كانت عائلة الأسير المقدسي غسان النتشة تعلم أن فرحتها بنجاح ابنها في الثانوية العامة لن تكتمل، فالاحتلال اشترط عليها تسليمه فور انتهاء امتحاناته ليقضي حكما بالسجن مدة ثلاثة أشهر.
وبدأت معاناة غسان مع الاعتقال في فبراير/شباط الماضي، عندما طوقته عناصر من مخابرات الاحتلال في منطقة باب العمود في القدس المحتلة، واقتادته إلى مركز تحقيق المسكوبية بتهمة إلقاء الحجارة داخل المسجد الأقصى.
وبحسب والده عمران النتشة، مكث غسان خمسة أيام في مركز المسكوبية ثم حوّل للحبس المنزلي الذي كان مشددا، 'وطلبنا من المحكمة تخفيفه حتى يتمكن غسان من الذهاب إلى مدرسته، وتمت الموافقة على ذلك بشرط مرافقة أحد الوالدين له'.
ورغم الظروف الصعبة التي أثرت على غسان نفسيا وأداءً خلال العام الدراسي، فإنه حصل على معدل 91.3%، ليكون من الطلبة المتفوقين في الثانوية العامة.
نتيجة مشرفة
وعن لحظات استلام النتيجة، قال والده 'توجهنا أنا وزوجتي ووالدتي إلى المدرسة لاستلام نتيجته، وتأثرنا كثيرا بمشاهد فرحة زملاء غسان وذويهم، ولكنهم تجمعوا حولنا فجأة وسارعوا إلى تهنئتنا بنتيجته المشرّفة، وهذا ما خفف عنا'.
وأضاف 'لا نعلم حتى الآن إذا كان غسان قد علم بنتيجته، وسنتوجه إلى الصليب الأحمر كي يقوموا بإيصالها له، فكل ما نعرفه أنه يقبع في سجن النقب الصحراوي، وأن الأسرى هناك محرومون من الزيارة'.
وقالت سمر النتشة والدة الأسير، إن الحبس المنزلي من أقسى العقوبات التي يتلقاها أطفال القدس وذووهم، إذ 'تأثر غسان بشكل كبير وتحول لإنسان عصبي جدا وكل شيء بات يزعجه'.
وتابعت: 'ذهبت أنا ووالده قبل أسبوعين لتسليمه لسلطات الاحتلال حتى يقضي الحكم بالسجن الفعلي، وهذا أصعب ما يمكن أن تواجهه الأم عندما تضطر لتسليم ابنها للاحتلال بيدها'.
وأكد الوالد أن ما تعرض له غسان من اعتقال وحبس منزلي خلال العام الدراسي أدى إلى تشويش حياته العلمية، لكنه يستدرك 'وفرنا له أجواء ملائمة رغم ظروفه الصعبة وكنا نواسيه دائما بأنه ليس الوحيد في هذه المحنة فكل أشبال القدس يعيشون المعاناة نفسها، وحصل بالنهاية على معدل مشرِّف أثلج صدورنا رغم بعده عنا'.
ولم تكن تجربة اعتقال غسان الأولى التي تعيشها جدته أم توفيق التي شهدت اعتقال أبنائها قبله، وقالت للجزيرة نت 'عشت تجارب اعتقال عدة لأبنائي، لكن اعتقال غسان أرهقني نفسيا خاصة أنه يعيش وينام معي في الغرفة نفسها، وعندما خرج من المنزل لتسليم نفسه شعرت أن شيئا من قلبي اقتلع وذهب معه، وأتمنى أن يعود لنا سالما، وأن يكون هذا الاعتقال الأخير له'.
ويسعى والد غسان لتقديم طلبات التحاق لولده المعتقل بالجامعات الفلسطينية، متمنيا له الحصول على فرصة لدراسة التخصص الذي يحب، ويقول 'يحلم غسان أن يصبح رجل اقتصاد، لذا قمنا باختيار تخصص الاقتصاد في طلبات الالتحاق وننتظر النتائج الآن'.
أطفال القدس
وبحسب رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب، فإن 470 أسيرا مقدسيا يقبعون الآن في سجون الاحتلال، بينهم 57 قاصرا وثلاث سيدات، وأربعون أسيرا تتراوح أعمارهم بين 17 و18 عاما، وهو العمر الذي يتقدم به الطلبة لامتحان الثانوية العامة، الأمر الذي يعني حرمانهم من تخطي التعليم المدرسي والالتحاق بالجامعات.
ويرى أبو عصب أن الاحتلال يستهدف أطفال القدس بالاعتقال أو الحبس المنزلي، لخلق فجوة بينهم وبين الرغبة في التعلم، 'فبعد خروج معظم القاصرين من السجن أو الحبس المنزلي تتراجع رغبتهم بالعودة إلى مقاعد الدراسة مجددا، وهذا مؤشر خطير'.
يذكر أن سلطات الاحتلال اعتقلت خلال عام العام الماضي 2247 مقدسيا، بينهم سبعمئة طفل، واعتقلت منذ بداية هذا العام 820 مقدسيا بينهم 320 طفلا.
المصدر