الرباط ـ «القدس العربي» : حقق الممثل المغربي مراد العشابي تراكمات مهمة في رصيده الفني، سواء على المستوى المسرحي أو التلفزيوني أو السينمائي. كما حرص على نقل تجربته حتى خارج المغرب، ولا سيما في بعض البلدان الأوروبية التي قدم فيها عروضا مسرحية. خلال رمضان الحالي، يلتقي معه جمهور القناة التلفزيونية المغربية الأولى في سلسلة كوميدية تحمل عنوان «مرحبا بصحابي» التي يمثل فيها بجانب عدد من نجوم الدراما المغربية: المحجوب الراجي، صلاح الدين بنموسى، مصطفى الزعري، الحسين بنياز، فاطمة وشاي، نعيمة إلياس.
التقته «القدس العربي»، وحاورته عن هذه المشاركة، وعن واقع فن التمثيل في المغرب:
■ ما شعورك وأنت تشارك في سلسلة «مرحبا بصحابي» التلفزيونية خلال رمضان الحالي بجانب عدد من رواد التمثيل في المغرب؟
□ لقد ساقني الحظ لأن أساهم في عمل درامي يشارك فيه ثلاثة أجيال من الممثلين المغاربة، من بينهم من بدأ مساره الفني في الخمسينيات من القرن الماضي وعايش فترة الاستقلال وما بعدها، وكان المسرح هو مدرستهم الحقيقية الاولى ثم الدراما الإذاعية إلى حين تأسيس أول قناة تلفزيونية في الستينيات.
كما أن كلا من هؤلاء الرواد، كالمحجوب الراجي وصلاح الدين بنموسى ومصطفى الزعري والحسين بنياز، يملك أسلوبا خاصا به وبصمة متميزة، فمنهم من مارس الكتابة الساخرة والزجل الفكاهي، ومنهم من خاض غمار كتابة السيناريو، لكنهم في نهاية المطاف يعتبرون قمة قمم الأداء الدرامي في المغرب، ويحتفظون بحس مرهف وسلاسة في تقمص الأدوار، فضلا عن الجيل الثاني من الفنانين أمثال فاطمة وشاي ونعيمة إلياس؛ الأمر الذي ساعدني كثيرا في أن أنسجم معهم منذ أول لقطة جمعتنا، بل إن علاقاتنا توطدت أيضا حتى خارج بلاتو التصوير، ولم يشعروني بفارق السن أو التجربة، وهذه ـ في نظري ـ هي شيم الأساتذة الكبار والفنانين العظماء الذين مهما بلغ رصيدهم الفني، فإنهم يحافظون على فضيلة التواضع والقدرة على التواصل والإنصات وتمكين الشباب من جني ثمار تجربتهم الممتدة في المكان والزمان. فأحمق من يرفض مشاركة هؤلاء الرواد في عمل فني يحترم العائلة المغربية بعنوان «مرحبا بصحابي».
■ أين تضع هذه المشاركة ضمن باقي أعمالك الفنية؟
□ قبل أن أشارك في مسلسل «مرحبا بصحابي» كنت قد أنهيت جولتي الأوروبية والوطنية برفقة المخرج الفرنسي نيكولا فان كوفان بمجموعة من المدن، من خلال عرضي الفني «أولاد لبلاد»، وقبلها شاركت في مسرحية إيطالية بعنوان «كوميديا غالوري» إخراج ماركوليلي لفرقة ليوغي ديلارتي، وأخرجت مسرحية «عايشة قنديشة» بدعم من الإتحاد الأوروبي.
وسبق شاركت في مجموعة من الأعمال على القناة الأولى المغربية كسلسلة «سير حتى تجي» للمخرج سعيد أزر و»قطار الحياة» للمخرجة فاطمة الجبيع و»مداولة» لحكيم بيضاوي و»الخواتات» لعبد الصمد دينية و»ماشاف مارا» للمخرج علي الطاهري والفيلم التلفزيوني»خريف الأحلام» لحميد بناني.
على مستوى القناة الثانية المغربية، شاركت في عدة أعمال من بينها «رمانة وبرطال»للمخرجة فاطمة بوبكدي و«عائلة محترمة» لكمال كمال و»مول الطاكسي»لمحمد ليشير، و«الغالية» و«الحبيبة أمي» للمخرجة جميلة برجي، فضلا عن تنشيط مجموعة من البرامج الإذاعية كبرنامج «الحوار المفترض» الذي كان يذاع على أمواج الإذاعة المغربية، وأفلام سينمائية مختلفة .
