توظيف الفوتوغراف سردياً07/07/2015 08:46
«مدينة الصور» للروائي لؤي حمزة عباس
علي حسن الفواز
يقترح الروائي لؤي حمزة عباس زمنا واقعيا لمشغله السردي، لكنه يضع هذا الزمن داخل مغامرة مفتوحة للقص، يتداخل فيها الواقعي مع السردي، مثلما يضع شخصياته الواقعية في مساحة مفتوحة للتخيّل السردي، بوصفهم علامات تعبيرية عن الواقع، وعلامات سيميائية لتحولاته وصراعاته ولموته وأحلامه، وان تمثلها الصوري في مشاهد السرد تنطوي على حوافز لاستنطاق المسكوت عنه إزاء أحداث تاريخية معينة، وكذلك الكشف عن الهوية الضامرة للشخصية الروائية في المكان/ المدينة، بوصفها شخصية مراقبَة وحيادية من جانب، وشخصية مستلبة ومسحوقة من جانب آخر، فضلا عن مقاربة هوية المدينة عبر تبديات العديد من تلك الشخصيات، بوصفها عالما مائيا ولسانيا، مثلما هي عالم للزيف وللحرب والموت والقسوة، إذ يمارس الروائي وظيفته التبئيرية- عبر هذا التوصيف- من خلال وضع المدينة كمادة واقعية في فضاء السرد، وفي سياق تخيّلي لتشكيل أطر وعلائق سردية حاكمة، تلك التي تملك فيها الذات الساردة قدرة على المواءمة مابين الواقعي والسردي، ومابين مع المكان/ المدينة ومعادله الرمزي الذي تصنعه لحظات فارقة في المدينة..
مقاربة النسق اليومي
في رواية ( مدينة الصور) للروائي لؤي حمزة عباس الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون/ بيروت، يبدأ الحدوث السردي من خلال استنطاق المكان المحلي عبر الصور، وعبر توهيج العلامات التي تتبدى في الصور، وبما يعطي للذات الساردة وظيفة عين للكاميرا، تلك التي تملك انفتاحات بصرية، فضلا عن امتلاكها انفتاحات رؤيوية فيها الكثير من الرصد والتنوع، إذ تكشف عن العديد من المناطق السردية الغامضة، التي يصنعها الحكي، وهو يكشف الكثير من تجليات النسق المضمر لذاكرة الفقر والحرمان والحرب وصراعاتها وتحولاتها، وبما يُعطي لوظيفة الحكي أبعادا اجتماعية ونفسية وتعبيرية، فيها تزجية تعويضية، فضلا عن قربها إلى حد ما من بعض وظائف بروب، تلك التي يتجاوز فيها الروائي نسق الحكائية العجائبية إلى مقاربة النسق اليومي والاجتماعي بكل حمولاته الرمزية ودلالاته القهرية، إذ تحكمه مجموعة صور باثّة، تتشكل ذاكرتها البصرية عبر ما يتبدى من ملامح شاحبة لشخصياتها، وكذلك عبر ماتبوح به بعض شواهد المكان المديني الذي تتفجر فيه الرومانسية، مثلما تسحق فيه الحرب شخصية سعود الحالم الذي لاعلاقة له بالحرب..
هذا البوح الصوري هو المعادل التعبيري لماتبوح به سردية الصورة، تلك التي تستنطق التاريخ، وتستدعيه بوصفه ذاكرة ويوميات مشحونة بتصورات وأفكار يصطنع لها الروائي مساحات تمثل جوهر مادة الحكي من جانب، وروح المكان/ المعقل بكل حمولاته الرمزية، إذ هو يختصر المدينة، ويعبّر من خلالها عن طبائع التحولات السرية فيها، وفي مصائر شخصياتها المعذبة والمهمشة..
