ذكريات بائع أنتيكات مع مشاهير السياسة والفن

كان من الصعب أن يشعر المتجول في سوق الصفافير بالبهجة لما حل بهذه السوق من تغيرات، فبعد أن كان من أشهر

الأسواق البغدادية أصبح اليوم أطلالاً تحاكي ما تبقى منه..





فالمتجول في هذه السوق قبل سنوات من الآن لا يستطيع الوقوف للحظة من زحام المارين الذين يتركونه يسير دون أن

يعرف وجهته بالضبط (وترجع تسميته بهذا الاسم بحسب المصادر نسبة لمادة الصفر (النحاس) حيث يشتهر بصناعة

الأواني المنزلية وأباريق الشاي والكاسات والملاعق وإطارات الصور والفوانيس النحاسية والنقش عليها.






ويعتبر من الأسواق القديمة التي تعود لعصر الخلافة العباسية)، حيث أن المعروف عند من يدخل هذا السوق لا يخرج

منه بسهولة، لكثرة صخب وضجيج ألآت الطرق، فضلا عن قطع الصفر المتناثرة هنا وهناك، عمال منهمكون في

مطاوعة المئات من قطع النحاس، ومحال أخرى تبيع وتقتني التحف والأنتيكات العتيقة، كمهنة عريقة حفظت التراث عبر

تفاصيل متقنة ومتنوعة الأشكال والموضوعات، ومع تسارع الزمن يعد رواد هذه المهنة من الأثرياء لما تدر عليهم من

أرباح كثيرة، حتى بات من يعمل فيها اليوم يبحث عن ذاك الربح فقط..


وعند نهاية هذا السوق وبالقرب من ممر يضيق في بدايته ويتسع عند الوصول إلى شارع النهر يقبع محل يعود تاريخ

إنشائه إلى أربعينيات القرن الماضي يسمى محل (عدنان الجوهري )، وعلى الرغم من أن مساحته صغيرة وضيقة جدا،

إلا أن ما يحتويه من تحف وانتيكات توحي بثقل مكانته، بدا وكأنه متحف يحمل خصوصية المهنة المتوارثة، فثمة قطع

وذكريات وتحف معروضة فيه تجاوز عمرها المائة عام، دخلت المحل ونظرت طويلاً في الصور المعلقة على جدرانه،

فيها أشياء كثيرة وشخصيات مشهورة، منها صور فناني الزمن الجميل ورياضيين وملوك وشخصيات أجنبية..






وعلى الرفوف أوان وتحف أغلبها ذهبية اللون مصنوعة يدوياً.. صاحب المحل عدنان الجوهري متواضع جداً ويحب

الكلام قال لي بعد شرود: أنني ورثت المهنة عن والدي الذي بدأ باصطحابي إلى العمل عام 1956، عندما كان عمري

في وقتها (10) أعوام، ويذكر الجوهري أن رواد المحل هذا كانوا من الشخصيات الكبيرة والمعروفة أمثال يوسف وهبي

وعبد الحليم حافظ والصحفي رمزي صوفي.


وربما لا يتصور بعض الناس أن الطفل عدنان غدا شاباً مولعاً في عالم الأنتيكات والتحف، هذا العالم الذي لا يقترب منه

إلا أثرياء العالم ومشاهيره، فحكاية الأنتيكات واقتناؤها فسحت لعدنان المجال بالالتحاق بركب الفن ليغني عام

1963 في الإذاعة العراقية (وهي الإذاعة الأم والأولى في الشرق الأوسط) مع المطرب فاضل عواد وهادي حافظ

والمخرج كمال عاطف، وذكرياته مع المطرب عبد الحليم حافظ ويوسف وهبي والصحفي المعروف رمزي صوفي. ويتذكر

الجوهري كيف أن المخرج كمال عاطف أخبره بأهمية الاختيار ما بين الرياضة والغناء، فالجوهري كان يواظب على

رياضة حمل الأثقال.





وعلى ما يبدو فإن حياة عدنان الجوهري لم تتوقف عند الفن، بل تجاوزتها إلى السياسة وذكرياته مع الملك فيصل الثاني

والوصي عبد الإله، وزوجته الأميرة عابدية ( التي اقترن بها بعد وفاة زوجته التي كانت واحدة من بنات فيصل الأول,

والأميرة عابدية مصرية الأصل)، والتي كانت تقتني تحف قصر الرحاب من محل والده، ويشير الجوهري إلى أنه في عام

1962 شارك في فيلم سينمائي بطلب من مخرج أجنبي، الذي كان من السياح الذين اهتموا في اقتناء التحف

والانتيكات


ابتهال بليبل