كيف تترجم (1)
أهمية الترجمة ودورها في
المرحلة الراهنة
محمد حسن يوسف
ابدأ بإذن الله من اليوم
سلسلة جديدة بعنوان " كيف تترجم "؟! وأتناول في
هذه السلسلة تقديم إرشادات
عامة للتعامل مع النصوص المراد الترجمة منها،
وكيفية التعبير عن تلك
النصوص باستخدام اللغة المنقول إليها. ولعل الهدف
من هذه السلسلة هو محاولة كل
منا تعلم كيفية الترجمة إلى لغة أخرى، لكي
يعبر من خلالها عن مشاعره
إزاء ما يحدث من سب للرسول المصطفى صلى الله
عليه وسلم، أو ينقل عن
طريقها سيرته صلى الله عليه وسلم إلى الآخرين الذين
لا يتكلمون باللغة العربية،
والذين يجهلون سيرته ولا يعلمون شيئا عنها!!
وهذا العمل هو موضوع كتاب
كنت قد نشرته أثناء عملي في تدريس الترجمة خلال
فترة إقامتي بدولة الكويت،
وسوف أقوم أثناء نشره على حلقات على موقع صيد
الفوائد بإدخال بعض
التعديلات بما يخدم الهدف المبتغى منه إن شاء الله
تعالى.
ولكن هل يمكن لشخص ما أن
يتعلم الترجمة بهذه الطريقة؟! في الواقع، ومن
خلال تجاربي الشخصية في
تدريس الترجمة، فإن الأمر يتوقف على حسب قدرات كل
فرد واستعداده. بمعنى أنه لو
توافرت لديك العزيمة الأكيدة للتعلم، فسوف
تستطيع إنجاز ذلك، وبسرعة
كبيرة. وفن الترجمة من العلوم التي يتم إتقانها
وحذقها بالممارسة. فكلما
مارست الترجمة، كلما زادت خبراتك فيها، وزاد
احترافك لهذا الفن.
وتعلم الترجمة يأتي إما من
خلال دراسة قواعدها وأصولها، ثم بدء تطبيق ذلك
على النصوص المراد ترجمتها،
وإما من خلال دراسة نصوص مترجمة والمقارنة
فيما بينها ومعرفة كيف تمت
الترجمة بين اللغتين المكتوب الرسالة بها. ولعل
ذلك يكون موضوع سلسلة جديدة
ابدأ فيها فيما بعد إن قّدر الله وأعان.
وأنا أرجو لكل من قرأ من هذه
السلسلة شيئا وغمض عليه ألا يتردد في مراسلتي
عبر البريد الإلكتروني، حتى
نذلل تلك الصعاب بإذن الله، ويتحقق الهدف
المنشود.
كما أنني أدعو من خلال هذه
السلسلة إلى تكوين رابطة من المهتمين بهذا الفن
للتنسيق فيما بينهم،
والاتفاق على اختيار مواد هادفة وموثقة لنقلها إلى
اللغات الأخرى، عسى الله أن
ينفع بها الإسلام، وأن يسخرها للدفاع عن دينه
ونبيه صلى الله عليه وسلم.
واسأل الله العظيم أن يكون
هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به
يوم لا ينفع مال ولا بنون ...
إنه ولي ذلك والقادر عليه، اللهم آمين.
وسوف تتناول حلقات هذه
السلسلة الموضوعات التالية:
قبل أن تبدأ
الفصل الأول – ماهية الترجمة
وكيفيتها
• استراتيجية الترجمة
• دور المترجم
• أنواع الترجمة
• مستويات التحليل اللغوية
• أساليب الترجمة
• الخروج عن القياس في اللغة
• الترجمة: فن أم علم؟
• قواعد الترجمة
الفصل الثاني – صعوبات
الترجمة ومشاكلها
1- إيجاد المعنى الملائم
للمفردات
2- الاختلاف الثقافي والبيئي
3- استخدام الكلمة
4- التذكير والتأنيث
5- العدد في اللغة
6- الزمن في اللغة
ملحق: الفعل
7- توافق الكلمات
8- التعبيرات الاصطلاحية
9- الاختصارات
10- الأسماء المركبة
11- الزوائد
12- علامات الوقف
13- الأسلوب
كيف تترجم (2)
قبل أن تبدأ في الترجمة
محمد حسن يوسف
عزيزي القارئ … لابد لك قبل
أن تبدأ في تعلم فن الترجمة، أن تعرف ما هي القواعد اللازم توافرها في الترجمة
الجيدة:
1. يجب أن تكون الترجمة نسخة
كاملة طبق الأصل من الأفكار الموجودة في النص الأصلي.
2. يجب أن يحتفظ الأسلوب وطريقة
الكتابة بنفس الخصائص الموجودة في النص الأصلي.
3. يجب أن تعكس الترجمة كل
عناصر السهولة والوضوح الموجودة في النص الأصلي.
كما يجب أن تعرف المتطلبات
التي يجب توافرها في المترجم الجيد:
1. يجب على المترجم الجيد كشرط
رئيسي أن يكون على معرفة كاملة بقواعد كل من اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها.
2. يجب أن يكون على وعي تام
بالخلفية الثقافية للغة المنقول منها واللغة المنقول إليها.
3. يجب على المترجم أن يكون على
علم وافٍ بالموضوع الذي يترجمه.
4. يجب أن يقوم بتصحيح ما يبدو
له كتعبيرات غير هامة أو غير واضحة تكون موجودة في النص الأصلي.
5. يجب أن يتمتع بوجود حس أدبي
لديه، وأن يكون قادرا على نقد النص من
الناحية الأدبية طالما سيكون
عليه الحكم على مدى صحة الأسلوب وتقييمه.
6. يجب أن يتمتع بقدر كبير من
المعلومات، وأن يكون واسع الإطلاع.
كذلك فإن من الهام أن نلقي
الضوء على أهمية استخدام القواميس الملائمة في
عملية الترجمة، إذ توفر
القواميس المعلومات بشأن كلمات اللغة. وبالإضافة
للقواميس العامة في إحدى
اللغات، هناك القواميس ثنائية اللغة، التي تسرد
الكلمات الخاصة بإحدى اللغات
وما يعادلها بلغة أخرى. كما أن القواميس
المتخصصة في مجالات معينة من
المعرفة، وعلى سبيل المثال، فهناك قواميس
متخصصة للتعامل مع المفردات
المستخدمة في حقول الطب والقانون والاقتصاد
... الخ، كما توجد القواميس
المتخصصة في اللغات العامية واللهجات المحلية
لمنطقة معينة.
ولن تستطيع إخراج ترجمة جيدة
ما لم تستشر عدد من القواميس الجيدة، ويجب
الأخذ في الاعتبار دائما أن
الكلمات التي تبدو سهلة المعنى للوهلة الأولى
قد تكون هي سبب المشكلة في
عدم وضوح معنى النص المترجم، إذ قد تأخذ في
سياق معين معنى آخر غير
المعنى الشائع المعروف لها، وبذلك فيكون من الواجب
استشارة القواميس حتى يتم
التوصل إلى المعنى الدقيق المراد منها.كيف تترجم (3)
الترجمة: ماهيتها وكيفيتها
محمد حسن يوسف
تمهيد
نحاول الآن وضع تعريف
للترجمة وشرح منهجية الخطوات التي تتم بها. على أننا نحاول هنا توضيح بعض
الحقائق العامة بشكل سريع، قبل أن نفصّلها بشكل دقيق فيما بعد، وذلك لتهيئة ذهن
القارئ لفهم عملية الترجمة.
يُعرف Forster الترجمة
الجيدة على أنها " الترجمة التي تفي بنفس الغرض في اللغة الجديدة مثلما فعل
الغرض الأصلي في اللغة التي كُتب بها ". ويصف
Orr عملية الترجمة بأنها
مطابقة لعملية الرسم إلى حد ما، فيقول: " إن الرسام لا يستخرج كل تفصيل في
المنظر "، فهو ينتقي ما يبدو أفضل بالنسبة له.
وينطبق نفس الشيء على
المترجم، " إنها الروح – وليس المعنى الحرفي وحسب
– التي يسعى المترجم
لتجسيدها في ترجمته الخاصة
".
ويردد Edwards نفس
وجهة النظر، فيقول: " ننتظر وجود صدق حقيقي تقريبي في الترجمة ... وكل ما نريد
الحصول عليه هو نفس أصدق إحساس ممكن للنص الأصلي.
ويجب أن تصل إلينا السمات
والمواقف والانعكاسات بنفس الشكل الذي كانت عليه في ذهن المؤلف وقلبه، وليس
من الضروري أن يتم ذلك بالدقة التي انطلقت بها من فمه ".
ويطالب معظم علماء الترجمة
بالاهتمام بالمعنى وليس بالمفردات اللغوية، ذلك أنه إذا لم تقم الترجمة
بالوظيفة الإيصالية، أي إذا لم يكن لها معنى لدى المتلقي، فإنها في هذه
الحالة لا تكون قد بررت وجودها.
وبالإضافة إلى ما تنقله
التراجم من معنى، فيجب أن تنقل أيضا " روح وأسلوب النص الأصلي ". ذلك
أن المعنى الحرفي يقتل الترجمة، ولكن روح المعنى يمنحها الحياة.
وتتمثل الهفوة الأساسية
التي يقع فيها الكثير ممن يقومون بترجمة الأدب في فشلهم في أن يكونوا "
طبيعيين " في التعبير. فهم في الواقع يجعلون القارئ يعلم جيدا أن عملهم ما إلا
ترجمة ... حيث يذهب الجزء الأعظم من مجهودهم في البحث عن عبارات مرادفة،
ولكن لا يستخدمها القارئون لهذه الترجمة في لغاتهم.
