عبدالرزاق السنهوري شيخ فقهاء القانون العرب وواضع القانون المدني العراقي
( عبدالرزاق السنهوري ـ 1895 ـ 1971 )
أحد كبار اعلام الفقه والقانون في الوطن العربي ولد في 5 آب/ أغسطس 1895 بمدينة الإسكندرية،
لأسرة فقيرة، وعاش طفولته يتيماً حيث توفي والده الموظف بمجلس
بلدية الإسكندرية ولم يكن يبلغ من العمر خمس سنوات.
بدأ تعليمه في الكُتَّاب ثم التحق بمدارس التعليم العام وتدرّج بها حتى حصل على الشهادة
الثانوية سنة 1913 ، وكان ترتيبه الثاني على طلاب مصر. قرأ في مرحلة
مبكرة من عمره درر التراث العربي، حيث قرأ كتب: الأغاني، والأمالي،
والعقد الفريد، وقرأ ديوان المتنبي، وكان كثير الإعجاب به ويفضله على
غيره من شعراء العربية . . نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917 من مدرسة الحقوق
الخديوية بالقاهرة (باللغة الإنكليزية) وجاء ترتيبه الأول على جميع
الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته
عين بعد حصوله على ليسانس الحقوق بالنيابة العامة في سلك القضاء بمدينة
المنصورة بشمال مصر. شارك أثناء عمله بالنيابة العامة في
ثورة 1919 فعاقبته سلطات الاستعمار الإنكليزي بالنقل إلى مدينة أسيوط
أقصى جنوب مصر. ترقى سنة 1920 إلى منصب وكيل النائب العام، وفي
نفس العام انتقل من العمل بالنيابة إلى تدريس القانون في مدرسة القضاء
الشرعي، وهي واحدة من أهم مؤسسات التعليم العالي المصري التي
أسهمت في تجديد الفكر الإسلامي منذ إنشائها سنة 1907 ، وزامل فيها
كوكبة من أعلام التجديد والاجتهاد، مثل الأساتذة أحمد إبراهيم وعبد
الوهاب خلاف وعبد الوهاب عيام وأحمد أمين، وتتلمذ عليه عدد من
أشهر علماء مصر، وعلى رأسهم الشيخ محمد أبو زهرة .
تأثر في مرحلة شبابه باليعيم المصري الوطني المصري "مصطفى
كامل"، وتبنى فكرة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها، كما كان
معجبًا بالكواكبي وعبد العييي جاويش ومحمد فريد وجدي .
وتأثر بفكر ثورة 1919
وكان قد تم تعيين السنهوري وكيلاً للنائب العام عام 1920ثم سافر إلى
فرنسا سنة 1921 في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة
ليون، وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية، وبدأ يتخذ الموقف النقدي
من الحضارة الغربية، فانتقد الانبهار بالغرب، وهاجم تبني د. منصور
فهمي لمقولات المستشرقين، وهاجم موقف الشيخ علي عبد الرازق من
الخلافة الإسلامية وتأثره فيه بالمناهج العلمانية والرؤية النصرانية .
في فرنسا وضع د.عبدالرزاق السنهوري رسالته الإصلاحية التي
عرفت بـ (مواد البرنامج) الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال
وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه الموسومة (القيود التعاقدية على حرية العمل في
القضاء الإنكليزي) ، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه. وأثناء
وجوده هناك ألغيت الخلافة الإسلامية، فأنجز رسالة أخرى للدكتوراه عن
فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية (رغم عدم تكليفه بها) وتحذير أساتذته له من صعوبتها والمناخ الأوروبي السياسي والفكري
المعادي لفكرتها !.
يروى أن عميد جامعة السوربون الفرنسية الشهيرة، قال بحق
السنهوري: انه فخر لامته ولشعبه ولكل القانونيين.
بعد عودته عام 1926 من دراسته العليا في فرنسا، عيّن مدرسا في
كلية الحقوق لمادة القانون المدني. شارك في المعارك السياسية والفكرية
التي كانت تموج بها الحياة في مصر قبل الثورة، وكان قريبًا من كل
تيارات التغيير والإصلاح رغم عدم انضمامه لحزب أو تنظيم. فصلته
الحكومة سنة 1934 م من الجامعة لأسباب سياسية، منها تأسيسه لـ
"جمعية الشبان المصريين".
