لماذا يزداد بكاء الإنسان في شهر رمضان؟
لماذا يزداد بكاء الإنسان في شهر رمضان؟ لأنه مسرور جدّا. الإنسان الكئيب لا يبكي بل يبحث عن فرص الضحك واللعب، بينما الإنسان المسرور فيودّ أن يبكي. كالآباء والأمّهات بعدما زوّجوا أولادهم، فترى أعينهم تفيض من الدمع فرحا إذ قد أينعت ثمارهم.
كلّ من يدخل في مجالس ذكر الله أو مجالس ذكر أهل البيت(ع) يجب أن يعرف أن هؤلاء المؤمنين الحاضرين في المجلس هم في حالة سرور وبهجة شديدة. وهذا ما يدركه الناس في مجالس عزاء الحسين(ع)، إذ يدركون أنك أكثر من أن تحزن على الحسين(ع) تفتخر به وتعتزّ به! تفتخر وتقول: «حسين أميري ونعم الأمير»! فعينك تحكي عن مدى لذّتك وأنسك بذكر الحسين(ع) وهذا ما يدركه أكثر الناس. فعندما تبكي أو تصرخ أو تلطم على الحسين(ع) يدرك الناس أن وراء هذا الحزن الجميل الذي لا يؤدي إلى كآبة وعقد نفسية، سرور ممتدّ في أعماق قلبك. كالعقيلة زينب(س) التي قالت: «مَا رَأَيتُ إِلَّا جَمِيلا» [اللهوف/160]
إن شهر رمضان لهو أفضل فرصة للتقرّب إلى الله سبحانه. وإنّ الحياة في مناخ القرب حياة مختلفة تماما! أودّ أن أسألكم أيها الصائمون: أليس الإفطار فيه طعم خاص يختلف عن باقي وجبات الطعام؟! فهذا ما أشار إليه النبي(ص) حيث قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ حِينَ يفْطِرُ وَ حِينَ يلْقَى رَبَّهُ عَزَّ وَ جَل» [من لا يحضره الفقيه/2/75] كما أن حالة الحزن التي تعتريكم عند انتهاء شهر رمضان وفي عيد الفطر بسبب انتهاء هذا الشهر العظيم، يحكي عن هذا الشعور الجميل وهذه الفرحة التي يشعر بها الصائم في أيام شهر رمضان وعند الإفطار. فعزّزوا هذا الشعور في قلوبكم.
كيف نستطيع أن نزداد تقرّبا في شهر رمضان؟
كيف نستطيع أن نتقرّب في شهر رمضان أكثر من الحدّ الأدنى الذي يتقرّب فيه كلّ مؤمن أو مسلم؟ إذا أحيينا شهرَ رمضانٍ ولائيِّ سياسيِّ ثوريِّ حماسيّ. وإذا كان شهر رمضاننا مصحوبا بانتظار الفرج والنشاط الثوريّ، عند ذلك نتقرّب أكثر.
لماذا كان المجاهدون في جبهات الدفاع المقدّس يصلّون صلاة الليل؟ ولماذا كانوا يذوقون حلاوة صلاة الليل؟ لأنهم كانوا يجاهدون في سبيل الله. فإنكم إذا كرّرتم نفس الأذكار التي كان يردّدها المجاهدون لن تصلوا إلى ما وصلوا إليه، إلّا أن تصلّوا وتذكروا الله مثل المجاهدين. لقد كان المجاهدون يذكرون الله ويتوسّلون به لينجحوا عمليّاتهم. وكانت عمليّاتهم في الواقع عملا في سبيل الإسلام والمجتمع الإسلامي. فبإمكان الإنسان أن يحصل على هذا النور في ساحة النشاط الثوريّ والعمل السياسي والاجتماعي، وحريّ به أن يصلّي صلاة الليل ليوفّقه الله للنجاح في تلك الساحات. يقوم الليل ويصلّي لينجز مهمّته السياسيّة والاجتماعية بنجاح، فيتزوّد نورا بهذه الصلاة التي أقامها في جوف الليل.
يقول الله سبحانه: (وَ الَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنا) [عنكبوت/69] وهداية الله ليست سوى الحياة في أجواء القرب، فترى يدك صارت يد الله وعينك عين الله وأذنك أذن الله، طبعا في مرتبتك وبحسب شأنك.
لا تستطيع أن تتحسّس حياة المقرّبين إلا إذا كنت سياسيّا وثوريّا جدّا
متى تستطيع أن تتحسس حياة المقرّبين؟ تستطيع أن تشعر بذلك إن كنت سياسيّا جدّا وكان معظم اهتمامك ودعائك للمجاهدين ولخطّ المقاومة، وإن كنت تهتم وتفكر بالمجاهدين وتدعو للفرج، بأسلوبه الصحيح، لا أن تدعو أن يأتي الإمام ويصلح بنفسه كلّ الأمور بلا حاجة إلى نصرنا وجهادنا!
