فاتن أمجد
ان المنشأ الحقيق لجريمة الاحتيال هو الحاجة الاقتصادية الملحة وهو يشبه الى حد ما جريمة البغاء التي رمت بظلها الثقيل على ما سواها من المواقف المماثلة التي لم تكن متوفرة على الاركان الخاصة بالبغاء، فقد اعتبر الناس كل الممارسات الجنسية خارج الزوجية بغاء ووصفوا المرأة دون الرجل وهو الشريك الذي لم يخضع للمساءلة القانونية بالبغية او (العاهرة)
وهي المفردة الظالمة التي لم تدرس حتى الان الدراسة العلمية الرصينة المنصفة فقد بقيت بحدود ما اصطلح عليه الجهلاء من الناس من مفاهيم بدائية وبحيث كانت لها ضحايا كثيرات من النسوة اللواتي لا يملكن القوة والقدرة على مواجهة ما في مواقف المجتمع من ظلم شديد.
واذا كانت الحاجة الاقتصادية الملحة هي منشأ هذه الجرائم ومنها الاحتيال فقد كان على المشرع ان يضع في المقابل مواداً قانونية تحول دون ان يتحول المواطن البسيط الى محتال ليقع تحت طائلة القانون الجائر.كان هذا ما يفترض بالمشرع الا انه اغفل ذلك انطلاقاً من مبدأ ان الحكومة منزهة وانها غير مسؤولة ولا يجوز مساءلتها او اتهامها بالتقصير المتعمد او غير المتعمد وتسببها بوقوع أكثر الجرائم شيوعاً في الحياة وخاصة تلك التي لها صفتها الاقتصادية ومنها جريمة الاحتيال او خيانة الامانة التي عدها القانون من الجرائم المخلة بالشرف في غابر السنين وعندما كان الناس ما زالوا لم يبلغوا ما بلغناه نحن من العلم الذي يكفل لنا صحة النظر في الامور المختلفة واتخاذ المواقف المناسبة منها كان العامة من الناس قد ادركوا ان كل ما يحدث من جرائم او مشاكل او متاعب انما هي بسبب مما في النظام السياسي من خلل.
ان وجود انظمة سياسية متخلفة او ظالمة هو السبب الاساسي في كل ما يحدث ولهذا هتف المنلوجست عزيز علي باغنيته السياسية المعروفة (كلها منه)
كلها منه
مصايبنه وطلايبنه
كلها منهالا ان الناس عندنا وجرياً على ما عندهم من امثلة شعبية ومنها (لا أحد يستطيع ان يقول للأسد حلكك خايس) فقد تحولوا الى الفقراء والبسطاء والضعفاء يحملونهم وزر ما يحدث أو يتهمونهم بانهم وراء كل ما يجري ظلماً وعدواناً.
واذا كان من غير المناسب الاسهاب في البيان او الكشف عن مسؤولية الانظمة السياسية عما يحدث للناس من مشاكل وما قد يرتكبوه من جرائم وذلك من حيث ان موضوعنا هو جريمة الاحتيال صفتها وحدودها وما تشتمل عليه من مظاهر فقد ارتأينا العودة الى منطوق المادة 456 التي اختصرها الناس الى 56 للدلالة على المحتالين وذلك من غير ان يكون عندهم العلم بما تعنيه مفردة الاحتيال والحدود التي تشتمل عليها وما هي اشنع جرائم الاحتيال وأكثرها خطورة على المجتمع.
وحتى نضع الامور في مواضعها فانه لا بد لنا من ذكر نص المادة 456 وفقراتها والتعديلات التي طرأت عليها وذلك بهدف منع ما قد يحدث من لبس او ما يمكن ان يطال من ليس بمحتال فنحكم على بريء بتهمة ارتكابه جريمة لا يعرفها.
تنص المادة 456 على ما يلي:-
1- يعاقب بالحبس كل من توصل الى تسلم او نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه او الى شخص اخر وذلك باحدى الوسائل التالية:-
أ- باستعمال طرق احتيالية.
ب- باتخاذ اسم كاذب او صفة غير صحيحة او تقرير امر كاذب عن واقعة معينة متى كان من شأن ذلك خداع المجني عليه وحمله على التسليم.
