يعد التفويض في الاختصاصات أحد الدعائم التي يعتمد عليها نجاح الإدارة الحديثة في تسيير العمل، ويهدف إلى إضفاء طابع المرونة على نظام العمل بما يكفل سريان النشاط بيسر وكفاءة وبما يتجاوب مع متطلبات توزيع المسئوليات على القيادات الإدارية التي تتحمل جزء من هذه المسئوليات تخفيفاً عن كاهل القيادات الأعلى وضماناً لسرعة إنجاز الأعمال التي تم تفويضهم فيها فضلاً عن دعم وتحقيق فكرة اللامركزية.

وقد رأينا اختيار موضوع التفويض في الاختصاصات ليكون حديث هذا المقال نظراً لأن العديد من الوحدات الوزارية قد واجهت – أثناء عملية المراجعة – قرارات تتعلق بالتفويض في الاختصاصات وما ترتب علي ذلك من صعوبة واختلاف الرؤى بالنسبة للتوصية على مثل هذه القرارات، فضلاً عن أن قرارات التفويض قد تؤدي في بعض الحالات إلى وجود تنازع أو تشابك أو تداخل في الاختصاصات بين الجهات الحكومية المختلفة بسبب وجود ظروف تقتضي نقل تبعية إحدى الجهات أو المؤسسات من وزارة إلى أخرى أو قد تطرأ ضرورة تقتضي تفويض إحدى السلطات في بعض اختصاصاتها إلى سلطة أخرى، بالإضافة إلى المشاكل الناتجة عن التفويض بالشخص والتفويض بالصفة.

ويقصد بالتفويض في الاختصاصات هو ذلك الإجراء الذي تعهد بمقتضاه إحدى السلطات بجزء من اختصاصها إلى سلطة أخري بناء على نص قانوني يأذن لها بذلك، ولابد أن يكون التفويض من سلطة أعلى إلى سلطة أدنى.

وهناك أسانيد قانونية عديدة يرتكز عليها التفويض في الاختصاصات في مصر حيث ورد في المادة (108) من دستور 1971 (المعطل) أنه يحق لرئيس الجمهورية إصدار قرارات لها قوة القانون بناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية الثلثين. وكذا نص الإعلان الدستوري الحالي في المادة (56) منه على سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارة شئون البلاد وممارسة السلطات والاختصاصات المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضي القوانين واللوائح وله أن يفوض رئيسه أو أحد أعضائه في مباشرة هذه الاختصاصات. وهناك القانون رقم 15 لسنة 1967 (ما زال سارياً) الذي فوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية التي تتصل بأمن الدولة وسلامتها. ويعد القانون رقم 42 لسنة 1967 بشأن التفويض في الاختصاصات هو القانون الأساسي حالياً في هذه المسألة وهذا القانون قد أنشأ هرماً تدريجياً للتفويض في بعض الاختصاصات بدءاً من رئيس الجمهورية مروراً برئيس مجلس الوزراء والوزراء والمحافظين وانتهاءً بمديري الإدارات ورؤساء الفروع والأقسام.

وهناك التفويض بالشخص وهو ذلك التفويض الصادر من سلطة أعلى لسلطة أدنى محدداً لشخص معين باسمه وليس بصفته الوظيفية وذلك لمباشرة قرارات وتصرفات معينة يملكها المفوض (وغالباً ما يكون المعول عليه في مثل هذه الحالات هو شخص المفوض إليه دون أي اعتبار آخر).

وهناك أيضاً التفويض بالصفة وهو ذلك التفويض الصادر لشخص بصفته الوظيفية لاتخاذ قرارات تدخل أصلاً في اختصاص المفوض (وغالباً في مثل هذه الحالات لا ينظر إلى شخص المفوض إليه بقدر ما ينظر إلى مركزه الوظيفي).
ويهمنا أن نبين أن هناك ضوابط وشروط معينة يجب مراعاتها والالتزام بها حتى يحقق التفويض الهدف والفائدة المرجوة منه فلابد أن يكون التفويض في بعض اختصاصات الأصيل وليست كلها، ويجب أن يكون التفويض جزئياً لا كلياً أو محدداً بمدة معينة لا مطلقاً وإلا غلت يد الأصيل تماما عن مباشرة كافة اختصاصاته الأصلية وينقلب إلى تفويض كامل في السلطة بدلا من تفويض في الاختصاصات وهذا غير جائز. ولابد أيضا أن يكون التفويض في مسائل يجوز التفويض فيها، فإذا نص الدستور أو القانون على وجوب قيام جهة أو شخص معين بعمل ما فإن هذه الجهة أو هذا الشخص لا يستطيع تفويض غيره في القيام بهذا العمل ويجب عليه القيام به بنفسه. ومن ناحية أخرى يجب أن يكون الأصيل مختص أصلا بالقيام بالعمل حتى يمكنه تفويض غيره فيه فمن لا يملك لا يستطيع أن يفوض.