ولذلك يرى Goodspeed أن "
أفضل التراجم ليست تلك الترجمة التي تُبقي نُصب عين القارئ وإلى الأبد
حقيقة أن هذا العمل ما هو إلا ترجمة وليس تأليفا اصليا، وإنما هي تلك
الترجمة التي تجعل القارئ ينسى مطلقا أنها ترجمة وتجعله يشعر أنه ينعم
النظر في ذهن الكاتب القديم مثلما يمعن النظر في ذهن كاتب معاصر. ولا يعتبر هذا
الأمر في الواقع أمرا سهلا في تنفيذه، ولكنه رغم ذلك يعتبر المهمة التي
يجب أن يلتزم بها أي مترجم جاد في عمله
".
ومن هنا فإن أكبر معيار
مقنع لنوعية أي عمل يكمن في حقيقة أنه لا يمكن أن يُترجم إلا بصعوبة، لأنه
إذا انتقل فورا وبسهولة إلى لغة أخرى دون أن يفقد جوهره، فذلك يعني أنه لا
يحتوي على أي جوهر معين أو أنه على الأقل لا يعتبر عملا من الأعمال
الفريدة.
ويعتبر الأسلوب السلس
والطبيعي – رغم الصعوبات البالغة في إنتاجه خصوصا عند ترجمة نص ذي نوعية
عالية – هاما في توليد استجابة لدى المتلقين النهائيين له، تتشابه مع
استجابة المتلقين الأصليين لذلك الأسلوب. فيجب أن تكون الترجمة اصطلاحية
وممتعة، ليس للباحث وحسب، بل وللقارئ المتعلم أيضا.
ويسعى المترجم لتكوين
انطباع لدى قرائه يتشابه أو يكاد مع ذلك الانطباع الذي ينتج عن النص الأصلي.
وفي هذا يقول Prochazka إن "
الترجمة يجب أن تُحدث في ذهن القارئ نفس الانطباع الذي يحققه انطباع النص الأصلي
على قرائه ".
وهكذا فإن الترجمة الجيدة
يجب أن تلبي المتطلبات الأساسية التالية:
1- تعكس المعنى بوضوح
2- تنقل روح النص الأصلي
وأسلوبه
3- تصاغ بتعبير طبيعي وسلس
4- تولد استجابة مشابهة في
ذهن قارئها
ويتضح من كل ما سبق أن
التضارب بين المحتوى والشكل ( أو بين المعنى والأسلوب ) سيكون تضاربا
حادا في بعض النقاط المعينة، ويجب أن يفسح أحدهما المجال للآخر في بعض
الأحيان. ولكن يتفق المترجمون عموما على وجوب إعطاء الأولوية للمعنى قبل
الأسلوب حينما لا يكون هناك حل وسط موفق. وما يجب علينا محاولته هو إيجاد
خليط فعال من " المعنى والأسلوب "، لأن هذين الوجهين يعتبران متحدين
بشكل لا يقبل التجزئة. ويؤدي التمسك بالمحتوى، دون اعتبار للشكل، إلى إنتاج
عمل مميز وجيد ولكنه لا يحتوي على أي شيء من تألق وسحر النص الأصلي. ومن
ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي التضحية بالمعنى في سبيل الحصول على أسلوب جيد إلى
الحصول على صورة مطبوعة فقط تفشل في توصيل الرسالة. ووفقا لذلك، يجب
أن يكون للتطابق في المعنى أولوية تسبق التطابق في الأسلوب.
ولكن لا يجب أن يجري تعيين
الأولويات بنمط ميكانيكي محض. إذ إن ما هو مطلوب في النهاية هو إعادة
إنتاج النص الأصلي لاستخراج صورة منه.
إن أي استعراض للآراء
المطروحة حول عملية الترجمة يصلح لتوكيد الحقيقة القائلة إن تعريفات أو
أوصاف عملية الترجمة لا تتم بقواعد جبرية حتمية، وإنما تعتمد على قواعد
احتمالية. ولذلك لا يمكننا الحكم على ترجمة معينة بكونها جيدة أو رديئة دون
أن نأخذ في الاعتبار عددا لا يحصى من العوامل التي يجب أن توزن بدورها
من مختلف الطرق وبإجابات مختلفة إلى حد كبير. ومن هنا ستظهر على الدوام
تشكيلة من الإجابات الفعالة والصحيحة للسؤال التالي:
" هل هذه الترجمة ترجمة جيدة
"؟
كيف تترجم (4)
استراتيجية الترجمة
Transfer Strategy
محمد حسن يوسف
ما هي الترجمة؟ وكيف تتم؟
وأي شيء يجب على المترجم التركيز عليه حينما يشرع في مهمته؟ هل يجب
التركيز على أسلوب صياغة النص؛ أم على معناه؟
لكي نستطيع الإجابة على
هذه الأسئلة، نحاول أن نتتبع الآن التعريفات المختلفة التي وضعها علماء اللغة
والترجمة في هذا الصدد:
فيجادل Newmark بأن "
الترجمة هي مهارة تتمثل في محاولة إحلال رسالة و/أو بيان مكتوب بإحدى اللغات
برسالة و/أو بيان مكتوب بلغة أخرى
".
ويقول Catford إن
الترجمة هي " عملية إحلال النص المكتوب بإحدى اللغات
( ويسميها اللغة المصدر source language "SL" ) إلى نص يعادله مكتوب بلغة أخرى ( ويسميها اللغة
المستهدف النقل إليها – أو باختصار اللغة المنقول إليها – target language "TL" ) ". وبذلك التعريف فهو يركز على نقل الأثر الذي
ينتج عن النص المكتوب، وليس مجرد نقل المكونات اللغوية على مستوى المفردات
أو القواعد.
أما
Halliday فيعتقد أن " المعادل
النصي فيما بين نصي اللغة المصدر SL واللغة المنقول إليها
TL لا يتطلب بالضرورة إيجاد
المقابل الشكلي بين هذين النصين على مستوى المفردات أو القواعد، ولكن
إيجاد معادل على مستوى النص بأكمله
".
ويقول Pinchuch إنه "
إذا كانت الترجمة تتمثل في عملية إحلال الكلمات وحدها، فقد يكون الإجراء
الملائم هو الرجوع لقاموس ثنائي اللغة ". على أن الترجمة، كما ينظر إليها Kelly، هي " تطبيق للغويات من منظور افتراض
توافر السعي لإخراج نص يحمل المعنى المعادل للنص الأصلي ".
ويتم التركيز على معنى
مصطلح " نص " text فيما يتعلق بالترجمة. ذلك أن " نص "
يعني أي شيء تتم ترجمته سواء تمت الترجمة كتابة أو شفاهة. ويمكن أن يكون
ذلك الشيء مجرد عبارة أو جملة أو فقرة أو فصل من كتاب، بل وحتى كتاب بأكمله.
وهكذا نجد أن الاهتمام
ينصب في الترجمة تماما على بحث العلاقة بين اللغة والترجمة. ويكون الهدف
الرئيسي وراء ذلك هو إعطاء الترجمة شكلا ثابتا يمكن إتباعه في الحالات
المختلفة للترجمة، ومحاولة صياغة قواعد تحكمها من أجل منع أو تجنب الوقوع في
الأخطاء عند القيام بعملية الترجمة.
مما سبق نستطيع استخلاص
تعريف للترجمة على أنها ببساطة هي محاولة نقل رسالة في اللغة المصدر SL إلى رسالة معادلة لها في
اللغة المنقول إليها TL.
Translation is simply the attempt to replace a textual material in the Source
Language (SL) by an equivalent textual material in the Target Language (TL).
وبحيث يكون التركيز هنا
على نقل جوهر أو معنى الرسالة وليس نصها. وفي ذلك يقول
Widdowson إنه حينما " نكون
بصدد لغة ما، فإننا لا نتعلم كيفية صياغة أو فهم بعض الجمل الصحيحة
في هذه اللغة كوحدات لغوية منعزلة ذات تكرار عشوائي وحسب، بل نتعلم
أيضا كيفية استخدام هذه الجمل استخداما ملائما لتحقيق الغرض من توصيل
الرسالة ". وهكذا نجد أن الترجمة هي محاولة إيجاد العلاقة بين نصين أو
مجموعة من النصوص تلعب دورا متماثلا في حالات متماثلة.
من التعريفات السابقة نجد
أننا من الآن فصاعدا سنكون بصدد لغتين:
اللغة الأولى: وهي التي
ستتم الترجمة منها – أو اللغة المصدر SL.
اللغة الثانية: وهي اللغة
التي ستتم الترجمة إليها – أو اللغة المنقول إليها
TL.
ولكي تتم الترجمة بطريقة
سلسة ووفق منهج صحيح، لابد من وجود قاعدة معينة نتبعها أثناء الترجمة. وتتمثل
هذه القاعدة فيما يُعرف بـ " استراتيجية النقل " Transfer Strategy والتي تتمثل في:
TLÞ Rethink Þ SL ÞSL
ومعنى ذلك أنه قبل أن نشرع
في عملية الترجمة، فلابد لنا من فهم نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر من
منظور أو على أساس القواعد الحاكمة لهذه اللغة نفسها. وتنطلق هذه القاعدة
من بديهية مؤداها أن المترجم لا يستطيع ترجمة شيء لا يفهمه، أو أنه
سيقوم بالترجمة بطريقة خاطئة إذا لم يحاول فهم نص الرسالة التي يقوم
بترجمتها. فإذا ما انتهى المترجم من فهم نص الرسالة المكتوبة هكذا، كان له
الحق في أن يشرع في عملية " إعادة التفكير "، وهذا ما يعني المقابلة بين
القواعد الحاكمة للغة المصدر SL والقواعد الحاكمة للغة التي سيتم النقل
إليها TL، وإيجاد الصورة الملائمة
الموجودة في اللغة التي سيتم النقل إليها، والتي تكاد تكون معادلة
تماما للصورة التي كُتبت بها الرسالة في اللغة المصدر. وحينئذ يقوم
بالترجمة التي ستكون أقرب صورة
لنص الرسالة المكتوبة
باللغة الأصلية. أي أنه يجب على أي مترجم أن يفهم أولا الرسالة التي سينقلها
على أساس قواعد اللغة المكتوب بها هذه الرسالة نفسها، ثم بعد ذلك يعيد
نقل الفكرة إلى اللغة المنقول إليها.
