في ذكرى استشهاد الامام علي عليه السلام




تفحّم بالحقد قلب امرأة قدّر لها أن تكون الأخيرة فيمن نقموا على أبي الحسن نكير سيفه، حين أنزلت حربه الأخيرة في نفسها فجيعة الأب والأخ... وأخطأ التعصب رجل تفرق عن صاحبين له في مكة على عهد أختار هو منه قتل علي(عليه السلام )، والتقت المرأة بالرجل فأضيفت الغاية للغاية وأمتزج الحقد الفاحم بالتعصب الخاطئ، لينطلقا الى مؤامرة لم يجدا لها بادئ الأمر غير فورة المزيج وشحذ الغايات ،وهما عنصران وإن شدا الهمة وأوقدا التصميم فقد قصرا عن المراد، أذ طالما استجمعا في نفوس تحشدت منذ أول معركة للإسلام, ثم ظلت حبيسة الضرام وأسيرة البغض, لاتجد لمرادها مسلكا ولالثأرها سبيلا، فهذا علي (عليه السلام) أسطورة الحرب ومعجزة الحول... عدّت العرب الشجاعة وصنّفت الإقدام فكان لمناجزته المظهر الأبهى ولمطاولته المقام الأجل حتى استثنت الهزيمة أمامه من وصمة العار.
أذن يعوزهما التخطيط..
خطة يتحاشون بها قوته وبأسه ويتحايلون على يقظته وأنتباهه....
فكيف عسى أن تكون ؟!
تكرر اللقاء وتكثر الاجتماع... يشحذان الفكر ويجهدان الذهن. الأولى ممتنعة بالذات لا إمكان فيها, فمنطق الشأن الذي كان عليه علي (عليه السلام ) يوحّد بينه وبين قوته، فهي الثانية... حالة تروح عنه يقظته ويغيب انتباهه...لوتحقق اليها الهدى... ولكنهما ألفياه على مطية تباطأت لوعورة الطريق، فليس في الرجل ما يجود بغرة أو يمكن من غيلة، لايكاد يغفو ولايسهو أو يغفل...
ضاقت بهم حواشي الفرصة وتقلصت حواف الرجاء حتى أستنقذتهما نبوءة من رسول الله (عليه السلام ) لابد أن تتحقق
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام )
ـ من أشقى الأولين ياعلي ؟
قال (عليه السلام )
ـ الذي عقر ناقة صالح
قال (صلى الله عليه وآله)
ـ صدقت ،فمن أشقى الآخرين ؟
قال (عليه السلام )
ـ الله ورسوله أعلم
قال (صلى الله عليه وآله)
ـ الذي يضربك على هذه
وأشار الى يافوخه
وقدر كان عليه أن ينزل في ليلة سينوح فيها الإوز وتموج الملائكة وتضطرب الكوفة. فبان لهم مكمن الحالة من صفات الرجل وسجاياه.. حين يصلي علي (عليه السلام ) لا تبقى له جارحة على الارض, يحملها مهر خشوعه الى حضيرة القدس, فلا يرى سوى نور الله ولا يلامس غير ذاته... واختارا للجريمة مسرحا أراداه لموته وأراده التاريخ لخلوده وأرادته السماء دلالة على انتماء ثاني أعظم صنائعها اليها ،من بدءه الى نهايته، فكان في المحراب مصرعه كما كان في الكعبة مولده.
منقول