من أهل الدار
الصبر كميل يا زكية
تاريخ التسجيل: August-2012
الدولة: مُرني
الجنس: ذكر
المشاركات: 14,201 المواضيع: 2,060
صوتيات:
2
سوالف عراقية:
0
مزاجي: كده..اهو ^_^
آخر نشاط: 16/July/2024
سلامة الشعب فوق القانون..مبدأ سمو الدسـتور ونظرية الضرورة في الأوقات العصيبة للدولة
فارس حامد عبد الكريم
يعد الدستور القانون الاسمى في الدولة ، وهو بمثابة وثيقة عهد بين القائمين على السلطة العامة وبين الشعب ، لضمان ان السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لن تنحرف عن المبادئ والقيم والقواعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يرى الشعب انها تجسيد للشرعية التي يعتقد ويؤمن بها في زمان ومكان معينين
فالدستور هو ابتداءاً قيد على ارادة السلطة التشريعية يمنعها من سن تشريعات تتعارض مع المباديء والقواعد التي تضمنها الدستور، وهو ايضا قيد على إرادة الحاكم وأعوانه يمنعه من تجاوز سلطاته او التعسف في استعمال تلك السلطات ، ويحترم القضاء الدستور ويتولى الرقابة على السلطات الاخرى ويبطل تصرفاتها المخالفة للدستور . وهكذا قيل ان الدستور يتمتع بسمو على ارادة الحكام وعلى جميع قوانين الدولة..
ولنظرية الضرورة تطبيقاتها في القانون الجزائي ففي حالة الدفاع الشرعي لا يسأل جزائياً من ارتكب فعلاً دفعته لارتكابه ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس أو المال
وكذلك في القانون الخاص الذي تبنى نظرية الظروف الطارئة ، ويأخذ القضاء الادراي بنظرية الضرورة أيضاً في مجال القانون الإداري ، حيث لم يعتبر مجلس الدولة الفرنسي الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي خطأ من جانب الإدارة ، إذا كان سوف يترتب على تنفيذه إخلال جسيم بالأمن العام ، وتقرر هذه النظرية للإدارة الحق في القيام بالإجراءات المستعجلة اللازمة لدفع كل خطر يهدد الأمن أو الصحة العامة دون تقيد بالقوانين واللوائح . بل وتسمح هذه النظرية للإدارة بتعديل إلتزاماتها التعاقدية ، كما تقرر هذه النظرية للمتعاقد مع الإدارة حقوقاً تسمح بإعادة التوازن المالي للعقد إذا طرأت ظروف استثنائية أثرت على هذا التوازن
الفقرة رابعاً: الصفة الدولية لنظرية الضرورة:
أضفت قواعد القانون الدولي العام الصفة الشرعية على نظرية الضرورة وأجازت عدم الالتزام بالقواعد الدولية الضامنة للحقوق والحريات العامة في حالة الطوارئ وفقا لشروط وضوابط معينة. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 على انه ( 1. في حالة الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة ، والمعلن قيامها رسمياً ،يجوز للدول الأطراف في هذا العهد ان تتخذ ، في اضيق الحدود التي يتطلبها الوضع ، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد ، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليه بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الأصل الاجتماعي )
الفقرة خامسا ـ نظرية الضرورة في الدستور العراقي:
نصت الفقرة (تاسعاً) من المادة (61) على نظرية الضرورة وعبرت عنها بـمصطلح ( حالة الطوارئ )، حيث جاء فيها ضمن تعدادها لاختصاصات مجلس النواب:
تاسعاً : أ ـ الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناءا على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء . ب ـ تعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتمديد وبموافقةٍ عليها في كل مرة . ج ـ يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من إدارة شؤون البلاد في اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ وتنظم هذه الصلاحيات بقانون بما لايتعارض مع الدستور . د ـ يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب الاجراءات المتخذة والنتائج في اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ خلال خمسة عشر يوماً من انتهائها)
واضافة الى الدستور فان امر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم (1) لسنة 2004
هو الذي ينظم احكام حالة الضرورة لمواجهة الازمات في العراق . وامر الدفاع عن السلامة الوطنية المشار اليه ليس الا قانون بائس لا يعد قانونا للضرورة في حقيقته ومعناه ، في ظل هجمة ارهابية شرسة مدحورة استهدفت الدولة وكيانها والانسان العراقي في حياته وحياة اسرته وممتلكاته ، وعادة تطبق نظير نصوص هذا الامر او اشد منها في الظروف الطبيعية في الدول التي لا تعرف النظام الديمقراطي
ويتضح ذلك جلياً من مجرد الاطلاع على نصوصه مع الاخذ بالاعتبار نص الفقرة (تاسعاً/أ) من المادة (61) من الدستور التي نصت وهي بصدد تعداد اختصاصات مجلس النواب ( تاسعاً : أ ـ الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناءا على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء)
