أوقفوا هذه الديماغوجية
خلال إشرافه على لقاء جهوي بقسنطينة في الأيام الماضية، خصص للتكفل الطبي بمؤطري الانتخابات التشريعية، صرح وزير الصحة، جمال ولد عباس، بأن ميزانية قطاعه وصلت هذه السنة إلى 459 مليار دينار، وأشار من جهة أخرى إلى أن الجزائر هي البلد الوحيد الذي يوفر أدوية السرطان مجانا بكلفة 800 مليون سنتيم للمريض الواحد سنويا. من جهتي أقول، الحمد لله الذي حبا بلادنا بخيرات تسمح لها بتخصيص هذه الأموال الضخمة للحفاظ على صحة المواطنين، و''خمسة في أعين الحساد''، مع التوضيح بأن هذه الأموال هي ملك للشعب، ولم تقتطع من جيوب أعضاء الحكومة أو جيب السيد الوزير إن كانت نيته، وراء ذكر هذه الأرقام، المنّ على المواطن.
ولنتوقف قليلا عند هذه الأموال، ونصيب المواطن والمريض منها.
لقد صرح نفس الوزير، وفي نفس اللقاء، بأن 2133 جهاز طبي، بما فيها أجهزة ''سكانير''، ظلت لفترة طويلة في مخازن مؤسسات استشفائية دون استغلال. وبهذا، فإن سيادة الوزير يعترف بالأرقام، بأن ملايير اقتطعت من الميزانية خلال هذه السنوات، وضاعت في أجهزة بقيت مخزنة ولم يستفد منها المواطن، وهو تبديد للمال العام، يعاقب عليه القانون، لو كنا في دولة القانون.
ويعلم العام والخاص أن الكثير من صفقات التجهيزات الطبية تعرف تضخيما في الفواتير، ويذهب الفارق إلى جيوب الذين يعقدون هذه الصفقات، وهو جزء آخر من الميزانية لا يستفيد منه المواطن الذي لا يصله أيضا قسط كبير من هذه الأموال، لأنه يصرف في أدوية تبقى مخزنة وترمى بعد انتهاء مدة صلاحيتها. ويمكن لأي مواطن أن يذكر الكثير من التسربات في أموال القطاع على جميع المستويات والهياكل، لكننا لن نتوقف عند تفاصيلها ونكتفي بالتأكيد بأن جزءا كبيرا من الميزانية التي تخصصها الدولة لصحة المواطن تذهب في اتجاهات أخرى.
من هنا أعتقد يا معالي الوزير، أن الأرقام التي تمطرون بها المواطن بمناسبة وبغيرها، لا تغير شيئا في الواقع المتردي للمنظومة الصحية التي تثير تذمر الأغلبية الساحقة من المرضى وذويهم، لأنهم يدركون جميعا بأن المشكل ليس في الأموال، ويعلمون أن الدولة تخصص القدر الكافي، وأن الإشكال كل الإشكال في تسيير هذه الأموال.
إن الأموال الضخمة التي تتحدثون عنها، مجرد أرقام لا يجد لها المواطن أثرا في واقعه اليومي، ولم توفر اللقاح لأطفاله. هل تعلمون، يا معالي الوزير، أن بعض مرضى السرطان يستأجرون سيارات بمبالغ تصل إلى 3 و4 آلاف دينار ويتكبدون مشاق بدنية كبيرة، وعندما يصلون إلى مركز العلاج يصدمون بعدم توفر الدواء؟ هل تعتقدون بأن تبجحكم بمجانية الدواء يمكنه أن يعيد الحياة لمن ماتوا من هؤلاء المرضى؟ لا يا سيدي، أوقفوا هذه التصريحات الديماغوجية التي جعلت المواطن يكفر بكم جميعا، ويفقد الثقة في كل المؤسسات، بسبب سوء تسييركم.
chaabanezerrouk@yahoo.fr