صورة تذكارية التقطت في نيسان/ 1936
الأستاذ السنهوري يتوسط المدعويين ساطع الحصري وروفائيل بطي
والدكتور عبدالوهاب عزام والأستاذ ابراهيم صالح شكر
بينما وقف خلفه الأستاذ محمود صبحي الدفتري
السنهوري في العراق
سافر السنهوري إلى العراق سنة 1935 م بدعوة من حكومتها،
فأسهم في تطوير مدرسة الحقوق لتكون كلية للحقوق، وأصدر مجلة
القضاء، ووضع مشروع القانون المدني للدولة، ووضع عددًا من
المؤلفات القانونية لطلاب العراق .
بعد عودته لمصر من بغداد سنة 1937 عيّنَ عميدًا لكلية الحقوق
ورأس وفد مصر في المؤتمر الدولي للقانون المقارن في لاهاي. وأسندت
إليه وزارة العدل المصرية مشروع القانون المدني الجديد للبلاد، فاستطاع
إنجاز المشروع، ورفض الحصول على أي مكافأة. أجبر مرة أخرى على
ترك التدريس بالجامعة سنة 1937 فاتجه إلى القضاء فأصبح قاضيًا
للمحكمة المختلطة بالمنصورة، ثم وكيلاً لوزارة العدل، فمستشارًا فوكيلاً
لوزارة المعارف العمومية، إلى أن أبعد منها لأسباب سياسية سنة 1942
فاضطر إلى العمل بالمحاماة رغم عدم حبه لها .
عودته الى العــــراق
عاد للعراق مرة أخرى سنة 1943 لاستكمال مشروع القانون
المدني الجديد، ولكن بسبب ضغوط الحكومة المصرية (الوفدية) التي
كانت تطارده كونه من المناهضين لزعامة علي ماهر والنقراشي باشا،
حيث طلبت حكومة الوفد من الحكومة العراقية عدم السماح له بالعمل في
مؤسساتها، فاضطر للسفر الى سوريا، وأقام في دمشق وبدأ وضع
مشروع القانون المدني لها. ولكن أعيد مرة أخرى لمصر بسبب ضغوط
حكومية. وقد وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد
عربي سنة 1944 قبل قيام الجامعة العربية، ووضع مشروع معهد
الدراسات العربية العليا الذي تأجل تنفيذه حتى سنة 1952 في إطار جامعة
الدول العربية



نادى السنهوري في مصر بوضع قانون مدني جديد واستجابت له
الحكومة وشغل منصب وزير المعارف العمومية 3 مرات من عام 1945
الى 1949 ، وقام أثناءها بتأسيس جامعتي فاروق (الإسكندرية الآن) وجامعة محمد علي. وفي عام 1954 عيّن عضوًا بمجم اللغة العربية في
، مصر وعين رئيساً لمجلس الدولة من عام 1949 لغاية عام 1954
وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول
مجلة له، وتحول المجلس في عهده حارساً للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة
يوليو سنة 1952 .
وعرف عنه تأييده لثورة يوليو وشارك في مشاورات
خلع الملك فاروق مع محمد نجيب وجمال سالم وأنور السادات، بذل جهود
كبيرة في مشروع الإصلاح الزراعي وطلب إرساء الديموقراطية وحل
مجلس قيادة الثورة وعودة الجيش إلى الثكنات إلا أن المظاهرات العمالية
المُسَيّرَة، هدمت أفكاره. سافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953 ولم يستلم عنه أي مقابل كعادته. .

الصدام مع عبدالناصر:
حدث صدام بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1954 أقيل
بسببه من مجلس الدولة، فاعتزل الحياة العامة حتى وفاته، وفرض عليه
نظام عبدالناصر عُزلة إجبارية حتى عام 1970
واستطاع أثناء عزلته من إنجاز عدد من المؤلفات - القانونية المهمة، كما وضع
المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت
والإمارات العربية المتحدة، ولم تسمح له السلطات المصرية زمن عبدالناصر من السفر إلا مرة واحدة تلبية لدعوة أمير الكويت سنة 1960 ، واستطاع خلال هذه
المدة وضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية
لها .
