الابتداء
هذا شروع في الأحكام التركيبية. والتركيب المفيد إما جملة أسمية ومنها اسم الفعل مع مرفوعه والوصف مع مرفوعه المغني عن الخبر. أو فعلية ومنها الجملة الندائية ، ولم يقل المبتدأ والخبر لأن الابتداء يستدعي مبتدأ وهو يستدعي خبراً أو ما يسد مسده غالباً على ما ستعرفه فأطلق الابتداء وأراد ما يلزمه مباشرة أو بواسطة ، ففي الترجمة به تأدية للمقصود مع الاختصار والإشارة إلى عدم تلازم المبتدأ والخبر فلا يقال ترجم لشيء ولم يبينه وبين شيئاً ولم يترجمه ، نعم قد يقال هذه النكتة حاصلة لو قال المبتدأ فلم لم يترجم به ويمكن أن يجاب بأنه آثر التعبير بالابتداء على التعبير بالمبتدأ للإشارة في الترجمة إلى أنه العامل فتأمل. وقدم باب المبتدأ على باب الفاعل لما قيل: إنَّه أصل المرفوعات لأنه مبدوء به. وقيل الفاعل لأن عامله لفظي. وقيل كل أصل. قال الدماميني: تظهر فائدة الخلاف في نحو زيد جواباً لمن قام فعلى الأول يترجح كونه مبتدأ محذوف الخبر، وعلى الثاني يترجح كونه فاعلاً لفعل محذوف وعلى الثالث يستوي الوجهان، ثم اعترض بأن استحسان مطابقة الجواب للسؤال في الاسمية والفعلية يقتضي ترجح كونه مبتدأ محذوف الخبر مطلقاً. وأجاب بأن جملة من قام اسمية في الصورة فعلية في الحقيقة ، وبيان ذلك أن قولك من قام أصله أقام زيد أم عمرو أم خالد إلى غير ذلك لا أزيد قام أم عمرو أم خالد لأن الاستفهام بالفعل أولى لكونه متغيراً فيقع فيه الإبهام ولما أريد الاختصار وضعت كلمة من دالة إجمالاً على تلك الذوات المفصلة ومتضمنة لمعنى الاستفهام وبهذا التضمن وجب تقديمها على الفعل فصارت الجملة اسمية في الصورة لعروض تقدم ما يدل على الذات فعلية في الحقيقة، فإن أجبت بالفعلية نظراً إلى جانب الحقيقة فالمطابقة حاصلة معنى وإن أجبت بالاسمية نظراً إلى الصورة فالمطابقة حاصلة لفظاً فإذن لا ترجيح بمجرد المطابقة لوجودها في الصورتين فبقي الترجيح بأصالة الفاعل أو المبتدأ سالماً ، وفيه نظر لأن مقتضى قولهم همزة الاستفهام يليها المسؤول عنه أن أصل من قام أزيد قائم أو عمرو أم خالد إذ المسؤول عنه بمن قام القائم لا القيام ، فاعرفه.
مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ.
فالعامل في المبتدأ معنوي وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة وما أشبهها واحترز بغير الزائدة من مثل بحسبك درهم فبحسبك مبتدأ وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة ولم يتجرد عن الزائدة فإن الباء الداخلة عليه زائدة واحترز بشبهها من مثل رب رجل قائم فرجل مبتدأ وقائم خبره ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه نحو رب رجل قائم وامرأة.
والعامل في الخبر لفظي وهو المبتدأ وهذا هو مذهب سيبويه رحمه الله وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء فالعامل فيهما معنوي وقيل المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ وقيل ترافعا ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ وأن المبتدأ رفع الخبر وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه وهو الأول وهذا الخلاف مما لا طائل فيه