■ هل تعتقد أن الظروف مواتية في المغرب لمزاولة هذه المهنة؟
□ الأكيد أن قطاع الإنتاج الدرامي التلفزيوني يعرف فوضى وانتشار المحسوبية والزبونية التي تصيب العديد من الممثلين بالإحباط، خصوصا حين يقدم مخرجون وشركات على إقحام عناصر بعيدة على المجال الفني في أعمال تلفزيونية وسينمائية دون سند منطقي.
وقد تميز مسار الممثلين المغاربة الرواد بالعصامية والتمرس الميداني، وتلقت قلة منهم تكوينا أكاديميا على يد مسرحيين فرنسيين، كما كان الحال مع الطيب الصديقي الذي تمكن من الاستيعاب الكامل للمدارس المسرحية الفرنسية القديمة منها والحديثة، ووظف التقنيات الأوربية في إنجاز أعمال مستوحاة من التراث العربي.
والمثير أن ممثلين آخرين تألقوا في ما بعد في مجال الكتابة المسرحية لم يتلقوا أي تكوين، بل جاءوا من ميادين بعيدة عن المجال المسرحي، وكانوا حرفيين وصناع تقليديين أو تلمسوا طريقهم عبر جمعيات ثقافية كانت تنشط في كبريات المدن المغربية، فأبدعوا وتألقوا واحترفوا الفن، بما يعنيه ذلك الاحتراف من مغامرة غير مأمونة النتائج، لكون المسرح لا يضمن لممارسيه دخلا يفي بحياتهم المعيشية، ومع ذلك ضحوا بالكثير وواصلوا المسار الذي كان متسما بالموسمية وعدم الاستقرار.
إن المسرح المغربي الذي يحتفل هذه السنة بمائة سنة على ميلاده، عرف مدارس تمثلت في فرقة «المعمورة» التي تأسست في الخمسينيات من القرن الماضي وأطرها المخرج الفرنسي جان فيلار، ومن بين هذه المدارس أيضا فرقة «التمثيل العربي للإذاعة والتلفزيون»، تحت قيادة عبد الله شقرون، وعلى المنوال نفسه يمكن اعتبار «فرقة المسرح البلدي» في البيضاء مدرسة قائمة الذات، وكذلك «المسرح العمالي»، ثم المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي.
■ وإلى أي حد ينفع التكوين إلى جانب الموهبة في تطور فن التمثيل؟
□ الموهبة لوحدها لا تكفي بل يجب صقلها والاعتناء بها، وإذا اجتمعت الموهبة بالتكوين تعتبر عاملا أساسيا لنجاح الممثل وتضمن له التألق والتميز، فالتكوين المسرحي مثلا يسعى لإيصال الممثل المسرحي إلى درجة كبيرة من الوعي والثقافة المسرحية… لأن عنوان التكوين المسرحي هو الدراسة الأكاديمية والتدريب والمتابعة والاطلاع وكذلك الاستفادة من خبرة رواد المسرح السابقين، مما يساعد الممثل المسرحي على التمثيل بطريقة أكثر احترافية حيث يستطيع التكيف مع جميع أدواره المختلفة.
■ ما رأيك في العمل النقابي في المجال الفني في المغرب؟ وهل حقق مكاسب معينة للفنان المغربي؟
□ يتندر الفنانون المغاربة بكون «بطاقة الفنان» التي وزعتها وزارة الثقافة عليهم ليست في نهاية المطاف سوى قطعة بلاستيك لا تغني ولا تسمن من جوع. وكان حريا أن تصدر هذه البطاقة عن هيئات مستقلة، وأن تملك فعالية على مستوى الحماية الاجتماعية والصحية للفنان. وهنا يتجلى دور النقابات الفنية التي تحولت ـ مع الأسف إلى كيان بلا روح ـ بعد أن فشلت في تحصيل الحد الأدنى من حقوق الفنانين والكفيلة بضمان كرامتهم ، بل إن من يسمون أنفسهم بـ»النقابيين» تحولوا بقدرة قادر إلى مجرد موظفين قابعين داخل مكاتب فارغة لم يعد أي فنان يقصدها أو يدق بابها.
وقد استبشرنا خيرا أن أحد الفنانين المغاربة انتخب نائبا في البرلمان، لكننا لا زلنا ننتظر أن ينهض من مقعده لكي يبلغ «ممثلي الأمة» بحقيقة أوضاع غالبية الفنانين المغاربة التي لا تدعو للتفاؤل على كل حال.
وفي رأيي، إن الفنانين في حاجة ماسة إلى عمل نقابي حقيقي يملك مقومات التمثيلية الوازنة للفاعلين في الميدان ويملك أيضا المصداقية والنجاعة وليس الشعارات الفارغة وتفضيل المصالح الأنانية الشخصية على المصلحة العامة.