كان الخلاف الذي وقع بين السنهوري وبين عبدالناصر هو السبب
في حل مجلس الدولة وعمل تصفية من جانب سلطة الثورة
آنذاك لرجال القضاء العاملين بمحراب مجلس الدولة ثم إصدار عبدالناصر قانون جديد ينظمه. ويذهب البعض إلى أن الخلاف يكمن في رغبة
السنهوري في تحقيق الثورة لمبادئها وتمثيل ذلك في جعل سلطة قضائية
تكون هي الحكم بين الدولة الجديدة وبين الجماهير . حتى ان السنهوري
وهو رئيس الهيئة القضائية اللصيقة بعمل الإدارة وتراقب أعمالها.. في
ظل رئاسته تم إلغاء العديد من القرارات الحكومية الصادرة من عبدالناصر
نفسه، مما وضع الخلاف بين رجل القانون ورجل السياسة على مستوى
الأزمة. وبالطبع فقد حسم السياسي الأزمة لصالحه بإخراج السنهوري من
الساحة القانونية . وقيل أن السنهوري أقترح تشكيل وزارة من رجال
الدولة المدنيين، وبمشاركة الإخوان في الحكم، وأن يعود الجيش إلى
ثكناته، وان تكون مهمة الوزارة إعادة الحياة النيابية والعودة بالبلاد إلى
حالتها المدنية الطبيعية، وقد تكلم بهذه الاقتراحات في جلسة مشتركة مع
عبدالناصر ومحمد نجيب وملك السعودية سعود، وكان هذا الاقتراح
الجريء سبباً لحصول اعتداء أثيم على السنهوري في داره من قبل بعض
الضباط المصريين الذين اقتحموا مكتبه في رئاسة مجلس الدولة
وأوسعوه ضرباً. وكان لحادث الاعتداء علي الأستاذ السنهوري وقعه
السيء ، وموضع أسف وحزن الكثير من طبقات الشعب لما يتمتع به السنهوري من
مكانة عظيمة ، فهرع كبار رجال القانون إلي مستشفى مظهر لزيارته
والاطمئنان علي صحته ، والعجيب أن من بين من زاره في المستشفى
جمال عبدالناصر وطلب مقابلته للاطمئنان عليه ، لكن السنهوري رفض
رؤيته ، فخرج عبدالناصر مكتفيا بالسؤال عن صحته من إدارة
المستشفى

مؤلفات السنهوري
من الصعب الادّعاء بأن الآثار الفكرية للدكتور عبد الرزاق السنهوري قد تم حصرها وفق الاستقصاء والاستقراء الدقيقين فتلك مهمة تحتاج "فرز" أوراق مكتبته.. واستقراء دوريات عصره …
وجمع مذكراته القانونية عندما اشتغل بالمحاماة.. وكذلك حيثيات أحكامه
عندما تولى القضاء.. وما له من أبحاث في مؤتمرات مجمع اللغة العربية
ولجانه.. وكذلك أبحاثه في المؤتمرات التي شارك فيها.. واللجان التي كان
عضوًا بها.. والوزارات التي تولاها .. . كما أن له آثارًا فكرية أخرى بغير
اللغة العربية أهمها تلك الأبحاث التي قدمها عن الشريعة الإسلامية في
المؤتمرات الدولية للقانون المقارن، بالإضافة إلى الأبحاث والدراسات
والمذكرات والتقارير التي ألفها ونشرها خارج مصر ولم يتم حصرها إلى
الآن، وخاصة ما نشره في العراق أثناء وجوده بها لوضع القانون المدني
لها وهو ما يعني أنه لا يوجد حصر كامل ونهائي إلى الآن لأعماله
الكاملة، وإن كان الثبت التالي بأعماله يُعد الأقرب إليها

يعتبر السنهوري باشا ومؤلفاته ثروة للمكتبة القانونية إذ كان
عضواً في مجمع اللغة العربية منذ 1946 وأسهم في وضع كثير من
. المصطلحات القانونية إلى أن توفي عام 1971
ونحن نصنف آثاره الفكرية في هذه القائمة، مميزين فيها بين
مشاريع القوانين المدنية، ومشاريع الدساتير التي وضعها.. وبين آثاره
الفكرية، كتبًا كانت أم دراسات حسب الترتيب التاريخي لكتابتها :
أً: مشروعات القوانين المدنية.. والدساتير :
القانون المدني المصري ومذكرته الإيضاحية.. وشروحه ( الوسيط) وهو -
في حقيقته "مبسوط" لا وسيط
الوجيز في القانون المدني العراقي ومذكرته الإيضاحية .
