كان لشهر الصوم مع الناس عبر أيامه المتعاقبات مواقف جادة وأخرى طريفة. وروت لنا أسفار الأدب والتراث العربي الكثير من تلك المفاكهات التي حصلت في رمضان، فاسمه رمضان له رنّة فرح وترنيمة عذبة على شفاه الصائمين، حيث تعقد في لياليه المجالس وتدار فيه الأمسيات، لتروى خلالها الحكايات والقصص وكلّ الطرائف والظرائف، ومن تلكم النوادر والمفاكهات التي جرت وقائعها أيام الصيام شذرات مما خلده الأدباء والشعراء في تلك الأيام والعصور السالفة.
أبو هريرة ورجل فطر في رمضان
جاء رجل إلى الصحابي أبي هريرة رضي الله عنه في شهر رمضان فقال له :دخلت دارا فأطعموني ولم أدر؟ فقال له :أطعمك الله وسقاك. أي لا عليه إثم؛ لأنه نسي أنه صائم في رمضان.
صوم يوم عرفة
وقيل لمزيد المدني: صوم يوم عرفة يعدل صوم سنة؟ فصام إلى الظهر، وقال: يكفيني ستة أشهر فيها رمضان!
هلال رمضان
كذلك صعد ناس ليلة لمشاهدة هلال الصوم، لكنهم لم يروه، فلما همُّوا بالانصراف شاهده صبي وأرشدهم إليه فقال له أحدهم: بشِّر أُمكَ بالجوع المضني!
الرغيف والسيف
وروي أن أعرابيًا مرَّ ذات يوم وهو يحمل رغيفًا من الخبز برجل صائم يحمل سيفا، فقال الأعرابي: أتبيعني سيفك برغيفي. فأجابه الرجل: أمجنون أنت؟ فقال الإعرابي: وما أنكرت متى؟ أنظر إلى الرغيف والسيف أيهما أحسن أثرًا في البطن.
يوم الشك
وقد خرج أبو عيسى بن جبريل إلى متنزه ببغداد ومعه الحسن بن هانئ (أبو نواس) في آخر شهر شعبان، فلما كان اليوم الذي أوفى به شهر شعبان على الثلاثين قيل له: إن هذا يوم شك وبعض أهل العلم يصومه، فقال: لا عليك، ليس الشك حجة على اليقين؟
مع الفقيه
وجاء رجل يومًا إلى فقيه للفتوى في شهر رمضان فقال له: لقد أفطرت يوما بعذر؟ فأجابه الفقيه: اقضِ يومًا؟ قال الرجل: قضيت وأتيت أهلي وقد صنعوا ميمونة فامتدت يدي إليها وأكلت منها. قال الفقيه: اقضِ يوما آخر. قال الرجل: قضيت وأتيت أهلي وقد صنعوا هريسة فسبقتني يدي إليها وأكلت منها. فقال الفقيه للرجل: الرأي إنك لا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك؟
أشعب والجَدْي
وقال المدائني: إنَّه كان لزياد بن عبد الله الحارثي جَدْيٌّ لا يمسه أحدٌ فعشَّى قومًا في أحد أيام رمضان فيهم أشعب. فعرض أشعب للجَدْيِّ من بين القوم. فقال زياد حين رفعت المائدة: أما لأهل السجن إمام يصلي بهم؟
فقالوا: لا.
قال: فليصل بهم أشعب.
فقال أشعب: أو غير ذلك أيها الأمير؟
قال: ما هو؟
قال أشعب: لا آكل لَحْمَ جَدْيٍّ أبدًا!
رمضان يوم واحد
وقيل لبعض الناس: كيف صنعتم في رمضان؟ فأجابهم: اجتمعنا ثلاثين رجلا فصمناه في يوم واحد واسترحنا فيه.
الرجل البخيل
ومن مفاكهات شهر الصيام أن رجلًا بخيلًا كان يصوم الاثنين، فأنشد أحد الشعراء فيه قائلًا:
أزُورُكَ يَوْمَ الصومِ عِلْمًا بأنّني *** إذا جِئْتُ يِومًا غَيْرَه لا أُعْلِّمُ
مَخافةَ قولِي:إنّني جِئْتُ جَائِعًا *** ولو قُلتها أيضًا لما كُنْتُ أُطعَمُ
بين نصيب والأحوص
يروى أن نصيبًا الشاعر دقَّ على الشاعر الأحوص بابه، فأبطأ عليه، وكان الأحوص حين سمع صوته راح يخفي ما كان أمامه من طعام وشراب حتى لا يراه نصيب مفطرا في شهر رمضان. فلما فتح الأحوص الباب، خاطبه نصيب قائلًا:
أراك أبطأت عليَّ ؟ فأجابه الأحوص: كنتُ أقضي حاجة.
فقال له نصيب: وأين عبيدك يفتحون لي، إنّما كنت تأكل وكنت تخشى أن أراك.
فأنشد الأحوص قائلًا:
اللهُ ربّي يَغْفِر الذُنُوبَا فَلا تَكُنْ من دُوْنِه رَقيبا
إنْ شِئْتَ قَدَّمْنّا لكَ الحليبا وإنْ تَشَأ فالرَّطَبَ العَجيبا
مِنْ هَجَرٍ جِئْنا بهِ رَغيبا نُغْرِي بهِ العُيونَ والقُلوبَا
وأنشد الشاعر نصيب ردًا على الأحوص قائلًا:
كُلْ ما تشاءُ إننّي لصَائِمُ واللهُ رَبّي بالقُلوبِ عَالِمُ
والنَارُ فيها لذُنُوبٍ جَاحِمُ وكيفَ يَنْجُو في الحِسَابِ الآثِمُ
إنّي على ذَنْبِي لَدَيْهِ نَادِمُ وليسَ لِي مِنْ نَوْمِ رَبّي عَاصِمُ
أي سورة تعجيك؟!
ومن طرائف الصيام أن أحدهم سأل طفيليًا ذات يوم: أيُّ سورة تعجبك في القرآن؟ فأجاب: سورة المائدة. وقيل له: فأيُّ الآيات منه؟ فقال له: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} [الحجر: 3].
قصة الإسلام