سردنة الصور
رواية (مدينة الصور) دالة في عنوانها على معنى محدد، لكنها مفتوحة في متنها السردي على وظائف ثانوية، تقوم على سردنة الصور التي يستحضر عبرها الروائي مدينته، مثلما تقوم على إستكناه ما يمكن أن يكشف عنه الروائي، وعن طبيعة مايختاره من الأحداث والشخصيات، إذ تمثل بعض الأحداث لحظات مفارقة في تاريخ المدينة، مثلما تمثل بعض الشخصيات هاجسا لما تعيشه، ولما تتعرض له من تحولات فاجعة، ومن حروب دامية، ومن فقدانات قتلت طابعها المديني، ومزاجها الرومانسي، وتحولت الى باعث للتماهي المتخيل والكاذب مع النص الاستعادي/ الصوري ( لم تكن بين خالي وأنا أبصره متمهلا يمشي على الكورنيش وصورته المحفوظة في البوم العائلة أي صلة، الصور تكذب) ص12
الصور تكذب لأنها تثبّت الحدث في الواقع، لكنها في السرد تموههُ، أو تسيل به، حدّ انها تفقد زمنها الواقعي لصالح ماهو سردي، إذ تتحول الواقعة الى حكاية، وهذا التحول يسبغ عليها مجازا داخل السرد، ويُدخلها في الحراك الاستعاري للمتخيل ( كان يوسف يحدثنا مثل طيف عابر بعيد، نستعيد الصورة كلما وصل بحديثه عن أخيه، يبتكر في كل مرة حكاية مختلفة، حكاية عجيبة يدرأ بها موته) ص64
استعادة المكان
نفي موت سعود الذي قتله أول صاروخ إيراني أطلق على مدينة المعقل يفكك عتبة الواقعة لصالح فضاء الحكي، إذ يتحول الى مادة سردية عبر عودته من الموت في حكايات شقيقه يوسف ليلقى القبض عليه في حالكة، مثلما هو النفي الاستعاري لصورة عبد الحليم حافظ بين زيارته للمدينة في العام 1965 وسكنه في فندق شط العرب، وبين صورته الشاحبة وهو على فراش المرض، وكذلك صورة الزعيم عبد الكريم قاسم القتيل على كرسي في مبنى الإذاعة، وكذلك صور الإمام الخميني (أعرف أنهم لم يكونوا أشباح الصور الحزينة، لا عبد الحليم حافظ، ولا صفاء، ولا خالي، ولا سعود، ولا عبد الكريم قاسم حتى بصورته المفزعة، ولا هرمان ملفل، أشباح أسرتها لحظة الضوء أبدّتها في التماعة عابرة) هذا مايجعل حافظة الصور التي يقترحها الروائي بدءا من الغلاف، وانتهاء بألبوم الصور الذي جمعه مع صديقه ياسين تتحدث عن النسق المضمر للمدينة، التي يضعها في سياق سردية قراءته المقترحة، وهذا مايمنح الرواية توصيفها الظاهراتي، إذ يقودنا الروائي عبر لعبة وعيه الماكرة إلى استعادة المكان والشخصية والحدث، لكن من خلال سردية الطفل الراوي وحلمه ومراقبته لكل مايحدث في المدينة، تلك التي تتحول إلى لحظة تبئير صادقة في الواقع، لكنها تكذب في السرد، التي تكون فيها زاوية النظر بمستوى مايتشكل من الفعل السردي القائم، أو بوصفها باعثا تخيّليا لاستعادة التاريخ والأحداث كسرديات للروائي، أو هي كشوفاته لما جرى، ولما تلقفه وهو الطفل والشاب من شفرات شكلّت العلامات التوصيفية لتلك الاحداث، ولما تعنيه من عوالم تلبسته كثيرا، وشغف بها بوصفها دالته للكشف والتعرّف، فضلا عن كونها معادلا لسيمياء الموت الذي أحاط بالمدينة، عبر موت سعود وأحلامه، وموت الزعيم عبد الكريم قاسم، وضياع الخال، ومتاهة كريمة، وعبر شحوب عبد الحليم
حافظ..
http://www.imn.iq/news/view.70901/