القانون المدني السوري ومذكرته الإيضاحية.
قانون البينات - بما فيه من قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية .
دستور دولة الكويت وقوانينها : التجاري والجنائي والإجراءات الجنائية
والمرافعات وقانون الشركات وقوانين عقود المقاولة، والوكالة عن
المسؤولية التقصيرية وعن كل الفروع وهي التي جمعت فيما بعد في
القانون المدني الكويتي .
القانون المدني الليبي ومذكرته الإيضاحية .
دستور دولة السودان .
دستور دولة اتحاد الإمارات العربية المتحدة .

إقامة السنهوري في بعقوبة وعشقه للعراق
العلامة السنهوري هو واضع أول قانون مدني في العراق والذي
مازال نافذا حتى اليوم، بناء على طلب الحكومة العراقية قد اضطر للإقامة
في بعقوبة التي أحَبَّها وأحَبَّ اهلها وامتدح طيبتهم وكرمهم
ويروي الاستاذ ياسين الحسيني أن السنهوري استجاب لطلب
الحكومة العراقية بالإقامة في بعقوبة لكي لا يقال انه يقيم في بغداد، ولكن
مايتوفر في العاصمة غير ما يتوفر في بعقوبة وخاصة الصحف والمجلات
وأجهزة الراديو وغير ذلك.. فطلب من الحكومة العراقية ان يعيش في
دمشق لإكمال ما كلف به.. رحبت الحكومة السورية به وعرضت عليه
منصبا مهما إلا انه ظل على تعاقده واستمر في إعداد مواد القانون العراقي من
دمشق.

وكان الزعيم الوطني المرحوم ياسين باشا الهاشمي في عهد
وزارته الثانية عام 1935 استدعاه لتولي عمادة كلية الحقوق ووضع
القانون المدني الى جانب قوانين اخرى، واستعان وزير العدل محمد زكي
بالعلامة السنهوري لتعديل قانون العشائر العراقية الذي وضعه
المستعمرون الانكليز لإدارة شؤون البلاد على النحو الذي يديرون فيه
مستعمراتهم وخاصة الهند.
التعديلات التي اقترحها السنهوري على قانون العشائر عرضت
على اللجنة الحقوقية في مجلس النواب لدراستها، ولكن هذه التعديلات لم
تلق تأييدا من السيد رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية لأنه رأى فيها ما
يضعف قوة السلطة التنفيذية.
كما أن جميع الحكومات التي اعقبت وزارة المرحوم ياسين باشا
الهاشمي اعتمدت على جهود السنهوري في اصلاح الاوضاع القانونية.
الحكومة المصرية تلح في إعادة السنهوري:
لما تأكد للحكومة المصرية الموقع المتميز الذي ناله العلامة
السنهوري في العراق طالبت بإبعاده عن العراق. إلا ان الحكومة العراقية
امتنعت عن ذلك. وتصور البعض أن موقف الحكومة في عدم الاستجابة
نتيجة للخلاف السياسي بين نوري السعيد والنحاس باشا، لكن الحقيقة كما يرويها الاستاذ ياسين الحسيني هي ان حاجة العراق للسنهوري قد وضعت فوق كل اعتبار خاصة وانه لم
يمارس عملا سياسيا يؤثر في العلاقات المصرية المتصادمة مع بعضها
لأن (الخلاف المكبوت) بين العراق ومصر كان منحصرا بين الاسرتين
الملكيتين، حيث كانتا تتنافسان تنافساً وهمياً على (وراثة الخلافة
الاسلامية)، التي كان الانكليز يثيرون موضوعها وهي من اساليبهم الدنيئة بأسلوب
فرق تسد وزرع الفتن والشقاق بين العرب والمسلمين. ((والكلام
لأستاذنا ياسين الحسيني)). ء
يتحدث شيخ قضاة العراق المرحوم ضياء شيت خطاب في محاضرة
قيمة له في ندوة عامة اقامتها نقابة المحامين عن حياة السنهوري
وسجاياه ودوره وخدماته القيمة للعراق إذ رفع من مستوى كلية الحقوق