وهكذا فلابد للمترجم من
السير وفق هذه الاستراتيجية لكي يتجنب الوقوع في الأخطاء، ولكي تكون ترجمته أقرب
شيء إلى الصواب.
ولنحاول الآن فهم كيفية
تطبيق هذه الاستراتيجية، وليكن ذلك أولا على مستوى المفردات ( لتوضيح الفكرة فقط ):
فمثلا كلمة رياضة قد تكون
رياضة بدنية أو رياضة روحية أو رياضة بمعنى ترويض أو رياضة بمعنى مادة
الرياضيات. فإذا ما حصرنا معناها في أنها رياضة بدنية، وبدأنا في عملية
تحليل معنى هذا المصطلح ومحاولة إيجاد ما يعادله في اللغة الإنجليزية، نجد
أن المقابل هو Sport.
ويمكن تمثيل ذلك كما يلي:
SportÞ Rethink Þ بدنية Þرياضة
وبنفس الطريقة، فإن كاتب
قد تكون مفكر أو نسّاخ أو موظف في مكتب ... الخ. فإذا ما حصرنا المعنى في مفكر،
يكون المقابل هو Writer:
WriterÞ Rethink Þ مفكر Þكاتب
وبالطريقة العكسية، فإن
كلمة Bank قد تكون ركام أو منحدر أو شاطئ أو صف أو مصرف. فإذا ما حصرنا
معناها في أنها جزء من الأرض بامتداد جانب النهر، يكون المقابل باللغة
العربية هو: شاطئ.
ويمكن تمثيل ذلك كما يلي:
شاطئÞ Rethink Þ Land along the side of a river ÞBank
وبنفس الطريقة، فإن Book قد تكون كتاب أو دفتر تجاري أو الكتاب المقدس أو
القيام بعملية التسجيل أو بعملية الحجز مقدما. فإذا ما
حصرنا المعنى في عملية الحجز مقدما، يكون المقابل هو:
يحجزÞ Rethink Þ To Reserve ÞBook
وعلى مستوى العبارة، يمكن لنا إجراء نفس هذه النوعية من
التحليل على النحو التالي: فعبارة مثل:
قامت اللجنة المكونة من سبع دول بمناقشة مشروع القرار
نجد أن عبارة " اللجنة الحكومية المكونة من سبع دول "
معناها هو اللجنة الحكومية التي تخص الدول السبع كلها، بمعنى عدم اقتصارها على حكومة
دولة واحدة. ولذلك فإن
أقرب مرادف لهذا المعنى هو inter-governmental
committee. أما كلمة " مشروع القرار " هنا
فتعني مسودته، أي draft. وبذلك تكون ترجمة الجملة السابقة هي:
The seven-state inter-governmental committee has discussed the draft
resolution.
وبالطريقة العكسية، ففي عبارة مثل:
I move the adoption of the following resolution.
نجد أن move هنا تعني عملية الاقتراح أو التزكية، بينما تكون كلمة adoption على معنيين: الأول هو عملية
الإقرار أو الاعتماد ( لقرار ما )، والثاني هو عملية التبني ( لطفل ). ونستبعد
المعنى الثاني بالطبع، ولذلك يكون معنى الجملة:
اقترح اعتماد القرار التالي
ولنتابع التحليل على مستوى فقرة بأكملها، حيث نحاول ترجمة
الفقرة التالية كما يلي:
ويتأكد ذلك على وجه الخصوص بالنسبة للعنصر البشري، الذي
يعتبر سلوكه وشعوره
بالانتماء – ومن ثم اتفاق صالحه الفردي مع الصالح الجماعي – محددا رئيسيا لفروق الإنتاجية بين المجتمعات
المختلفة.
هنا يجب أولا أن نقوم بتحليل كل كلمة لتحديد المقصود منها
بالضبط كما يلي: يتأكد: يثبت / يصح
–
على وجه الخصوص: خصوصا – بالنسبة لـ: فيما يتعلق بـ / بشأن – العنصر
البشري: العامل الإنساني – يُعتبر: يُنظر إليه – سلوكه: تصرفه – شعوره:
إحساسه – الانتماء: العضوية
/ الانتساب – من ثم: هكذا / بالتالي
–
اتفاق: انسجام / تناسق – صالحه: مصلحته – الفردي: الشخصي – الجماعي:
المجتمع العام / المجموعة – محددا: معيارا / مقياسا – رئيسيا: أساسيا –
فروق: اختلافات – الإنتاجية: القدرة
على الإنتاج الوفير – بين: فيما
بين – المجتمعات: المجموعات – المختلفة: العديدة / على تنوعها.
وبذلك يمكننا ترجمة النص السابق على النحو التالي:
This is particularly true for the human element. Behavior and awareness of
affiliation – thus his individual interest is suited with the common interest –
are considered main determinate of productivity differentials between various
communities.
مما سبق نجد أن عملية الترجمة تنقسم إلى مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى: وتهتم بتحليل
analysis نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر SL، من أجل التوصل للمعنى
الحقيقي الذي يتضمنه هذا النص. ثم نبدأ في عملية
إعادة التفكير، لندخل إلى:
المرحلة الثانية: وتهتم بصياغة
synthesis معنى النص المترجم باللغة
المنقول إليها TL، من
أجل التوصل إلى أسلوب صحيح تماما يماثل الأساليب
التي تتم الكتابة بها عادة في هذه اللغة.
على أن نأخذ في الاعتبار دائما أن عدم فطنة القارئ إلى أن
ما يقرأه مُترجم من لغة أخرى يعتبر في حد ذاته أكبر دليل على نجاح المترجم في مهمته،
بمعنى أن القارئ لو شك
ولو للحظة واحدة أن ما يقرأه قد يكون منقولا من لغة أخرى
بسبب وجود ضعف أو ركاكة في الأسلوب، يكون المترجم قد فشل
في مهمته. فالمترجم الناجح
هو الذي يستطيع صياغة الرسالة في اللغة المنقول إليها
بأسلوب يجعل من يقرأ هذه الرسالة يشعر وكأنها لم تكتب إلا
بهذه اللغة – أي وكأنها " طبيعية ".
كيف تترجم (5)
دور المترجم
Translator's Role
محمد حسن يوسف
لا يمكن لأية مناقشة لمبادئ الترجمة ومناهجها أن تعطينا
معالجة لقضية الترجمة
بمعزل عن المترجم نفسه. وبما أن المترجم يعتبر العنصر البؤري في عملية الترجمة، فإن دوره يعد محوريا
بالنسبة للمبادئ والمناهج الأساسية في عملية الترجمة، ذلك أن المترجم نفسه يعتبر جزءا من البيئة الثقافية
التي يعيش فيها.
وإذا أردنا من المترجم إنتاج رسالة مقبولة – رغم ما يجده
من صعوبات ونكران للجميل – فلابد أن يكون ملما إلماما شاملا بخصائص اللغة المصدر، ولابد
أن يسيطر في نفس الوقت
على أدوات اللغة المنقول إليها. فهو لا يستطيع حتما أن
يكافئ بين الكلمات مقتصرا على القاموس، بل لابد له أن
يُحدث بالمعنى الحقيقي
صيغة لغوية جديدة، لكي ينقل المفهوم الذي تعبر عنه اللغة المصدر. أي يجب أن يكون ضليعا well-versed في كل من اللغتين اللتين
يتعامل معهما.
وهناك بعض المتطلبات الأساسية التي يجب توافرها في
المترجم. وأول هذه المتطلبات – كما سبق القول – هو وجوب معرفته التامة باللغة المصدر. فلا يكفي أن يكون المترجم قادرا على فهم "
المغزى
العام " للمعنى أو أن يكون ماهرا في استشارة القواميس ( فهو سيفعل ذلك حتى
في أحسن الأحوال ). وإنما عليه بالإضافة إلى ذلك فهم الجوانب
الدقيقة والحساسة للمعنى، والقيم الانفعالية السلوكية الهامة للكلمات، والخصائص الأسلوبية التي تحدد "
نكهة وإحساس " الرسالة.
كما يجب عليه أن يكون ضليعا بالقواعد الحاكمة للغة
المنقول إليها، وليس للمترجم بديل عن ذلك. ولعل أغلب الأخطاء المتعددة والخطيرة التي يقع
فيها المترجمون تنشأ
أساسا من افتقارهم للمعرفة الشاملة باللغة المنقول إليها.
وبالإضافة إلى ذلك، على المترجم أن يكون لديه معرفة خاصة
بالموضوع الذي يترجمه.
فيمكن مثلا أن يكون المترجم على علم جيد باللغة بوجه عام، ولكنه يجهل الكثير عن موضوعات مثل الفيزياء
النووية أو الكيمياء العضوية. ففي هذه الحالة، لا تعتبر المعرفة العامة باللغة وافية كخلفية وكتجربة
لترجمة المواد
التقنية في مثل هذه الفروع. وبتعبير آخر، يجب على المترجم – بالإضافة إلى كونه ضليعا بقواعد وسلوك اللغتين المصدر والمنقول إليها –
أن يكون على إطلاع
شامل بمادة الموضوع الذي يترجمه.
