في أيام الفتنة التي غرقت فيها الجزائر، ولا تزال تعاني من آثارها وبقاياها ما تعاني، التي تسبب فيها هؤلاء وهؤلاء؛ كان مما أوحي إلى المسؤولين آنذاك إغلاق بعض المساجد..
وهو ما فعلته تونس في هذه الأيام، لأن ذلك في رأي المسؤولين هناك هو أسهل حل، وشعارهم هو إن نغلق المساجد فقد أغلقها أخ لنا من قبل، وإنا على آثاره لمقتدون.


قررت السلطات في بداية التسعينيات غلق أحدالمساجد في مدينة الجزائر، كان القائمون عليه متشددين،ولم ينج منهم حتى الشيخ محمّد الغزالي ـ رحمه الله ـ حيثسلقوه بألسنة حداد.. وما فقهوا "أن المنبتّ لا أرضاقطع، ولا ظهرا أبقى".

كنا يوما مع الأخ امحمد برضوان، وزير الشؤون الدينية فيمكتبه، فإذا الهاتف الخاص يرن، فأشار إلينا أن نلتزمالصمت، بوضع سبابته على فمه..


كان المتكلم في الجانب الآخر هو وزير الداخلية، الذي كان الناس يظنونه نمرود زمانه، "يحيي ويميت"، كانيعطي تعليمته كأنه في "كازيرنه" وليس في وزارة، وكانت التعليمة "اغلق المسجد...".

من سمات الأخ سي امحمد برضوان امتلاك أعصابه، والسيطرة على انفعالاته، فأجاب "ربّْها" قائلا:
"ليستعندي شرطة حتى أغلق المسجد، وما أستطيع فعله هو أن أقول ـ بعد استشارة العلماء ـ: يجوز غلقالمسجد أو لا يجوز".

أمر السّيّد الوزير بطلب حضور أصحاب الفضيلة الشيوخ أحمد حماني، وعلي المغربي، وأمزيان الثعالبي،وغيرهم، وطرح عليهم المسألة قائلا: أفتونا في جواز إغلاق المسجد الفلاني من عدمه. ثم ترك العلماءلبحث القضية..


لم يطل اختلاء العلماء، وأخبروا السيد الوزير بما انتهوا إليه، وهو أنه ليس لأحد الحق في إغلاق المسجد،وللسلطان أن يغير المتسبب في "الفتنة"، مع مراعاة ألا يكون الإمام البديل ممن همه إرضاء السلطان قبلإرضاء الرحمن، وقد دفع الأخ امحمد برضوان ثمن ذلك، فأبعد بعدها بقليل وجيء بمن لو قيل له ما قيل لسيامحمد لذهب "سريعا سِرْ"، ولربما أغلق المسجد بنفسه وبالمسمار.

نسأل الله ـ عز وجل ـ أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.. ويؤتي المسؤولين رشدهم، لإرضاء الله ـ عز وجلـ بإقامة شرعه، وخدمة دينه.. فما هي إلا مدة، ثم يأمر الله ـ عز وجل ـ "وقفوهم إنهم مسؤولون"، ويومئذيعض الظالمون منهم أيديهم ندما على ما أجرموا في حق الله، وحق دينه.. وحق عباده..


بقلم الدكتور
[COLOR=black !important]
محمد الهادي الحسني[/COLOR]