وشجع الدراسات العليا، واليه يعود الفضل في اعداد الكثير من القانونيين،
وأساتذة الحقوق وحكام التمييز وآخرين شغلوا مناصب عليا في الدولة
بجدارة وكفاءة، كما ارتبط بعلاقات واسعة مع عدد كبير من رجال الفقه
والقانون والأدباء والشعراء. وأضاف المرحوم ضياء شيت خطاب بأن العلامة السنهوري حفظ
بعد عودته الى مصر افضال العراقيين ونخوتهم وكرمهم وظل يقف الى
جانب الطلبة العراقيين الدارسين في مصر ويوجههم ويساعدهم في
المصادر ويوصي اساتذتهم، وكان يقف الى جانب العناصر الوطنية في
مواقفها ضد تصرفات المحتل البريطاني.. ويوم امتنعت وزارة مصطفى
العمري عن تلبية مطالب الشعب بتبديل قانون انتخاب النواب بحجة عدم
امكان اصدار مثل هذا القانون بمرسوم لعدم وجود مجلس للنواب، يومها
استطلع السياسي العراقي المعروف المرحوم فائق السامرائي العلامة السنهوري في الموضوع
فأصدر فتواه المشهورة بأن إصدار هذا المرسوم لا يشكل خلافا لأحكام
الدستور، وكان وقع تلك الفتوى من السنهوري على الحكومة شديدا،
لأنه وضعها في موقف محرج، لكنها لم تنزل عن رأيها فكان ما كان من
أمر الانتفاضة الشعبية التي انتهت بإزاحة مصطفى العمري
.
ويروي الأستاذ الحسيني أن المرحوم حسين جميل كان
حاضرا في ندوة نقابة المحامين عن السنهوري وقد اثنى على المحاضر والمحاضرة، وعلى
العلامة السنهوري، وذكر حادثة طريفة قال فيهااستدعاني عبدالكريم قاسم في قضية قانونية مهمة، وأعطاني مهلة
ساعتين. يقول المرحوم حسين جميل: قلت له: عفوا انا لست السنهوري
في مثل هذه القضية القانونية انها تحتاج الى دراسة مستفيضة والى
متابعة وخبرة افتقرها. يومها انزعج قاسم مني، وقال: لا داعي، لا داعي،
لا داعي.
واليوم إذ يخرج علينا بعض أدعياء الفهم بالقانون، ممن يطلقون على انفسهم لقب خبير قانوني، ممن يثرثرون
في الفضائيات والإعلام كالطبول الجوفاء، وأحدهم يتهجم على العلامة
السنهوري، وآخر يكتب رسالة ماجستير في الطعن بالسنهوري، شئ
مؤسف أن ينحدر مستوى القانون وأدعياؤه والمتفذلكين الذين استغلوا
عقم الساحة وكثرة الفضائيات الهوائية والمساحة المفتوحة بلا انضباط ولا علم، ليتفلسفوا ويطعنوا في عمالقة
القانون العرب لدواع شعوبية معروفة... ولكن يبقى اسم عبدالرزاق باشا
السنهوري علما خفاقا في سماء الفقه القانوني العربي والعالمي، وهو
الذي أشاد به عميد السوربون الفرنسي بقوله بحق السنهوري: انه فخر
لامته ولشعبه ولكل القانونيين.
فليرحم الله العلامة السنهوري واضع القانون المدني العراقي، الذي أحَبَّ
العراق وعشقه، وله الفضل في أنه أمد المكتبة القانونية العربية بخيرة
أمهات الكتب القانونية التي تدرس في كليات الحقوق العربية، ومازالت
تطبع حتى اليوم بعشرات الطبعات وتبقى متميزة على ما سواها...


أهم المراجع :
"السنهوري من خلال أوراقه الشخصية": إعداد نادية السنهوري
وتوفيق الشاوي مصر.
الدكتور عبدالرزاق السنهوري إسلامية الدولة والمدنية والقانون
من تأليف د محمد عمارة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع
ياسين الحسيني: مقالة عن الراحل عبدالرزاق السنهوري وذكرياته
في العراق
ابراهيم خليل العلاف: عبدالرزاق السنهوري رجل القانون المدني
العربي الكبير
ويكبيديا: عبدالرزاق السنهوري