من أهل الدار
قاضي محكمة الدرر
تاريخ التسجيل: September-2011
الدولة: في قلب الوطن
الجنس: أنثى
المشاركات: 24,181 المواضيع: 2,226
صوتيات:
125
سوالف عراقية:
5
مزاجي: هادئة دون حذر أو حماسة
أكلتي المفضلة: طاجين الزيتون
موبايلي: ذاكرتي الصورية
آخر نشاط: 5/October/2024
السويسرية التي فعلت الكثير من عشقها للجزائر: إيزابيل ايبرهارت.. اعتنقت الإسلام وناضلت
"سأعيش بدوية طوال حياتي.. عاشقة للآفاق المتغيرة والأماكن البعيدة الغير مستكشَفة.. لأن كل رحلة، حتى إلى المواقع المعروفة عند
الجميع، هي استكشاف"
عبارة تكشف عن ملاح شخصية صاحبتها، هي فتاة عاشت حياة معدمة، شاءت لها الأقدار أن تحمل وصمة خطيئة اقترفها والديها، فكانت
ثمرتها المنبوذة.. حُرِمت من لقب والدها الحقيقي، وأجدب حيالها قلب الأم، وجفا عنها الإخوة.. كل هذه الظروف القاسية، شيدت هيكل
شخصية أنثوية غريبة الأطوار، تارة تعكس التمرد والعنفوان، وطورا تجسد الفضيلة في أسمى معانيها؛ إنها عاشقة الجزائر المجاهدة
الوافدة إيزابيل إيبرهارت.
ولدت في جنيف في 17 فيفري 1877 من أم روسية وأب أرميني من علاقة عابرة، فسجلت كلقيطة قبل أن تحمل اسم جدتها لوالدها،
وعاشت إثر ذلك حياة بائسة، تنكر لها إخوتها من أمها وسقط حقها في الميراث، فما وجدت أمامها سوى التمرد سلاحا تجابه به قسوة
الحياة.
عُرِفَت إيزابيل بالفتاة الذّكر لأنها كانت ترفض مظاهر الأنوثة ولباس المرأة، وترتدي زي الرجال، وكأنها تنتقم من الظلم الذي لحقها بسبب
ضعفها، فرفضت كل ما يقيد حريتها وتمردها، لكنها من جهة أخرى استثمرت في حرمانها، وملأت شغور العاطفة بطلب العلم والاحتكاك
بالمثقفين، فأولت اهتمامها باللغة التركية، ثم درست اللغة العربية حد الإتقان، وأصبحت تراسل بها المستشرقين الروس، كما تمكنت من تعلم الأمازيغية من خلال مخطوط نحوي تحصلت عليه من أحدهم.
كان منزل والدتها ملتقى للثوار واللاسلطويين، نظرا لتأثر هذه الأخيرة بفكر مدرسها ووالد ابنتها اللاسلطوي ألكسندر تروفيموفسكي،
فنشأت الفتاة مشبعة بروح الثورة والمغامرة، فكانت نقطة التحول في حياتها بداية من مغامرة السفر إلى الجزائر، للقاء أحد الضباط
الفرنسيين المجندين، بعد فترة من المراسلات بينهما، لكنها لم تجد فيه الشخص المناسب للارتباط فصرفت نظرها عنه.
وفي سنة 1897 كانت إيزابيل قد نضجت، وتمكنت من فرض ذاتها من خلال شخصيتها الصلبة التي صقلتها محن الحياة وتجاربها،
فأصطحبت معها والدتها وشدت الرحال إلى الجزائر ذلك البلد الذي تعلقت به إيما تعلق، فاعتنقت الإسلام عن قناعة وحب وسابق اطلاع،
واستطاعت التأثير على والدتها فأسلمت هي الأخرى، وعاشتا تحت مظلة هذا الدين الجديد مكرمتان بين أهله، لكن والدتها لم تلبث طويلا
حتى اختطفها الموت في نفس السنة بمدينة عنابة، ودفنت هناك في مقابر المسلمين تحت اسم فاطمة منوبية، ثم توفي والدها بعد سنتين من
ذلك بسرطان الحنجرة بجنيف.
واصلت إيزابيل مشوار حياتها يحذوها نور اليقين، حاملة هموم إخوانها المسلمين في الجزائر، فنصرت قضيتهم العادلة، وجابت البلاد شرقا
وغربا تطوي بإعجاب آفاق حياة مجتمع مسلم، يتشبث بتلابيب هويته رغم كل مكائد الإستعمار، ثم انتقلت إلى تونس متنكرة في زي رجل
واتخذت لنفسها اسم "سي محمود السعدي" للتحقيق في جريمة مقتل ماركيز أروبي بتكليف من زوجته ميدورا ماركيز.
ومن خلال رحلاتها المختلفة، تعرفت على الطريقة الصوفية القادرية، التي كان أتباعها يحاربون ضد الاستعمار الفرنسي بسرية،
ويساعدون المجاهدين ويطعمون الفقراء والمساكين، وعندما علمت فرنسا بأمرها قامت بنفيها إلى مارسيليا، وفي المنفى لم تجد إيزابيل
سوى القلم أنيسا لها، فأبدعت في كتابة الكثير من المؤلفات والمذكرات، وهناك تعرفت على جندي جزائري صوفي اسمه سليمان فتزوجت
به في 17 اكتوبر1901، مما منحها الجنسية الفرنسية ومنه حق العودة إلى الجزائر.
فعادت إلى الجزائر التي عشقتها واستقرت بمنطقة عين الصفراء مع زوجها، تتقاسم معه حزن الوطن المسلوب، إلى أن استوفت أجلها إثر
فيضان طوفاني بالمنطقة الصحراوية التي تقطنها وكان ذلك في 21 أكتوبر 1904 عن عمر يناهز 27 سنة، حيث وُجدت تحت أنقاض بيتها
تمسك بيدها كتابا تحت عنوان "المتسكع"، أرّخت فيه لمسيرة حياتها الغريبة الحافلة بالإنجازات رغم قصرها.