نظرة القرآن إلى النصارى
يدعوهم القرآن "أهل الكتاب"، أو "الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" أو "الذين أتيناهم الكتاب" أو "النصارى". ويصفهم القرآن بالإيمان وعبادة الله، وعمل الخير.
ويقول في ذلك
"مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ" (سورة آل عمران 113).
ويقول أيضًا: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (سورة البقرة 121). "وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ" (سورة النساء 131). "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ" (سورة القصص 52).
هم إذن من المؤمنين، يعبدون الله، ويسجدون لله وهم يتلون آيات الكتاب طوال الليل. يؤمنون بالله وبالكتاب وباليوم الآخر، وهم من الصالحين.
ولذلك أمر القرآن بمجادلتهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
وفي ذلك يقول "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (سورة العنكبوت 46).
ولم يقتصر القرآن على الأمر بحُسن مجادلة أهل الكتاب، بل أكثر من هذا؛ وضع القرآن النصارى في مركز الإفتاء في الدين، فقال: "فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ" (سورة يونس 94). وقال أيضًا: "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (سورة الأنبياء 7).
ووصف القرآن النصارى بأنهم ذو رأفة ورحمة:
وقال في ذلك: "وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ، وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً" (سورة الحديد 27).
واعتبرهم القرآن أقرب الناس مودة إلى المسلمين:
وسجل ذك في سورة المائدة حيث يقول: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" (سورة المائدة 82).
ونلاحظ في هذه الآية القرآنية تمييز النصارى عن الذين أشركوا. لأنها هنا تذكر ثلاث طوائف واجهها المسلمون وهي اليهود والذين أشركوا في ناحية، والنصارى في ناحية أخرى. فلو كان النصارى من المشركين، لما صحّ هذا الفصل والتمييز.
إن التمييز والفصل بين النصارى والمشركين أمر واضح جدًا في القرآن، ولا يقتصر على النص السابق، وإنما سنورد هنا أمثلة أخرى. منها قوله: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (سورة الحج 17). نفس هذا التمييز نجده في الآية 186 من سورة آل عمران، ونجده واضحًا (قوانين التزوج المشترك) وفي قوانين الجزية، ولا يتسع المجال في هذه العجالة لبحث مثل هذا الموضوع الواسع. على أنني سأعود إلى التكلم فيه في نهاية هذا المقال. أما الآن فيكفي في نظرة القرآن إلى إيمان النصارى أن نورد قوله "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (سوره البقرة 62؛ سورة المائدة 69).