وحتى مع توافر المعرفة التقنية الضرورية لدى المترجم، فلن
يعتبر كفؤا ما لم
يتوافر لديه بالإضافة إلى ذلك الرغبة النفسية الحقيقية. إذ يجب أن تتوافر لدى المترجم موهبة المحاكاة
والقدرة على أداء دور المؤلف وتقمص سلوكه وكلامه ووسائله بأقصى درجة من الاحتمال.
وفي ذلك، يورد Justin O'Brien رأيه في هذه القضية، فيقول: " على المترجم
ألا يترجم أبدا أي شيء لا يثير إعجابه. فيجب أن تتواجد
ألفة بين المترجم وبين ما يترجمه بقدر الإمكان ".
على أن المعرفة الشاملة باللغتين المصدر والمنقول إليها
وبمادة الموضوع الذي يُترجم والرغبة النفسية الحقيقية لا تضمن الحصول على ترجمة فعالة
في الواقع ما لم يتمتع
المترجم بالإضافة إلى كل ما سبق بوجود حس أدبي
literary taste لديه. فيقول Nabocov
" لكي يكون للمترجم التأثير الكامل فيجب أن يتمتع في النهاية بقدر من
الموهبة تتساوى مع قدر الموهبة التي يتمتع بها المؤلف الذي يختاره ".
وليس هناك مترجم يستطيع تجنب درجة معينة من التأثير
الشخصي في عمله. فيتأثر المترجم
باعتناق آراء المؤلف أو بالرسالة أو يتأثر بافتقاره لمثل
هذا الاعتناق، وذلك أثناء تفسيره للرسالة المكتوبة باللغة
المصدر وفي انتقائه
للكلمات والصيغ النحوية المطابقة وفي اختياره للمكافئات
الأسلوبية. ومن المفهوم تماما أن المعاني السلوكية التي
يستخدمها المؤلف تؤثر في قيم المترجم المماثلة وتتأثر بها، ولا يمكن أن يكون الناتج
بأية حالة هو نفس قيم
المؤلف بالضبط.
ويتحتم على المترجم ألا يضم انطباعاته الخاصة إلى
الرسالة، أو يحرّفها لتناسب تطلعاته الفكرية والانفعالية. ولابد له أن يبذل كل جهد ممكن
لتقليل أي
تدخل من جانبه لا يتناغم مع قصد وفحوى المؤلف الأصلي والرسالة الأصلية وذلك إلى أدنى حد ممكن.
ولا تحدث معظم الحالات المتعلقة بالتبديل غير الملائم
للنص الأصلي بناء على رغبة واعية لتحوير الرسالة أو تحريفها، بل تنتج من سمات الشخصية اللاواعية التي تؤثر في عمل المترجم بطرق
خفية. وتتضح هذه السمات بشكل كبير حينما يشعر المترجم بالميل إلى تحسين النص الأصلي أو تصحيح
الأخطاء الجلية
فيه أو الدفاع عن تحبيذ شخصي وذلك بتحريف ما يختاره من كلمات.
وتتناسب مخاطر الذاتية في عملية الترجمة مع مقدار التدخل
الانفعالي الممكن من المترجم في الرسالة. ففي نصوص النثر العلمي، يصل هذا التدخل الذاتي
إلى أدنى مستوى له. على
أن هذا التدخل يصل عادة إلى أعلى مستوياته في حالة
النصوص الدينية.
وفي بعض الحالات يؤدي الإحساس الخاص للمترجم بعدم الثقة
إلى أن يصبح من الصعب عليه أن يترك الرسالة تتحدث عن نفسها. وفي حالات أخرى، يدفعه
الغرور إلى القيام
بالترجمة دون استشارة آراء الذين درسوا تلك النصوص دراسة وافية.
وهكذا فإن المترجم الكفء هو الذي يستطيع صقل المهارات
أحادية اللغة monolingual skills اللازمة للقيام بعمله على أكمل وجه، والمتمثلة في
مهارات الاستماع
listening والتحدث
speaking والقراءة reading
والكتابة writing.
ويجب التركيز هنا على الفرق بين المتحدث ثنائي اللغة Bilingual Speaker والمترجم الكفء Competent Translator. ويتمثل هذا الفرق
في أن الأول يستطيع
التعبير عن نفسه بلغتين، بينما الأخير يمكنه التعبير عما يريد أن يقوله الآخرين أو التعبير عن الآخرين
بكفاءة.
وهو بذلك لا يتدخل في تغيير معنى نص الرسالة المراد ترجمتها، كما أنه
يستطيع أن ينحي انفعالاته الشخصية جانبا بقدر المستطاع، وأن يبرز
انفعالات المؤلف أو الكاتب الأصلي بطريقة أمينة. وعلى ذلك فمقدرة المترجم الكفء على عملية الترجمة هي
مقدرة تحتوي على أكثر من
لغة.
وبدون استراتيجية الترجمة التي سبق الحديث عنها، لا يمكن
لفرد ما أن يكون مترجما كفؤا. فلا يجب على المترجم أن يكون ملما بالقواعد الحاكمة
للغتين اللتين
يتعامل فيهما فقط، بل يكون عليه أيضا أن يستطيع النقل إليهما
بكفاءة. وفي هذه الحالة، فإذا ما أعطيناه رسالة مكتوبة
باللغة المصدر SL، يكون عليه أن يعطينا ما يعادل هذه
الرسالة بالضبط في اللغة المنقول إليها TL.
وبذلك فيمكننا استنتاج افتراض
mindumption في غاية الأهمية، ألا وهو أنه لا يشترط أن
يكون كل متحدث ثنائي اللغة مترجما كفؤا.
Not any bilingual speaker is a competent translator.
ومجمل القول، تعد مهمة المترجم مهمة في غاية الصعوبة ولا
يجني من ورائها الشكر في معظم الأحيان. فحين يرتكب المترجم خطأ بسيطا ينتقده الناس
بشدة، وحين ينجح في عمله
لا يلقى إلا امتداحا لا يذكر، إذ غالبا ما تسود قناعة
لدى الجميع بأن أي شخص يعرف لغتين يكون بإمكانه عمل ما
قام به المترجم الذي عانى أشد المعاناة لإنتاج نص مكافئ.
على أنه حتى وإن كان امتداح الآخرين لعمل المترجم من
الأمور النادرة، فإن مهمة الترجمة بحد ذاتها تحقق للمترجم الرضاء النفسي الذي يتطلبه. ذلك
أن الترجمة الناجحة تتضمن
تحديا
فكريا من أعقد التحديات التي عرفتها البشرية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن
الحاجة إلى التواصل الواسع والدقيق والفعال في عالمنا المعاصر بين من
يتكلمون بلغات
مختلفة يعطي للمترجم موقعا استراتيجيا جديدا في غاية الأهمية.
كيف تترجم (6)
أنواع الترجمة
Kinds of Translation
محمد حسن يوسف
أورد Jakobson ثلاثة تقسيمات للترجمة، نوردها فيما يلي:
النوع الأول، ويسمى بالترجمة ضمن اللغة الواحدة intralingual translation. وتعني هذه
الترجمة أساسا إعادة صياغة مفردات رسالة ما في إطار نفس اللغة. ووفقا لهذه العملية، يمكن ترجمة الإشارات
اللفظية بواسطة إشارات أخرى في نفس اللغة، وهي تعتبر عملية أساسية نحو وضع نظرية وافية للمعنى، مثل عمليات تفسير القرآن الكريم.
النوع الثاني، وهو الترجمة من لغة إلى أخرى interlingual translation. وتعني هذه
الترجمة ترجمة الإشارات اللفظية لإحدى اللغات عن طريق الإشارات اللفظية للغة أخرى. وهذا هو النوع الذي
نركز
عليه نطاق بحثنا. وما يهم في هذا النوع من الترجمة ليس مجرد معادلة الرموز
( بمعنى مقارنة الكلمات ببعضها ) وحسب، بل تكافؤ رموز كلتا
اللغتين وترتيبها. أي يجب معرفة معنى التعبير بأكمله.
النوع الثالث، ويمكن أن نطلق عليه الترجمة من علامة إلى
أخرى intersemiotic translation. وتعني هذه الترجمة نقل رسالة من نوع معين من
النظم الرمزية إلى نوع آخر دون أن تصاحبها إشارات لفظية،
وبحيث يفهمها الجميع.
ففي البحرية الأمريكية على سبيل المثال، يمكن تحويل رسالة لفظية إلى رسالة يتم إبلاغها بالأعلام، عن طريق
رفع الأعلام المناسبة
وفي إطار
الترجمة من لغة إلى أخرى interlingual translation، يمكن التمييز بصفة عامة بين قسمين أساسيين:
1- الترجمة التحريرية Written
Translation :
وهي التي تتم كتابة. وعلى الرغم مما يعتبره الكثيرون من
أنها أسهل نوعي الترجمة، إذ لا تتقيد بزمن معين يجب أن تتم خلاله، إلا أنها تعد في نفس الوقت من أكثر أنواع الترجمة صعوبة، حيث
يجب على المترجم أن يلتزم التزاما دقيقا وتاما بنفس أسلوب النص الأصلي، وإلا تعرض للانتقاد الشديد في
حالة الوقوع في خطأ ما.
2- الترجمة الشفهية Oral
Interpretation :
وتتركز صعوبتها في أنها تتقيد بزمن معين، وهو الزمن الذي
تقال فيه الرسالة الأصلية. إذ يبدأ دور المترجم بعد الانتهاء من إلقاء هذه الرسالة أو أثنائه. ولكنها لا تلتزم بنفس الدقة
ومحاولة الالتزام بنفس أسلوب النص الأصلي، بل يكون على المترجم الاكتفاء بنقل فحوى أو محتوى هذه الرسالة
فقط.
