إن قيام مجلس النواب بمهامه في تحقيق الاصلاح يتطلب توافر بعض الشروط ، من أهمها ان يمثل هذا المجلس المواطنين تمثيلا صحيحا وعادلا ، لكون الشعب هو مصدر السلطات في الانظمة الديمقراطية . ولن يكون ذلك التمثيل صحيحا وعادلا الا متى كانت الانتخابات التي اوصلت اعضاء المجلس الى مقاعدهم انتخابات نزيهة ، لكي نتأكد ان مجلس النواب الذي انبثق من تلك الانتخابات يمثل المجتمع تمثيلا صحيحا . فالتمثيل الصحيح والعادل هو الذي يؤدي الى تمثيل اوسع لشرائح المجتمع ، بما يتلاءم مع الحجم الحقيقي لتلك الشرائح . وهذا يتطلب وجود نظام انتخابات ملائم يوفر تكافؤ الفرص بين المرشحين ، في جميع نواحي العملية الانتخابية ، كالانفاق على الحملة الانتخابية للمرشحين ، والحق في استخدام وسائل الاعلام ، إضافة لإجراء الانتخابات في أجواء من الحرية ، والنزاهة ، بحيث يتمكن الناخبون من تحديد خياراتهم بحرية بعيدا عن الضغوط وتدخلات السلطة . وبحيث يصبح النواب يمثلون فعلا اوسع شرائح المجتمع ، مع التمثيل العادل للقوى السياسية بما يوازي حجم قاعدتها الانتخابية ، لكي يكون للمجلس صفة تمثيلية أكيدة لايرقى اليها الشك ، بحيث يمثل التنوع في المجتمع ، وبشكل خاص تمثيله للمرأة والاقليات . فتنعكس تركيبة المجتمع المتنوعة على تركيبة المجلس ، على المستويات المختلفة . ان كل ذلك يتطلب مطابقة العملية الانتخابية للمعايير الدولية ، في مراحل العملية الانتخابية المختلفة ، قبل الاقتراع وأثناءه ، وعند فرز اوراق المقترعين ، وعند إعلان النتائج . ولن يتحقق كل ذلك الا اذا أشرفت جهة حيادية وموثوقة على الانتخابات . واخيرا ان تكون هناك جهة فعالة وحيادية للنظر في الطعون الانتخابية . وهذا هو موضوع الرسالة الجامعية التي اخترتها لقراء هذا العدد من مجلة التشريع والقضاء . تباينت الانظمة في تحديد الجهة التي تتولى النظر في الطعون الانتخابية . فالمفترض ان تكون تلك الجهة التي تبت أو تقضي بالطعون جهة محايدة مستقلة ، أو محكمة متخصصة ، أو أن تتولى ذلك السلطة القضائية من خلال محاكمها ، كمحكمة العدل العليا كما يطلق عليها في بعض البلدان ، او المحكمة الاتحادية العليا كما يطلق عليها في العراق . وتشير الدراسات ان الانظمة السياسية المختلفة تعتمد اسلوبان هما الرقابة القضائية ، بمعنى إعطاء مهمة الفصل في الطعون الانتخابية وصحة النيابة الى السلطة القضائية ، لأن الفصل في المنازعات القانونية من طبيعة أعمال هذه السلطة ، على إفتراض انها سلطة مستقلة عن باقي السلطات . اما الاسلوب الآخر فهو اسلوب الرقابة السياسية ، ويتم عن طريق هذا الاسلوب إعطاء صحة الفصل في الانتخابات التشريعية الى مجلس النواب نفسه . وينطلق دعاة الأخذ بهذا الاسلوب من إفتراض ان السلطة التشريعية هي سلطة مستقلة ، ويمتنع على السلطتين التنفيذية والقضائية التدخل في شؤونها . ويؤخذ على هذا الاسلوب انه يقود الى محاباة النواب بعضهم البعض وإقصاء الخصوم السياسيين . ولهذا كان هذا الاسلوب مثار اعتراضات عن جدواه وفاعليته . من خلال إدراك الباحث السيد جهاد علي جمعة لأهمية وجود جهة محايدة تبت وتفصل في الانتخابات التشريعية في العراق ، فقد أختار هذا الموضوع لكي يبحث فيه من خلال دراسة مقارنة. وتأتي اهمية هذه الدراسة في كون العملية الديمقراطية في العراق عملية ناشئة ، وليدة ، ولم يقو عودها لحد الآن ولم تترسخ اركانها ، ولا زالت تحبو . مما يتطلب ذلك المزيد من الدراسات في المواضيع التي تثيرها هذه العملية الوليدة ، لتلافي وتذليل أية عثرات أو عقبات تعترض طريقها . جاءت الرسالة في مقدمة ، ومبحث تمهيدي تضمن مفهوم الطعون الانتخابية ، وتحديد معنى هذا المصطلح ، وتمييزه عما قد يشابهه من مصطلحات اخرى ، وتمييزه عن موضوع الفصل في صحة العضوية لمجلس النواب ، وتمييزه أيضا عن مفهوم اسقاط العضوية ، ثم الجهات المختصة بالنظر في الطعون الانتخابية ، كالقضاء ، أوالادارة ، أو الهيئة المستقلة . وانتقل الباحث بعد ذلك الفصل التمهيدي ، الى الفصل الاول من رسالته ليبحث في انواع الطعون الانتخابية وشروطها وآثارها . متنقلا في مختلف جوانب هذه المسألة ، من الطعون التي تسبق عملية التصويت ، وشروطها ،وآثارها ، كتقسيم الدوائر الانتخابية ، وقرار الدعوة للانتخاب ، وجدول الناخبين ، وعملية الترشيح . ثم الطعون اللاحقة على عملية التصويت وشروطها وآثارها . الى الطعون المتعلقة بعملية الفرز ، وإعلان النتائج . منتقلا الى الفصل الثاني ليبحث في الطعون الانتخابية في النظم المقارنة ، فياخذنا في جولة سياحية الى فرنسا (مهد الديمقراطية) . ثم يصل بنا الى بلاد النيل . ليعود بنا الى العراق ، حيث قدم لنا معلومات قيمة عن الطعون الانتخابية في دساتير العراق وقوانينه الانتخابية منذ القانون الاساسي لعام 1925 وحتى دستور عام 1970 . وكان هذا موضوع الفصل الثالث من هذه الدراسة . وقد اختتم هذا الفصل من البحث ليكتب في اجراءات الطعون الانتخابية بعد عام 2003 ، مستعرضا ما ورد في قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، ودستور عام 2005 ، بشأن الطعون الانتخابية ، والتشريعات ذات العلاقة حيث أصبحت لدينا جهة مشرفة على الاعداد والتنفيذ للعملية الانتخابية بمراحلها كافة ، وهي الجهة المختصة بالنظر في الطعون الانتخابية أيضا ، واقصد بها (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات) التي تاسست بموجب القانون رقم (11) لسنة 2007 ، وذلك الى جانب القضاء متمثلا بمحكمة التمييز الاتحادية التي هي الجهة التي ترشح اعضاء الهيئة القضائية ، التي يتم الطعن امامها بالنتائج التي اعلنتها المفوضية المذكورة ، ثم تختص المحكمة الاتحادية العليا بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب . ليختم الباحث دراسته بفرع عن الفصل في صحة العضوية في الانتخابات في ظل دستور عام 2005 . وفي خاتمة الدراسة قدم الباحث خلاصة لنتائج البحث , حيث سلط الضوء على اهم النتائج التي توصل اليها ، ثم حدد اهم المقترحات التي وجد انها مناسبة لوضع نظام قانوني متكامل للطعون الانتخابية في العراق ، بما يضمن نزاهة العملية الانتخابية ، ولكي يكون مجلس النواب الذي تفرزه تلك العملية معبرا تعبيرا حقيقيا عن مكونات العراقيين ، ومرآة تعكس تنوع تركيبة المجتمع ، على مستوى الجماعات الدينية والطائفية والاثنية والقومية ، وعلى مستوى القوى السياسية والاحزاب ، والنساء والرجال ، والفئات الاجتماعية ، والعمرية . وتعكس تمثيلا لمختلف القوى السياسية يوازي حجمها الحقيقي في المجتمع . ومن المهم بعد كل ذلك ان يثق المواطنون بالعملية الانتخابية ، بما يدفعهم الى مشاركة كبيرة وواسعة في الانتخابات . المصدر