بينما نصت المادة (1) من الامر المشار اليه على انه ( لرئيس الوزراء، بعد موافقة هيئة الرئاسة بالاجماع، إعلان حالة الطوارئ في أية منطقة من العراق)
ونصت المادة (3) منه على انه ( يخول رئيس الوزراء في حالة الطوارىء وفي حدود منطقة أعلانها بالسلطات الاستثنائية المؤقتة التالية:
اولا- بعد استحصال مذكرة قضائية للتوقيف او التفتيش الا في حالات ملحة للغاية، وضع قيود على حرية المواطنين أو الأجانب في العراق، في الجرائم المشهودة أو التهم الثابتة بأدلة أو قرائن كافية فيما يخص الانتقال والتجوال والتجمع والتجمهر والمرور والسفر من وإلى العراق وحمل أو أستخدام الأسلحة والذخائر والمواد الخطرة، ويمكن احتجاز المشتبه بسلوكهم وتفتيشهم أو تفتيش منازلهم وأماكن عملهم، ولرئيس الوزراء تخويل هذه الصلاحيات او غيرها الى من يختاره من قياديين عسكريين او مدنيين
ثانيا- فرض حظر التجوال لفترة قصيرة محددة على المنطقة التي تشهد تهديداً خطيراً للأمن أو تشهد تفجيرات أو اضطرابات وعمليات مسلحة واسعة معادية، وله عزل تلك المنطقة وتطويقها بقوات مناسبة وتفتيشها إذا ثبت او اشتبه حيازة بعض سكانها أسلحة متوسطة أو ثقيلة أو متفجرات أو تحصّن بها خارجون على القانون، و ذلك بعد استحصال مذكرة قضائية للتفتيش الا في حالات ملحة للغاية
بينما نصت الفقرة رابعاً من المادة (7) ـ تسري احكام قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية على الجرائم المشار اليها في الفقرتين اولا و ثانيا في هذه المادة
ونصت المادة (9) منه على انه ( أولاً ـ تصادق هيئة الرئاسة بالإجماع على القرارات والاجراءات الاستثنائية، و للجمعية الوطنية الاستشارية المؤقتة الحق في مراقبة تنفيذ هذه الاجراءات
ثانياً ـ تخضع قرارات وإجراءات رئيس الوزراء لرقابة محكمة التمييز، ومحكمة التمييز في اقليم كردستان فيما يتعلق باجراءات الطوارئ في نطاق الأقليم، و انتهاءا بالمحكمة الاتحادية العليا، و للمحاكم المذكورة تقرير إلغاء تلك القرارات والإجراءات وتقرير بطلانها وعدم مشروعيتها أو اقرارها، مع مراعاة الظروف الاستثنائية التي صدرت في ظلها تلك القرارات والإجراءات)
وفي جمهورية مصر العربية ، التي تعيش في ظل اوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية طبيعية ، نص الدستور المصري لسنة1971 النافذ على احكام حالة الضرورة في المواد (74، 147 ، 148)
حيث نصت المادة 74 منه على انه ( لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية او سلامة الوطن او يعوق مؤسسات الدولة عن اداء دورها الدستوري ان يتخذ الاجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ، ويوجه بيانا الى الشعب ، ويجري الاستفتاء على ما اتخذه من اجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها
وهذا هو المنطق الصحيح والسليم لمواجهة الازمة قبل استفحالها ، فالاجراءات تتخذ بسرعة قبل اية موافقة من اية جهة وبعد اتخاذها تعرض على الاستفتاء
ونصت المادة (147) على انه ( اذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية ان يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون)
وهذه يعني ان رئيس الجمهورية يكون مشرعا في اوقات الازمة وفي ظل غياب مجلس النواب
ونصت المادة (148) على انه ( يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين في القانون ويجب عرض هذا الاعلان على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوما التالية ليقرر ما يراه بشأنه . واذا كان مجلس الشعب منحلا يعرض الامر على المجلس الجديد في اول اجتماع له
وفي جميع الاحوال يكون اعلان حالة الطوارئ لمدة محددة ، ولا يجوز مدها الا بموافقة مجلس الشعب .) وعلى نفس السياق المنطقي ذهبت هذه المادة فالاجراءات تتخذ بسرعة ومن ثم تعرض بعد ذلك على السلطة التشريعية
ومن المعلوم ان الجرائم المرتكبة في ظل اعلان حالة الطواريء في مصر تختص بالنظر فيها المحاكم العسكرية سواء ارتكبت من الافراد المدنيين او العسكريين
ويلاحظ ان نظرية الضرورة التي ابتدعها قضاء مجلس الدولة الفرنسي هي اوسع نطاقاً من القوانين المنظمة للظروف الاستثنائية
اما في ظل امر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم (1) لسنة 2004 العراقي ، بما تضمنه من قيود وشروط معقدة مسبقة ، لا تتطلبها القوانين حتى في ظل الظروف الطبيعية ، فلا يمكن القول ان المشرع العراقي قد تبنى الوضع الطبيعي لمبدأ سلامة الشعب فوق القانون
وربما يعود ذلك لاسباب تاريخية بعد عهود من الاحكام العرفية غير المعلنة مورست في ظلها ابشع الجرائم بحق الشعب تحت شعار ضرورات المرحلة الراهنة ، واسباب نفسية تتجلى في الرغبة من التخلص من كل صور الماضي البغيض.