وتنقسم الترجمة الشفهية إلى عدة أنواع:
أولا: الترجمة المنظورة
At-Sight Interpreting :
أو الترجمة بمجرد النظر. وتتم بأن يقرأ المترجم نص
الرسالة المكتوبة باللغة المصدر SL بعينيه،
ثم يترجمها في عقله، ليبدأ بعد ذلك في ترجمتها
إلى اللغة المنقول إليها TL بشفتيه.
ثانيا: الترجمة التتبعية
Consecutive Interpreting :
وتحدث بأن يكون هناك اجتماعا بين مجموعتين تتحدث كل
مجموعة بلغة مختلفة عن لغة المجموعة الأخرى. ويبدأ أحد أفراد المجموعة الأولى في إلقاء رسالة معينة، ثم ينقلها المترجم إلى لغة
المجموعة الأخرى لكي ترد عليها المجموعة
الأخيرة برسالة أخرى، ثم ينقلها المترجم إلى المجموعة
الأولى ... وهكذا.
ومن الصعوبات التي يجب التغلب عليها في الترجمة التتبعية،
مشكلة الاستماع ثم الفهم الجيد للنص من منظور اللغة المصدر نفسها. ولذلك فيجب العمل
على تنشيط الذاكرة
لاسترجاع أكبر قدر ممكن من الرسالة التي تم الاستماع إليها.
ثالثا: الترجمة الفورية
Simultaneous Interpreting :
وتحدث في بعض المؤتمرات المحلية أو المؤتمرات الدولية،
حيث يكون هناك متحدث
أو مجموعة من المتحدثين بلغة أخرى عن لغة الحضور. ويبدأ المتحدث في إلقاء رسالته بلغته المصدر SL ليقوم المترجم بترجمتها في نفس الوقت
إلى لغة الحضور TL.
وقد تحدثنا فيما سبق عن دور المترجم الذي يلعبه أثناء
ممارسته للترجمة التحريرية. ويمكن هنا أن نلقي بعض الضوء على المتطلبات الواجب توافرها
في المترجمين الذين
يقومون بالترجمة الفورية.
فيجب أن يتصف المترجم الفوري بصفات معينة، من أهمها
القدرة على سرعة الرد quick response والقدرة على التركيز concentration والتمتع بقدر كبير من هدوء الأعصاب relaxation والقدرة على الاستمرار في الترجمة لمدة طويلة
consistence بالإضافة إلى الإلمام بحصيلة كبيرة من
المفردات اللغوية vocabulary. ويلاحظ
أن حوالي ثلث الترجمة الفورية تعتمد على الثقة بالنفس
self-confidence
وهناك صعوبات كبيرة تواجه المترجم الفوري، لعل من أهمها في الترجمة من
العربية إلى الإنجليزية ما يتمثل في تأخر الصفة على الموصوف، ذلك أنه في
اللغة الإنجليزية لابد أن تتقدم الصفة على الموصوف. ومثال ذلك، فالعربية
تقول مثلا: الرجل الكبير. والمترجم الفوري لن يستطيع الانتظار حتى يسمع
بقية الجملة كلها ثم يبدأ في الترجمة، فهو يقوم بالترجمة أولا بأول.
ومن الصعوبات التي تواجهه أيضا في هذا الصدد، تأخر الفاعل في الجملة
الفعلية. فيقال مثلا: لا يلبث أن ينكشف زيفه. ومن المعلوم أن الجملة
الإنجليزية تبدأ بالفاعل ... وهكذا.
كيف تترجم (7)
مستويات التحليل اللغوية
Levels of Language Analysis
محمد حسن يوسف
بتحديد الاستراتيجية التي يتبعها المترجم، نكون قد نجحنا في تحديد منهج
واضح يسير المترجم على هديه، حتى يبدأ في الترجمة بالفعل. ولنفترض الآن
أننا أعطينا المترجم رسالة ليقوم بترجمتها، وواجهت هذا المترجم صعوبة في
فهم معنى كلمة ما. فما هي الخطوات التي ينبغي عليه إتباعها للتوصل إلى أدق
معنى لهذه الكلمة؟ وعلى سبيل المثال، ففي العبارة:
This table is out of place.
ما هو المعنى الدقيق لكلمة table؟ هل تعني منضدة أو جدول أو مائدة المفاوضات ... الخ؟
هناك أربعة معاني يجب على المترجم أن يبحث عنها بالترتيب. وهذه المعاني هي:
1- المعنى المعجمي Lexical Meaning:
فيجب على المترجم أن يبدأ بالبحث عن الكلمة في القاموس اللغوي، سواء كان
آحادي اللغة أو ثنائي اللغة، للمساعدة في فهم معناها. على أن نلاحظ أن
الكلمة المفردة دائما تكون على معنيين: معنى لغوي linguistic meaning،
ومعنى اصطلاحي technical meaning. وعلى سبيل المثال، فإن كلمة
interpretation تعني التفسير لغويا أو التأويل دينيا، وكلمة commentator
تعني معلق لغويا أو مفسر دينيا ... وهكذا. وقد لا يكون القاموس هو المصدر
الوحيد الجدير بالاعتماد عليه كحل أخير أو أفضل، حيث يكون على المترجم
تخمين عدة معاني محتملة. ويشمل ذلك المعنى الذي يقصده المؤلف وتأويله
الخاص للكلمة أو العبارة، بالإضافة إلى تعريف القاموس للكلمة. وإذا لم
يستطع المترجم تحديد المعنى الدقيق المراد من هذه الكلمة، يبدأ بالبحث في
المعنى التالي:
2- المعنى النصي Textual Meaning:
وهذا يعني أن على المترجم الاستعانة بالقواميس الثنائية اللغة المتخصصة في
المجالات المختلفة، كالقواميس الطبية أو الهندسية أو الاقتصادية ... الخ.
ذلك أن معنى الكلمة بمفردها قد يختلف عنه إذا وُضعت في سياق معين، أي إذا
سبقتها أو تلتها كلمة معينة. وعلى سبيل المثال، فإن كلمة pure تعني " نقي
" أو " صافٍ ". ولكن هذه الكلمة قد يختلف معناها إذا تلتها كلمات أخرى –
كما يلي:
لغة فصحى == pure language
رجل سليم الطوية – رجل نقي السريرة == pure man
رياضيات بحتة == pure mathematics
علوم تجريدية == pure sciences
ماء عذب == pure water
ذهب خالص أو حر == pure gold
مصري أبا عن جد == pure Egyptian
ملائكة أبرار أو أطهار == pure angels
وكذلك كلمة contain تعني " يحتوي " أو " يتضمن ". ولكن معناها يختلف إذا وردت في نصوص معينة – مثل:
يحتوي أزمة == to contain a crisis
يتفادى عدو == to contain an enemy
يكتم المشاعر == to contain feelings
يتجنب التورط == to contain involvement
يتحاشى أفعال == to contain acts
وأيضا كلمة harsh تعني " خشن " أو " قاسٍ ". ويختلف معناها في النصوص الأخرى كما يلي:
لغة فظة == harsh language
كلمات نابية == harsh words
ملابس خشنة / رثة == harsh clothes
رجل غليظ القلب == harsh man
وهكذا. وبالطريقة العكسية، فإن معنى كلمة واسع يختلف حسب السياق المذكور فيه الكلام كما يلي:
واسع النطاق == far-reaching
واسع الأفق == broad-minded
واسع الانتشار == wide-spread
واسع المعرفة == knowledgeable
واسع الصدر == patient – forbearance
واسع الرحمة == merciful
وكذلك كلمة يخفض:
يخفض الصوت == to lower pause / muffle
يخفض قيمة العملة == to devalue currency
يخفض سعر الفائدة == to moderate interest rate
يخفض الإنفاق الحكومي == to curtail government spending
يخفض التضخم == to curb inflation
فإذا لم يستطع المترجم كذلك تحديد المعنى المراد من الكلمة، يبدأ بالبحث في:
3- المعنى السياقي Contextual Meaning:
وهو المعنى الذي يمكن استخلاصه من سياق الكلام، ذلك أنه في بعض الأحيان قد
تكون هناك كلمات لها معنى محدد، ولكن هذا المعنى يتغير كلية لوجود هذه
الكلمات داخل سياق معين. وعلى سبيل المثال، فإن:
تستضيف الولايات المتحدة بطولة كأس العالم لكرة القدم في يونيه القادم.
نجد أن كلمة " تستضيف " يختلف معناها في هذا السياق عن الضيافة تماما،
وإنما تعني هنا أن البطولة ستقام على أراضي الولايات المتحدة. ولذلك فإن
الجملة السابقة تترجم إلى:
The football world cup will be held at USA in coming June.
ويمكن بحث هذه القضية بشكل أوسع من خلال تحليل النص العربي التالي، الذي ترجمه Nahmad إلى الإنجليزية في كتابه From Arabic Press:
النص العربي:
زراعة عصرية
وذكر وزير الزراعة بأنه يضع النهضة بمستوى الزراعة في البلاد نصب عينيه.
وأنه لن يدخر جهدا أن يجعل على قدر الإمكان في متناول المزارعين أحدث
النتائج التي توصل إليها العلم الحديث باستخدام الوسائل الميكانيكية لغرض
واحد هو تيسير وإنشاء زراعة عصرية حديثة ومنظمة.