2- يعاقب بالعقوبة ذاتها كل من توصل باحدى الطرق السابقة الى حمل آخر على تسليم او نقل حيازة سند موجه لدين او تصرف في مال او ابراء او على سند اخر يمكن استعماله لاثبات حقوق الملكية او اي حق عيني آخر او توصل بأحدى الطرق السابقة الى حمل آخر على توقيع مثل هذا السند او الغائه او اتلافه او تعديله.
اما المادة 457 فقد نصت على ما يلي:-
يعاقب بالحبس من تصرف في مال منقول او عقار يعلم انه لا يملكه او ليس له حق التصرف فيه او تصرف في هذا المال مع علمه بسبق تصرفه فيه او التعاقد عليه وكان من شأنه الاضرار بالغير والمادة الثالثة التي نصت على معاقبة جرائم الاحتيال الاخرى هي المادة 458 التي نصت على:
1- يعاقب بالحبس من انتهز حاجة قاصر لم يتم الثامنة عشر من عمره او استغل هواه او عدم خبرته وحصل منه اضراراً بمصلحته او بمصلحة غيره على مال او سند مثبت لدين او مخالصة او على الغاء هذا السند او تعديله ويعتبر في حكم القاصر المجنون والمعتوه والمحجوز ومن حكم باستمرار الوصاية عليه بعد بلوغه الثامنة عشرة.
2- وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس اذا كان مرتكب الجريمة ولياً او وصياً او قيماً على المجني عليه او كان مكلفاً بأية صفة برعاية مصالحه سواء كان ذلك بمقتضى القانون او بمقتضى حكم او اتفاق خاص.
أما المادة 459 وهي المادة الاخيرة من المواد القانونية الخاصة بجرائم الاحتيال فهي تلك التي نصت على ما يلي:-
1- يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على ثلثمائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين من اعطى بسوء نية صكاً وهو يعلم بان ليس له مقابل وفاء كاف قائم وقابل للتصرف فيه او استرد بعد اعطائه اياه كل المقابل او بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته او امر المسحوب عليه بعدم الدفع او كان قد تعمد تحريره او توقيعه بصورة تمنع من صرفه.
2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها من ظهر لغيره صكاً او سلمه صكاً مستحق الدفع لحامله وهو يعلم ان ليس له مقابل يفي بكل مبلغه.وبسبب اتساع نطاق جرائم الربا او ما يدعوه العامة بـ (الفايز) ابان حقبة التسعينات التي شهدت حصاراً اقتصادياً خانقاً فقد اصدر مجلس قيادة الثورة المنحل قراراً برقم 68 في 23/6/1997 نص على ما يلي:-يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات لكل من اقرض نقوداً باية طريقة بفائدة ظاهرة او خفية تزيد على الحد المقرر قانوناً واعتبار هذه الجريمة من الجرائم المخلة بالشرف وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات اذا ارتكب جريمة مماثلة خلال ثلاث سنوات من تاريخ صيرورة الحكم الاول نهائياً او في ظروف الحرب وان تحكم المحكمة بمصادرة مبلغ القرض والفائدة او المال الذي تحول اليه.وعند ملاحظة هذا القرار نجد ان الربا او الفايز هو اعظم جرائم الاحتيال وهذا ما كان الاسلام قد ذهب اليه.
فقد روي ان جماعة من المسلمين وفدوا الى انس بن مالك ليسألوه عن اشد الكبائر نكراً فقال لهم انظروني الى الغد فعندما حان الوقت جاؤوه ثانية وجلسوا عنده فقال لهم الربا انه اعظم الكبائر فقالوا وما دليلك قال القرآن فقد توعد المرابين بحرب من الله ورسوله وهو ما لم يرد ضد اي فعل آخر اي ان القران لم يتضمن آية توعد الله فيها المخطئين بالحرب عليهم كما توعد المرابين.
وهنا نستطيع ان نفتح باب مناقشة ما ورد في المواد الاربعة من احكام وما اشتملت عليه من افعال جرمية بسيطة في الوقت الذي كان على المشرع ان يضمن القانون مواداً تتناول جرائم الاحتيال كافة ومنها جرائم الاحتيال السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهي اكبر ضرراً على المجتمع وافدحها جريمة.سنتناول في الحلقة الثانية ما وقع فيه المشرع من اخطاء وما فاته ان يذكره من جرائم احتيالية وذلك انصافاً للمظلومين وتحقيقاً للعدالة.