لقد روي عن الإمام الصادق(ع): «لِيعِدَّنَّ أَحَدُکُمْ لِخُرُوجِ الْقَائِمِ وَ لَوْ سَهْماً فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ نِيتِهِ رَجَوْتُ لِأَنْ ينْسِئَ فِي عُمُرِهِ حَتَّى يدْرِکَهُ وَ يکُونَ مِنْ أَعْوَانِهِ وَ أَنْصَارِهِ» [الغيبة للنعماني/320] طبعا لا داعي لادّخار السلاح في بيوتكم، ولكن على الأقل ليحتفظ كل واحد منكم ببدلة عسكرية في بيته. فإن سألوك عن سبب ذلك؟ قل: «قد احتفظت بها لأرتديها في جيش الإمام صاحب الزمان(عج) بعد ظهوره، إذ لا يمكن القتال بالقاط الرسمي». فقد يستغربون أن هل قد حملت القضية على محمل الجدّ بهذا القدر؟! فقل لهم: نعم، إن حديث الإمام الصادق(ع) قد وصّانا بهذا التعامل الجادّ مع قضية الظهور. انظروا إلى كوفيّة سماحة السيد القائد! فلنكن مجاهدين دائما ومستعدّين للجهاد دائما.
يقول المفضّل بن عمر أحد أصحاب الإمام الصادق(ع): «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع وَ قَدْ ذَکَرَ الْقَائِمَ ع فَقُلْتُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يکُونَ أَمْرُهُ فِي سُهُولَةٍ فَقَالَ لَا يکُونُ ذَلِكَ حَتَّى تَمْسَحُوا الْعَلَقَ وَ الْعَرَق» [الغيبة للنعماني/ 248]
أيّها الإخوة الأعزاء! فليكن نشاطنا ثوريّا سياسيّا اجتماعيّا ودينيّا. ما هذه المعنوية العلمانية التي اعتدنا عليها؟ لا معنى في أن يصلّي شابّ صلاة الليل ليكون قد أداها وحسب! يجب أن يرى ماذا حصل عليه من كفاءة أو توفيق بعد قيام الليل، وما هي القضايا التي يستطيع أن يعالجها، وماذا يجب أن يفعله في النهار، وعلى أي عمل قد عزم، وما هي نيته وما هو قصده وهمّته.
يسأل بعض الشباب: «ماذا أفعل لأكون مقرّبا؟» فأقول له: كن ثوريّا! كن ثوريّا لتتقربّ إلى الله. فإن سأل: ماذا أفعل لأكون ثوريّا، أقل له: قدّم خدمة للنظام الإسلاميّ هذا، وافعل شيئا واخطُ خطوة! طبعا عندما تنصح بعض الناس بهذه النصيحة يذهب ويمارس بعض الخدمات الاجتماعية التي لو كان في أمريكا أو اليابان لفعلها نفسها! فلم أقصد هذا من تقديم الخدمة.
ليس شهر رمضان، شهر المعنوية العلمانية وشهر الابتعاد عن المجتمع والناس
انتفع بشهر رمضانك للتقرّب، ولكن اعلم أنه ليس شهر رمضان، شهر المعنوية العلمانيّة شهر الابتعاد عن المجتمع والناس. إن شهر رمضان هو شهر الرجوع إلى الناس. فانقذ الناس واعمل شيئا في هذا المسار؛ في مسار الولاية وفي سبيل تمرين الولاء تحت راية الإمام المنتظر(عج)! حاول أن تقدّم شيئا.
إن فرصة شهر رمضان للتقرّب لفرصة ذهبيّة، فإذا أردتم أن تتقرّبوا كثيرا في هذا الشهر العظيم فكونوا ثوريّين جهاديّين حماسيّين ولائيّين ومنتظرين. فأنقذوا أمتكم هذه من أغلال الأسر وقوموا بهذه الأفعال لتكونوا من المقرّبين.
إذا رأيتم عارفا غير ثوريّ، فهو ليس بعارف بل صاحب دكّان
أسأل الله أن تصبحوا في هذا الشهر المبارك من المقرّبين، فإن صرتم كذلك تعرفوا لماذا كلّ من كان من العرفاء كان ثوريّا أيضا. ولماذا كلّ من صار ثوريّا من الدرجة الأولى صار عارفا. فمن كان ثوريّا ولكن لم يكن أهل العرفان والعبادة والبكاء بين يدي الله، فهو قد اتخذ الأمور لعبا ولعلّه يسيء إلى العمل الثوري. وإن رأيتم عارفا غير ثوريّ، فهو بالأحرى صاحب دكّان ومسيء إلى العرفان.
إنّ شهر رمضان هو شهر استشهاد أمير المؤمنين(ع). إن مصائب أمير المؤمنين(ع) ليست من قبيل ملاحم كربلاء، بل هي مصائب من نمط آخر ولا يمكن البكاء والعويل عليها بسهولة. إنها مصائب لا يدركها كل الناس ولذلك كان أمير المؤمنين(ع) يضطر أحيانا إلى مناجاة البئر، إذ لم ير أحدا يفاتحه عن ما في قلبه.
صلى الله عليك يا مظلوم يا أمير المؤمنين(ع)