الترجمة:
Modern Farming
The Minister of Agriculture stated that he would keep before him the
raising of the standard of agriculture in the country, and that he
would spare no effort to place, as far as possible, the most recent
innovations achieved by modern science within reach of the farmers,
through the employment of mechanical aids, with one aim in view and
that was the facilitating and building up of an up-to-date
well-organized agriculture.
وبالنظر نظرة فاحصة للنص العربي، نجد أن المترجم في بعض الأحيان قام
بإعطاء أكثر من مرادف في ترجمته لإحدى الكلمات الموجودة بالنص العربي.
كذلك فإنه يحاول إضفاء لمسة جمالية على ترجمته عن طريق حذف بعض الكلمات أو
التعبيرات، أو إضافة تعبيرات معينة بغرض التوضيح. ويمكن استخلاص النقاط
التالية:
أولا: يعطي القاموس ( عربي – إنجليزي ) أكثر من كلمة يمكن استخدامها
كمقابل لكلمة زراعة ( من زرع )، مثل farming وagriculture. واستخدم
المترجم كلتا الكلمتين في ترجمته للدلالة على نفس الشيء: ففي العنوان
استخدم الأولى، بينما استخدم الثانية في سياق النص. ولكن حينما أراد ترجمة
الكلمة المشتقة ( مزارعين )، فقد فضل اشتقاقها من الكلمة الأولى، حيث
استخدم كلمة farmers.
ثانيا: في النص العربي، يمكن ترجمة كلمة ذكر بما يقابلها في الإنجليزية،
مثل mentioned أو said. ولكن يفضل المترجم استخدام كلمة أخرى أقوى في
الدلالة، وهي كلمة stated. ويعطي هذا المقابل دلالة أقوى في النص
الإنجليزي باعتبار أن الحديث للوزير.
ثالثا: في النص العربي، تعني كلمة " بلاد " ( جمع كلمة بلد ) جميع المدن
الكبيرة والصغيرة والقرى الموجودة في بلد المتحدث. أما في الترجمة، استخدم
المترجم كلمة country بصيغة المفرد كمقابل لها، وهي تعطي نفس المعنى لحد
ما. وهدف المترجم وراء ذلك هو تحقيق نوع من البساطة في توصيل المعنى.
رابعا: في النص العربي، تعني كلمة النتائج أي من results أو outcomes.
ولكن المترجم استخدم كلمة مختلفة تماما في ترجمته، وهي كلمة innovations،
التي تعد أفضل كلمة تتناسب مع المعنى السياقي الذي وردت فيه الكلمة
العربية. ومن الواضح أن المترجم بمحاولته هذه يحاول الارتقاء بالنص
العربي، وذلك من خلال استخدام تأويله الخاص لمعنى الكلمات، ومن ثم اختيار
مقابل أفضل في النص المترجم.
خامسا: في الترجمة، نجد أن كلمة in view ليس لها ما يقابلها في النص
العربي. ولكن المترجم يضيف هذه العبارة إلى النص المترجم بهدف توضيح
المعنى المقصود من العبارة المستخدمة في النص العربي ( لغرض واحد ). ونجد
أن من الواضح هنا أيضا أن المترجم يحاول الارتقاء بالنص المترجم.
سادسا: في النص المترجم، تقف كلمة up-to-date كترجمة لكلمتين مختلفتين
ولكن لهما نفس المعنى، وهما " عصرية حديثة ". ومن الواضح أن المترجم فضّل
جمع معنى هاتين الكلمتين في كلمة واحدة، وذلك بهدف تقليل الإطناب
redundancy.
وإذا لم نستطع التوصل إلى المعنى المراد بعد ذلك، نلجأ أخيرا إلى:
3- المعنى الإيحائي Suggestive Meaning:
وهو المعنى الذي توحي به الكلمات في الجملة. فمثلا في الجملة:
On seeing the ghost, they stood motionless.
توحي كلمة motionless بعدم الحركة. وتستخدم اللغة العربية عدة تعبيرات
لهذا الموقف، مثل وقفت على رؤوسهم الطير، أو تسمروا في أماكنهم، أو تجمدت
أوصالهم. وبالطبع فإن انتقاء أحد هذه التعبيرات يتوقف على الحس الأدبي.
وهكذا تترجم الجملة السابقة إلى:
وقفوا بلا حراك لدى رؤيتهم للشبح
ذلك فإن جملة مثل:
الفتاة كالقمر في جمالها
توحي بأن الفتاة على قدر كبير من الجمال. ولكن عند الترجمة إلى اللغة
الإنجليزية، لا نستطيع نقل هذا المفهوم كما هو، ذلك أن القمر في البيئة
الإنجليزية ليس له نفس الإيحاء الذي يتميز به في لغة العرب. ولذلك يجب
البحث عن مقابل الجمال في اللغة الإنجليزية، وليكن مثلا: Snow White.
وبذلك يمكن ترجمة الجملة إلى:
The girl is as fair as Snow White.
وكذلك لو قلنا:
The girl is as white as snow.
لا نستطيع أن نترجمها بالقول: هذه فتاة بيضاء كالثلج، فمفهوم الثلج في
البيئة العربية غير مفهوم الثلج في البيئة الغربية. وقد يُفهم من الجملة
السابقة أن هذا التشبيه للذم وليس للمدح. ولذلك فمن الأفضل القول:
هذه الفتاة شديدة البياض
وهذا التحليل ينقلنا خطوة إلى الأمام، حيث نخلص مما سبق إلى أن عملية
الترجمة تُعنى في واقع الأمر بالبحث عن معادل أو مكافئ للنص الأصلي وليس
إيجاد مقابل شكلي له.
كيف تترجم (noo
أساليب الترجمة
Translation Techniques
محمد حسن يوسف
يتضح أن المشكلة في الترجمة تتمثل دائما في البحث عن المعادل في الترجمة
Translation Equivalent وليس في إيجاد المقابل الشكلي Formal
Correspondent. وقبل أن نسهب في هذا الحديث، يجب علينا أولا توضيح
الأساليب التي يمكن أن تتم بها ترجمة المفردات:
1- نقل الكلمة حسب طريقة نطقها في اللغة المصدر Transliteration:
والأمثلة على ذلك من اللغة العربية إلى الإنجليزية:
انتفاضة == intifada
الجهاد == jihad
ومن الإنجليزية إلى العربية:
تكنولوجيا == technology
ديمقراطية == democracy
ويطلق على هذه العملية الأخيرة ( أي من الإنجليزية إلى العربية ) مصطلح التعريب Arabicization.
2- معادل الترجمة Translation Equivalent:
والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها:
الكاميرا الخفية == candid camera
العدسات اللاصقة == contact lenses
ويندرج تحت هذا النوع أيضا الأمثال الشعبية، مثل:
في التأني السلامة وفي العجلة الندامة == haste makes waste
ميه من تحت تبن == still water runs deep
3- المقابل من حيث الشكل Formal Correspondent:
وأمثلة ذلك:
تعويم العملة == to float currency
السيدة الأولى == the first lady
غسيل الأموال ( إضفاء الشرعية على تحويلات النقود ) == to launder money
حرب باردة == cold war
الوزير الأول ( رئيس الوزراء ) == the premier
السوق السوداء == black market
ولذلك يجب التركيز على طريقة التفكير.
ويجب التأكيد هنا على حقيقة أن المقابل من حيث الشكل يتضمن بالضرورة وجود معادل الترجمة، بينما لا يتضمن معادل الترجمة
وجود المقابل من حيث الشكل. وعلى سبيل المثال، فإن العبارة:
The door of the clmind
يمكن أن تترجم إلى:
باب الفصل
وقد تمت هذه الترجمة بأسلوب المعادل في الترجمة، ولا
تتضمن وجود المقابل من حيث الشكل. وعلى الرغم من ذلك، يمكن الحصول على المقابل من حيث الشكل في نفس الجملة، إذ نقول:
الباب بتاع الفصل
وبالطبع فهذه الترجمة عامية. ويمكن لنا أن نلاحظ بوضوح
أن الجملة الأخيرة تتضمن معادل الترجمة أيضا. وهذا ما يؤدي بنا إلى التأكيد على حقيقة أن عملية الترجمة هي بالأساس مسألة
إيجاد معادل الترجمة.
وبذلك تترجم الجملة:
She got seriously ill last night.
إلى:
اشتد عليها المرض ليلة الأمس
ويمكن أن ننتقل بالحديث الآن من مجال المفردات إلى
التعميم على الرسالة التي تتم ترجمتها ككل. فوفقا لما سبق، يمكن القول بوجود شكلين في الأساس يمكن أن تتم بهما ترجمة الرسالة،
وهما التكافؤ الشكلي والتكافؤ المعنوي.
ويركز التكافؤ الشكلي الانتباه على الرسالة نفسها في
الشكل والمحتوى معا. ويهتم المترجم في
هذه الترجمات بحالات من التطابق مثل مطابقة الشعر بالشعر والجملة بالجملة والمفهوم بالمفهوم. وحينما ينظر المرء من هذا
الاتجاه الشكلي،
فإنه يبدي اهتماما بوجوب موازنة الرسالة المنقولة إلى اللغة المنقول إليها بنفس العناصر المختلفة الموجودة في اللغة المصدر
وبأدق درجة ممكنة. وهذا
يعني مثلا أن تتم مقارنة الرسالة في ثقافة اللغة المنقول إليها بشكل متواصل بثقافة اللغة المصدر لتحديد مقاييس الدقة
والصحة والوضوح.
