الخبر هو الجزء المكمل للفائدة ويرد عليه الفاعل نحو قام زيد فإنه يصدق على زيد أنه الجزء المتم للفائدة وقيل في تعريفه إنه الجزء المنتظم منه مع المبتدأ جملة ولا يرد الفاعل على هذا التعريف لأنه لا ينتظم منه مع المبتدأ جملة بل ينتظم منه مع الفعل جملة .
وينقسم الخبر إلى مفرد وجملة وسيأتي الكلام على المفرد فأما الجملة فإما أن تكون هي المبتدأ في المعنى أو لا فإن لم تكن هي المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ ، وهذا معنى قوله حاوية معنى الذي سيقت له والرابط إما ضمير يرجع إلى المبتدأ نحو زيد قام أبوه وقد يكون الضمير مقدرا نحو السمن منوان بدرهم التقدير منوان منه بدرهم أو إشارة إلى المبتدأ.
كقوله تعالى:َ(لِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) في قراءة من رفع اللباس أو تكرار المبتدأ بلفظه وأكثر ما يكون في مواضع التفخيم كقوله تعالى:( الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) و(الْقَارِعَةُ الْقَارِعَةُ) وقد يستعمل في غيرها كقولك زيد ما زيد أو عموم يدخل تحته المبتدأ نحو زيد نعم الرجل ، وإن كانت الجملة الواقعة خبرا هي المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط وهذا معنى قوله وإن تكن إلى آخر البيت أي وإن تكن الجملة إياه أي المبتدأ في المعنى اكتفى بها عن الرابط كقوله نطقي الله حسبي فنطقي مبتدأ أول والاسم الكريم مبتدأ ثان وحسبي خبر عن المبتدأ الثاني والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدأ الأول واستغنى عن الرابط لأن قولك الله حسبي هو معنى نطقي وكذلك قولي لا إله إلا الله.
تقدم الكلام في الخبر إذا كان جملة وأما المفرد فإما أن يكون جامدا أو مشتقا ، فإن كان جامدا فذكر المصنف أنه يكون فارغا من الضمير نحو زيد أخوك وذهب الكسائي والرماني وجماعة إلى أنه يتحمل الضمير والتقدير عندهم زيد أخوك هو وأما البصريون فقالوا إما أن يكون الجامد متضمنا معنى المشتق أولا فإن تضمن معناه نحو زيد أسد أي شجاع تحمل الضمير وإن لم يتضمن معناه لم يتحمل الضمير كما مثل وإن كان مشتقا فذكر المصنف أنه يتحمل الضمير نحو زيد قائم أي هو هذا إذا لم يرفع ظاهرا.
وهذا الحكم إنما هو للمشتق الجاري مجرى الفعل كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل فأما ما ليس جاريا مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميرا وذلك كأسماء الآلة نحو مفتاح فإنه مشتق من الفتح ولا يتحمل ضميرا فإذا قلت هذا مفتاح لم يكن فيه ضمير وكذلك ما كان على صيغة مفعل وقصد به الزمان أو المكان ك مرمى فإنه مشتق من الرمي ولا يتحمل ضميرا فإذا قلت هذا مرمى زيد تريد مكان رميه أو زمان رميه كان الخبر مشتقا ولا ضمير فيه.
وإنما يتحمل المشتق الجاري مجرى الفعل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا فإن رفعه لم يتحمل ضميرا وذلك نحو زيد قائم غلاماه فغلاماه مرفوع بقائم فلا يتحمل ضميرا.
وحاصل ما ذكر أن الجامد يتحمل الضمير مطلقا عند الكوفيين ولا يتحمل ضميرا عند البصريين إلا إن أول بمشتق وأن المشتق إنما يتحمل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا وكان جاريا مجرى الفعل نحو زيد منطلق أي هو فإن لم يكن جاريا مجرى الفعل لم يتحمل شيئا نحو هذا مفتاح وهذا مرمى زيد.
إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه نحو زيد قائم أي هو فلو أتيت بعد المشتق ب هو ونحوه وأبرزته فقلت زيد قائم هو فقد جوز سيبويه فيه وجهين أحدهما أن يكون هو تأكيدا للضمير المستتر في قائم والثاني أن يكون فاعلا ب قائم هذا إذا جرى على من هو له.
فإن جرى على غير من هو له وهو المراد بهذا البيت وجب إبراز الضمير سواء أمن اللبس أو لم يؤمن فمثال ما أمن فيه اللبس زيد هند ضاربها هو ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لولا الضمير زيد عمرو ضاربه هو فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين وهذا معنى قوله وأبرزنه مطلقا أي سواء أمن اللبس أو لم يؤمن.
وأما الكوفيون فقالوا: إن أمن اللبس جاز الأمران كالمثال الأول
وهو زيد هند ضاربها هو فإن شئت أتيت ب هو وإن شئت لم تأت به وإن خيف اللبس وجب الإبراز كالمثال الثاني فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت زيد عمرو ضاربه لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدا وأن يكون عمرا فلما أتيت بالضمير فقلت زيد عمرو ضاربه هو تعين أن يكون زيد هو الفاعل.
واختار المصنف مذهب البصريين ولهذا قال في بيته التعليمي وأبرزنه مطلقا يعني سواء خيف اللبس أو لم يخف واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين وقد ورد السماع بمذهبهم فمن هذا قول الشاعر:
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان
التقدير بانوها هم فحذف الضمير لأمن اللبس.
تقدم أن الخبر يكون مفردا ويكون جملة وذكر المصنف في هذا البيت أنه يكون ظرفا أو جارا ومجرورا ، نحو زيد عندك وزيد في الدار فكل منهما متعلق بمحذوف واجب الحذف ، وأجاز قوم – منهم ابن مالك - أن يكون ذلك المحذوف اسما أو فعلا نحو كائن أو استقر فإن قدرت كائنا كان من قبيل الخبر بالمفرد وإن قدرت استقر كان من قبيل الخبر بالجملة.
واختلف النحويون في هذا فذهب الأخفش إلى أنه من قبيل الخبر بالمفرد وأن كلا منهما متعلق بمحذوف وذلك المحذوف اسم فاعل والتقدير زيد كائن عندك أو مستقر عندك أ وفي الدار وقد نسب هذا إلى سيبويه.
وقيل: إنهما من قبيل الجملة وإن كلا منهما متعلق بمحذوف هو فعل والتقدير زيد استقر أو يستقر عندك أو في الدار ونسب هذا إلى جمهور البصريين وإلى سيبويه أيضا ، وقيل: يجوز أن يجعلا من قبيل المفرد فيكون المقدر مستقرا ونحوه وأن يجعلا من قبيل الجملة فيكون التقدير استقر ونحوه وهذا ظاهر قول المصنف ناوين معنى كائن أو استقر.
وذهب أبو بكر بن السراج إلى أن كلا من الظرف والمجرور قسم برأسه وليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة نقل عنه هذا المذهب تلميذه أبو علي الفارسي في الشيرازيات والحق خلاف هذا المذهب وأنه متعلق بمحذوف وذلك المحذوف واجب الحذف وقد صرح به شذوذا كقوله:
لك العز إن مولاك عز وإن يهن فأنت لدى بحبوحة الهون كائن
وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة نحو مررت برجل عندك أو في الدار أو حالا نحو مررت بزيد عندك أو في الدار أو صلة نحو جاء الذي عندك أو في الدار لكن يجب في الصلة أن يكون المحذوف فعلا والتقدير جاء الذي استقر عندك أو في الدار وأما الصفة والحال فحكمهما حكم الخبر كما تقدم