامثال
المثال واللامثال هي "الصفة المضافة" لكن بمراعاة شيئين لا شيء واحد.
كيف؟
يقال: هذا فيل ضخم. وهذا أرنب.
في المثال الأول جاءت الصفة المضافة "ضخم"، لكنها لم تأت في الجملة الثانية. وبذلك ترتبط الاستراتيجيتان كما سبق أن ارتبطت استراتيجية مفاتيح السياق باستراتيجية شبكة المفردات وتعدد المعاني.
م