وأقصى حالات هذا النوع من الترجمة تلك التي يحاول فيها
المترجم استخراج ونقل شكل ومحتوى الرسالة الأصلية حرفيا ومعنويا قدر الإمكان. وكمثال على هذا النوع من الترجمة، نقل نص
إنجليزي قانوني يعود إلى القرون الوسطى إلى اللغة العربية، وإعطاء هذا النص للطلاب الذين يقومون بدراسة
القانون. إن حاجتهم هنا
تستدعي الاقتراب عن كثب نسبيا من التركيب اللغوي للنص الإنجليزي المبكر، أي الاقتراب من الشكل ( كبناء الجمل
والمصطلحات اللغوية )، بالإضافة إلى
الاقتراب من المحتوى ( كفكرة الموضوع والمفهوم ). وقد تتطلب هذه الترجمة إدخال العديد من الحواشي اللغوية من أجل أن
يكون النص مفهوما
فهما جيدا.
وبالتباين مع هذا النوع من الترجمة، تستند الترجمة التي
تحاول الوصول إلى تكافؤ معنوي إلى الوصول إلى المستوى الكامل من " طبيعية " التعبير،
وتحاول ربط قارئ
اللغة المنقول إليها بالصيغ السلوكية الملائمة الموجودة ضمن بيئة ثقافته. وهي بذلك لا تصر على
وجوب فهمه للأساليب الثقافية الموجودة في بيئة اللغة المصدر من أجل أن يستوعب الرسالة.
ويمثل هذان الشكلان ( التكافؤ الشكلي والتكافؤ المعنوي )
قطبي عملية الترجمة. وفيما
بين هذين القطبين يوجد عدد من الدرجات تتخللهما. وتمثل هذه الدرجات شتى المقاييس المقبولة في الترجمة الأدبية.
وخلال الأعوام الماضية، حدث تحول بارز في التأكيد على
البعد المعنوي والابتعاد
عن البعد الشكلي. ويتزايد هذا الاتجاه بين جميع المهتمين بشئون الثقافة والترجمة.
وقد يقتضي البحث عن معادل الترجمة في بعض الأحيان إلى
القيام بما يسمى التغيير الوظيفي،
وهو عبارة عن " إجراء يتم إتباعه ويتضمن عملية تغيير في القواعد النحوية حينما نترجم من اللغة المصدر إلى اللغة المنقول إليها
".
"Functional Shift is a translation procedure involving a change in the
grammar from SL to TL".
ونلجأ لهذا الأسلوب حينما لا ينصاع معنى الكلمة بسهولة
للترجمة كما هي – أي بنفس وظيفتها في اللغة المصدر
SL – فنلجأ إلى تغيير وظيفتها. والكلمات التي نلجأ لهذا الأسلوب معها هي
الكلمات التي تحمل علاقات المعنى content words،
وهي عبارة عن الأسماءأو الأفعال
verbs أو الصفات adjectives أو الظروف adverbs. كما نلجأ
إليه حينما نترجم تركيب من القواعد في اللغة المصدر ليس له نظير في اللغة المنقول إليها.
ونعرض فيما يلي أهم الأساليب التي نتبع فيها هذا الإجراء:
أولا: إمكانية تحويل الظرف إلى الصيغ التالية:
He admires her greatly.
- صيغة الحال: يعجب بها بشدة.
- صيغة المفعول المطلق: يعجب بها إعجابا شديدا.
- استخدام لفظ أيّما: يعجب بها أيّما إعجابا.
- استخدام جملة اسمية ( مقرونة أو غير مقرونة بلام التوكيد
): إن إعجابه بها لشديد، أو إن إعجابه بها شديد.
- صيغة ما يحل محل الاسم: لشد إعجابه بها.
وبذلك ففي الجملة:
The situation has deteriorated very sharply.
يمكن أن تكون الترجمة:
- تدهور الموقف بشدة.
- تدهور الموقف تدهورا حادا.
- تدهور الموقف أيّما تدهور.
- إن تدهور الموقف لشديد.
- لشد ما تدهور الموقف.
ثانيا: تحويل الصفة إلى اسم، مثل:
The decision was made for the good management of the company.
اُتخذ القرار لما فيه حسن إدارة الشركة.
The conference recommended the early implementation and speedy operation of the
project.
أوصى المؤتمر بالتبكير ( أو الإسراع ) في تنفيذ المشروع
والتعجيل بتشغيله.
ثالثا: تحويل الصيغة الفعلية إلى صفة أو صيغة التصريف
الثالث، مثل:
استعرض المؤتمر ما تحقق من تقدم فيما يجري تنفيذه من
برامج.
The conference reviewed the achieved progress (progress achieved) in the
projects being implemented.
رابعا: تحويل الفعل إلى اسم، مثل:
The President recommended that a committee should be formed for handling that
matter.
أوصى الرئيس بوجوب ( أو بضرورة ) تشكيل لجنة لبحث ذلك
الأمر.
خامسا: تحويل الصفة أو الاسم إلى فعل، مثل:
I should like to make a slight reference that the University has lavishly given
out insignificant prizes to all graduates.
أريد أن أنوه أن الجامعة قد أفرطت في توزيع الجوائز على
الخريجين كافة.
Brutal as he is, sometimes he betrays signs of unequalled delicacy.
على الرغم مما يتسم به من وحشية، إلا أنه يبدي في بعض
الأحيان ما ينم عن رقة منقطعة النظير.
سادسا: تغيير أسلوب حرف الجر، مثل:
the achievements of the past decades
الإنجازات التي تحققت في العهود الماضية
The lady in black
المرأة التي تتشح بالسواد
Mubarak of Egypt
مبارك رئيس مصر
وفي النهاية، يجب توضيح أن التغيير الوظيفي يبرز حالات
متعددة من الارتباك فيما بين القواعد وما ينبغي التشديد stress عليه في النص. ولنضرب مثالا على ذلك، ففي الجملة العربية:
حاد بيانه عن جادة الصواب تماما
هل نترجمها إلى الإنجليزية بالقول:
His statement is a completely false أو القول:
There is absolutely no truth in his statement ؟
والتعليق على هذه الحالة يقتضي القول إنه كثيرا ما يتم
تغيير ترتيب الكلمات
word order بصورة غير ضرورية. ولذلك ففي بعض الأحيان
يكون الأكثر دقة أن
نترجم باستخدام المرادف اللغوي والاحتفاظ بنفس ترتيب الكلمات والابتعاد عن التغيير الوظيفي مع الإبقاء على التشديد الموجود
في النص الأصلي.
كيف تترجم (9)
الخروج عن القياس في اللغة
Language Deviation
محمد حسن يوسف
يقصد بالخروج عن القياس في اللغة " الانحراف عن
القواعد المألوفة التي تحكم لغة ما ".
"A linguistic deviation is the deviation from the expected norms of the
language".
ويأخذ الخروج عن القياس في اللغة أحد شكلين:
الأول: أن يكون مقصودا، وبالتالي يكون له معنى، وهكذا
يكون قابلا للترجمة.
الثاني: أن يكون غير مقصود، وبالتالي لا يكون له معنى،
وهكذا فلا يمكن ترجمته، بل يجب تصحيحه ثم ترجمة ما تم تصحيحه.
ولكي يتضح هذا المفهوم، نفترض أننا نطالع إحدى الصحف
اليومية، لنجد عنوانا مكتوبا فيها: " نشاطركم الأفراح ". يجب هنا التوقف قليلا أمام
هذا العنوان. فمن
المعروف في اللغة، أن هذا التعبير يقال: " نشاطركم الأحزان
"، وهو يقال للتعزية في وفاة أحد الأشخاص
المقربين أو فقدان شيء نفيس. فإذا ما تمت
كتابة هذا التعبير بالشكل: " نشاطركم الأفراح "، نجد أننا أمام أحد احتمالين:
الأول: إما أن يكون الكاتب قد تعلم اللغة العربية حديثا
فلم يتقن أصولها بعد، أو أنه غير ملم باستخداماتها. وهنا يجب علينا تصحيح هذا التعبير بإعادته إلى صورته الأصلية "
نشاطركم الأحزان " ونترجمه على هذا المعنى.
الثاني: وإما أن يكون الكاتب قد تعمد أن يقول هذا
التعبير للسخرية من الأفراح التي يمر بها القوم الذين قال لهم ذلك، أي ليصور لهم أن أفراحهم كالأحزان وأنه يواسيهم على هذه
الأفراح! وفي تلك الحالة فيجب الترجمة بهذا المعنى، والتفكير في أسلوب معين " ساخر " أيضا تتم
الترجمة به.
ومن الناحية العكسية، فلو طالعنا إحدى المجلات
الاقتصادية لنجد عنوانا مكتوبا فيها يقول:
How to steal a bank?
يكون علينا كذلك أن نتوقف برهة أمام هذا العنوان. ذلك أن
من المعروف لنا أن to steal لا تستخدم في هذا السياق، فهي
تعني سرقة الشيء برمته أو بأكمله، وفي حالتنا هنا تعني " سرقة البنك بجدرانه وموظفيه ... الخ
". وهذا بالطبع ما لا يمكن أن يكون. وأن الكلمة
التي تستعمل في هذا السياق هي " to rob ".
وبذلك نجد أنفسنا أيضا أمام احتمالين:
الأول: أن يكون الكاتب قد أخطأ في هذا الاستعمال. ولذلك
فيجب علينا القيام بالتصحيح، ليكون العنوان:
How to rob a bank?
الثاني: أن يكون الكاتب قد تعمد هذا القول، وبذلك فيجب
علينا محاولة ترجمة هذا المعنى الذي يريده الكاتب، وليكن مثلا:
كيف تسرق الجمل بما حمل؟
أو:
كيف تغتال مصرفا؟
كيف تترجم (10)
الترجمة: فن أم علم؟!
Translation: An Art or a Science?!
