هل عرفت طريق الأمان..؟
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله العزيز القهَّار،الرحيم الغفَّار،عالم غيب الليل والنهَّار،أحمده جل شأنه وأشكره جعل الجنة دار المتقين الأبرار،وتوعد المعرضين العاصين بعذاب النار،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بالأمان النفسي والمعيشي وعدكم بذلك ربكم بقوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً}(الطلاق:2-3).حروب طاحنة..قتل بدون معرفة السبب..إرهاب وجرائم منظمة..فيضانات مدمرة..حرائق تتلف الأخضر واليابس..زلازل وبراكين..قحط وجذب وقلة أمطار..كل هذا ومثله يدور في العالم وصدق الجبار إذ يقول:{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41).فما من مصيبة على مستوى الفرد أو المجتمع إلا وهي نتاج معصية رب الأرض والسموات أخبرنا ربنا عن ذلك بقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ()وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (الشورى:30-31).ويتلفت المرء حائراً مفزوعاً كيف لي بالأمان..؟. كيف لمجتمعي بالأمان..؟.فنقول له اطمئن فإن الله بكرمه ومنه وجوده أعطانا أمانين من عذابه وانتقامه وذلك بقوله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال:33). "قال ابن عباس رضي الله عنه : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم, فأمان قبضه الله إليه وأمان بقي فيكم"(انظر تفسير ابن كثير للآية).إذن فقدت الأمة أمان واحد بموت نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم وما بقي للأمة إلا أمان واحد عليها أن تتمسك به وبقوة ألا وهو الاستغفار.الاستغفار طريق الأمان من الجذب والقحط وقلة الأمطار أخبرنا عن ذلك ربنا حكاية عن هود بقوله :{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارً} (هود:52).وعن نوح بقوله:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا()يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارً} (نوح:10-11).الاستغفار طريق الأمان من الفقر وسببٌ لكثرة المال والأولاد ورغد العيش أخبر عن ذلك ربنا بقوله في تتمة موعظة نوح لقومه:{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارً} (نوح:12).الاستغفار طريق الأمان من ضعف الأبدان وسببٌ لزيادة القوة البدنية أخبرنا عن ذلك ربنا في تتمة موعظة هود لقومه بقوله :{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} (هود:52).الاستغفار طريق الأمان النفسي والمعيشي أخبرنا عن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله فيما أخرجه ابن ماجة وأبو داود:((مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ))(أبوداود،الصلا ،ح(1397)). وقد يعجب المرء لماذا يقل الاستغفار والمستغفرون في الأمة الإسلامية مع كل تلك الوعود الربانية المغرية..أمطار..وأموال..وبني ن..وجنات.. وأنهار..؟.أجابت عن ذلك الآيات بقول نوح لقومه:{ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارً} (نوح:13). نعم والله لو عَظُمَ الله في قلوبنا لما فترت ألسنتنا من الاستغفار ؛ أنظر لما عَظُمَتْ الدنيا في قلوب الناس أصبحوا لا يملون ذكرها والحديث عنها في البيت وفي العمل وفي الشارع وحتى في المسجد، وتأمل معي أخي كيف لو قيل أن لكل استغفار عشر ريالات هل ستجد هناك من يتحدث إليك..؟. الكل سيكون مشغولاً بالاستغفار حتى يستزيد من تلك الأموال. أخي الحبيب أجزم أنك بشوق لأن تعرف أفضل صيغ الاستثمار التي يحبها ربك ويستجيب لها؛إنها الصيغ التي تحتوي إقراراً بالذنب واعترافاً بالضعف أمام قوة الجبار العظيمة وقد شرع لك أول هذه الصيغ أبوك آدم يوم أن عصى ربه فتناول من الشجرة التي نُهي عنها فخشي من غضب ربه ففزع إلى ربه هو وزوجه مستغفرين نادمين قائلين:{...رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }(الأعراف:23).وهذا موسى يوم أن وكز الرجل فقتله بغير قصد استحضر عِظَم الجناية ففزع إلى ربه مستغفراً قائلاً:{..رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (القصص:16).أخي الحبيب تعال واستمع معي وأنصت بكل جوارحك فهاهو الحبيب صلى الله عليه وسلم يتكلم يخاطبك ويخاطبني ويخاطبنا جميعاً بقوله الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))(البخاري،الدعو ت،ح(5831)).الله أكبر ما أعظمه من كنز غفل عنه الغافلون..!.ثمرات الاستغفار الدنيوية كلها ثم الجنة..!.{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ()الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ()وَالَّذِين َ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ()أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (آل عمران:133-136).