وإذا نظرنا إلى التفويض في الاختصاصات نجد أن هناك أموراً تتشابه معه وتأخذ أحكاماً مختلفة عنه كالتفويض بالتوقيع وهو مجرد توقيع المفوض إليه على بعض القرارات الداخلة في اختصاص الأصيل باسمه ولحسابه وتحت رقابته دون أن ينتقل الاختصاص ذاته من الأصيل إلى المفوض إليه بالتوقيع (توقيع وزير معين على اتفاقية أو بروتوكول تعاون نيابة عن الحكومة). وأيضاً الحلول في الاختصاصات الذي يقصد به قيام أحد أعضاء السلطة الإدارية بممارسة اختصاصات عضو آخر من أعضاء هذه السلطة قام به مانع حال دون ممارسته لاختصاصاته وذلك بحكم القانون وليس بإرادة صاحب الاختصاص الأصيل فضلاً عن أنه يتناول كافة اختصاصاته وليس بعضها فالسلطات التي تنتقل بالحلول هي أوسع بالضرورة من التي تنتقل بالتفويض, فالحلول يتم بقوة القانون ما أن يصبح صاحب الاختصاص الأصيل عاجزاً عن مزاولة اختصاصه على عكس التفويض الذي يتطلب قراراً صريحاً بذلك (حلول وزير معين محل وزير أخر أثناء مرضه مثلاً).

وهناك أيضاً ما يعرف بنقل بعض الاختصاصات وهو نقل اختصاصات من جهة معينة إلى جهة أخرى لممارستها بصفة أصلية وليست بصفتها مفوضة في مباشرة هذه الاختصاصات، وكذا ليست لأنها تحل محلها لظرف معين أو لفترة محددة في مباشرة هذه الاختصاصات كقرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 بنقل بعض الاختصاصات التي تباشرها وزارة الإسكان في قوانين وقرارات معينة إلى الوحدات المحلية كل في دائرة اختصاصها.

وقد يثور التساؤل عن سلطة الأصيل، فهل يبقي التفويض على اختصاصات الأصيل في المسائل محل التفويض؟ أم أن سلطته في هذه المسائل تنعدم ما دام التفويض قائماً؟
وهناك رأي يرى أن المفوض ما زال يحتفظ بسلطة تقابل سلطة المفوض إليه وكل منهما يستطيع أن يصدر قرارات في المسائل محل التفويض، فالتفويض – وفقا لهذا الرأي – لا يعدم سلطة الأصيل في المسائل محل التفويض، وهناك رأي أخر يرى أنه ليس للأصيل أن يعد نفسه سلطة رئاسية إزاء التصرفات الصادرة ممن فوضه أو حل محله لأن القرارات الصادرة عن هذا المرؤوس طبقاً للتفويض إنما تعد كأنها صادرة عن الرئيس نفسه (الأصيل) وبالتالي فهي ملزمة له. ونحن من جانبنا نري أنه لا يمكن للأصيل بشكل مطلق قبول القرارات الصادرة عن المفوض إليه ولا يمكنه أيضاً – بشكل مطلق – رفضها وإلغاؤها. فالقرارات الصادرة عن المفوض إليه ما دامت في حدود مسائل التفويض فهي تعد ملزمة للأصيل وإذا لم تلقي رضاؤه أو قبوله وتبين له أنها غير مشروعة أو غير ملائمة فعليه الالتجاء إلى الطرق القانونية كاللجوء إلى سلطة أعلى أو إلى القضاء للفصل في مدى إمكانية إلغاء القرارات الصادرة عن المفوض إليه.

ويجب في هذا المقام أن ننوه أنه لا تفويض في التفويض فالتفويض الجائز وفقاً للقواعد العامة إنما ينصرف إلى الاختصاصات الأصلية التي يستمدها المفوض مباشرة من القوانين واللوائح فإذا تم التفويض في هذه الاختصاصات الأصلية فإن المفوض إليه لا يمكن له تفويض غيره في مباشرة هذه الاختصاصات إلا إذا سمح له الأصيل بذلك صراحة (مثل تفويض نائب الحاكم العسكري لوزير الزراعة في إزالة المخالفات على الأراضي الزراعية فلا يجوز لوزير الزراعة تفويض المحافظين في هذه المسألة إلا إذا كان قرار نائب الحاكم العسكري يسمح له بذلك). وأيضاً التفويض لا يُفترض فيجب أن ينشر القرار المجيز للتفويض وينبغي أن يكون صريحاً وأن يُفسر تفسيراً ضيقاً لا يتوسع فيه، وحيث أن التفويض لا يُفترض فإن إنهاء حالة التفويض لا تُفترض بل لابد من صدور قرار واضح وصريح بإنهاء حالة التفويض منعاً لأي لبس أو غموض بشأن موضوعات التفويض.
وأخيراً تنتهي حالة التفويض في الاختصاصات بانتهاء مدة التفويض, أو بانتهاء موضوع التفويض، أو بإلغاء قرار التفويض، وربما بخروج المفوض والمفوض إليه أو كليهما من السلطة.