محمد حسن يوسف
تدلنا التطورات التاريخية للأعمال المختلفة التي تمت في
مجال الترجمة، منذ عهد الرومان وحتى وقتنا الحاضر، على تزايد اهتمام المترجمين والباحثين لوضع قواعد ثابتة يهتدي بها من
يريدون اقتحام هذا المجال للعمل فيه. وعبر معظم المترجمين – إن لم يكن كلهم – مؤخرا وبوضوح عن وجهة نظرهم
في أفضل الإجراءات
التي يجب إتباعها في مجال الترجمة. ومن ثم تبلورت آرائهم في طرحهم للترجمة على أساس أحد المفهومين المذكورين أعلاه، أي
كونها فن أم علم.
وقد حاول Cleary بلورة
مشكلة الترجمة من خلال طرح عدة أسئلة هامة على أحد المترجمين، الذي أعطى إجابات توضيحية لها. وفي إجابة هذا
المترجم على سؤال يتعلق بعدد الترجمات السيئة التي ظهرت إلى الوجود، عزا السبب في ذلك إلى حقيقة أن " الأفراد الذي
يقومون بالترجمة عادة ما يكون لديهم قدرات لغوية وليس مقدرة أدبية ". ويمكن أن نأخذ هذه الإجابة على أنها
تأييد للنظرية التي تصف
الترجمة
كفن وليس كعملية علمية. ويتضح من هذا أن Cleary يعطي الأولوية للموهبة
الأدبية على القدرات اللغوية أثناء القيام بعملية الترجمة.
ويحدد Savory العلاقة
الوثيقة التي تربط بين المترجم والفنان. فيقول: " إن الفنان لا يؤدي دوره أبدا بدون وجود مستشارين ينصحونه ويحرصون
على إبلاغه بما يجب
عمله، ولا بدون ناقدين يكونون على استعداد لإخباره بكيفية أدائه لهذا الدور ". ووفقا لما
يقوله Savory، فإن القواعد
والتعليمات التي يتلقاها من يرغبون العمل في حقل الترجمة من مختلف المصادر المتعددة غالبا ما تتسبب في العديد من
الارتباكات في العمل، الأمر الذي يصيب المترجمون بالذهول. ويتجسد الملاذ الوحيد الآمن الذي ينبغي على المترجمين
اللجوء إليه في
هذه
الحالة في كلمة " الأمانة " faithfulness. حيث يفترض في المترجم – لكي
يكون أمينا في تعامله مع النص الأصلي – أن يختبر بديهته ومشاعره بالإضافة
إلى كفاءته
ومهارته في كل من اللغة المصدر واللغة المنقول إليها.
أما Dil فيحاول الدفاع
عن تأكيد Nida لوجود " علم للترجمة "،
ولكنه يأخذ موقفا
معتدلا
من هذه القضية. فمن أحد الجوانب، فإنه يؤيد وجهة نظر Nida عن وجود علم
للترجمة، الذي يتوقع أن يوفر بعدا ديناميكيا لمعادل الترجمة. ومن ناحية
أخرى، فإنه يرى أن الترجمة
يمكن وصفها من منظور ثلاثة مستويات عملية، أي
كعلم وكمهارة وكفن. وقد يتفق المرء مع وجهة النظر الأخيرة التي يطرحها Dil
والمتعلقة بالمستويات العملية الثلاثة، وذلك من منظور إجراءات الترجمة
التي يمكن وصفها. ولكن
مع ذلك يظل السؤال مطروحا فيما يتعلق بمكونات المفاهيم الثلاثة التي يطرحها – أي العلم والمهارة والفن.
ويأخذ Nida موقفا واضحا
تجاه هذه القضية، حيث يقوم بتحليل عملية الترجمة من منظور الإجراءات العلمية التي تتم وفقا لها. ويحاول
Nida التمييز بين العملية الفعلية actual process للترجمة
والدراسة العلمية scientific study لها. ويمكن أن توصف
العملية الفعلية للترجمة " بأنها استخدام معقد للغة "، أما الدراسة العلمية لها " فينبغي النظر
إليها كأحد فروع اللغويات المقارنة comparative linguistics، مع الأخذ في
الاعتبار
بعدها الديناميكي والتركيز على علم دلالات الألفاظ semantics ". ولا يهم
كيف يبدو مفهوم " الترجمة كعلم " واسعا أو غامضا لبعض المترجمين، وهو
الانتقاد الذي يواجه نظرية Nida، حيث من الواضح أن هذه
النظرية
قد فتحت المجال أمام أبعاد جديدة للترجمة وشجعت العديد من المترجمين
والباحثين على إتباع إجراءات نظامية وواضحة وموضوعية أثناء
قيامهم بالترجمة.
وتعارض McGuire بشدة وجهة
النظر التي تنادي بوجود نظرية " قياسية " normative
theory للترجمة، وتعتبر أن " أي مناقشة بشأن وجود
علم للترجمة هي مناقشة
لا معنى لها ". وتعتبر McGuire أن مفهوم
Nida عن وجود علم للترجمة هو " محاولة لتقييد عملية الترجمة وتحديدها في
نظرية تحاول وضع مجموعة من القواعد للتأثير سلبا على الترجمة الصحيحة ". وتؤكد أن
العمليات التي يتم
القيام بها أثناء الترجمة يمكن فهمها وتحليلها من خلال إطار واقعي يهدف لتوضيح واختبار مسألتي التكافؤ والمعنى مع التركيز
على الجوانب العملية
وليس الجوانب القياسية المتضمنة في هذه العمليات.
وقد تدعم جانب المعارضين لوجود نظرية ترى الترجمة كعلم
بدرجة أكبر مع انضمامإليهم. وقد أخذ Newmark موقفين يبدوان وكأنهما متعارضين ولكنهما متكاملين من الناحية الفعلية. فمن ناحية، كرر
Newmark قناعته بعدم " وجود ما يمكن أن نسميه بـ " قانون الترجمة
" Law of Translation، ما دامت القوانين لا تسمح بوجود
استثناءات. ولذلك فلا يمكن أن توجد للترجمة نظرية شاملة واحدة صحيحة ". ويخلص إلى توضيح أنه " بالرغم
من ادعاءات مدرسة
الترجمة التي يتزعمها كل من Nida و، إلا أنه ليس هناك ما يمكن أن يسمى بعلم الترجمة، ولن يوجد أبدا ذلك الشيء
".
ومن ناحية أخرى، يسلم Newmark بأن " الترجمة – من الناحية الواقعية والعملية – تكون علما حينما لا
يكون هناك غير تأويل واحد صحيح وموضوعي للكلمة أو العبارة أو الجملة ... الخ، وتكون فنا حينما يكون هناك أكثر من بديل متساوٍ لها
".
وقد حاول العديد من علماء اللغة والمترجمين القيام بعمل
تحليل علمي للترجمة. وحتى
أولئك
الذين عارضوا وجود نظرية تتعامل مع الترجمة كعلم ( McGuire )، فإنهم عادة
ما يرددون أهمية وجود وصف واضح وموضوعي للعمليات المتضمنة في الترجمة. وقد
يجادل
المترجمون الآخرون – خاصة الذين يعملون في مجال الأعمال الأدبية – بأن العملية تتطلب تقييما للجوانب
الإبداعية للغة المصدر بالأساس، ولذلك يكون على المترجم استخدام حسه الأدبي وذكائه ومهارته لكي يكون قادرا على نقل
فحوى كل الرسالة إلى اللغة المنقول إليها.
وبالرغم منذ ذلك، يعارض القليل من المترجمين وجود نظرية
للترجمة يكون هدفها
التوصل إلى فهم العمليات المتضمنة أثناء القيام بالترجمة. وقد يكون الاعتماد على نظام الأولويات
الذي وضعه Nida مفيدا للغاية في حالات معينة للترجمة. ويمكن توضيح نظام
الأولويات كما يلي:
الاتساق السياقي له الأولوية على الاتساق المفرداتي.
المقابل المعنوي له الأولوية على المقابل الشكلي.
الترجمات التي يستخدمها جمهور كبير يكون في حاجة لها
وتكون مقبولة لديه لها الأولوية على الترجمات الأدبية الرصينة.
على أن فهم نظام الأولويات المعروضة أعلاه لا يعني بحد
ذاته الالتزام بدقة به. ففي بعض الأحيان يكون على المترجم إعطاء المعاني العاطفية ( الدلالية
) الأولوية على أي عناصر أخرى موجودة في نص اللغة
المصدر، لن السياق يتطلب منه عمل ذلك. وفي حالات أخرى، كما هو الحال في ترجمة الشعر أو النصوص المسرحية، يكون لعناصر أخرى مثل
نبرة الحديث وإيقاع الكلام وطوله ووزن الألحان والسجع واللهجة أولوية كبرى على أي عناصر لغوية أو أسلوبية أخرى.
وصفوة القول، يمكن القول بأن وجود نظرية تحلل العمليات
التي تمر بها الترجمة
وتفسرها باستخدام المعايير العلمية هو بلا شك أمر يساعد في عملية الترجمة بشرط ألا نعتبر هذه
المعايير قياسية أو مطلقة. وهكذا فإن أحد الأهداف الهامة لوجود نظرية للترجمة يتمثل في توفير وسيلة يمكن
من خلالها مقارنة
الترجمات المختلفة وتقييمها. ويتضمن ذلك استخدام المعايير العلمية بالإضافة إلى مهارة الشخص
وموهبته الأدبية. إن المترجم لا يقوم بالمحاكاة وحسب، ولكنه يشارك المؤلف الأصلي في مسئوليته في العمل
الإبداعي والكتابة الإبداعية، وعليه أن يلجأ للاستراتيجيات المختلفة باستخدام حدسه الشخصي ومهارته وذكائه وغير ذلك من
القدرات الفنية، وذلك من أجل الوصول إلى ترجمة جيدة.
منقول