أطفأ كل الأنوار ولم يبقَ سوى فانوس واحد يضيء فيه المكان، في ليلة الهلال تلك أراد أن يرقب اشتعال المكان حينما تتقد مع فانوس ارتبط ذكره في شهر الصيام، الفانوس لا يأتي إلا في رمضان، يشتعل طوال الليل ولا ينام طوال النهار، يحرك شغف الأطفال، ويهز ذاكرة الكبار، ويرمم حنين العجائز التي تعرف كيف يكون طعمه في تلك البيوت القديمة والحارات الضيقة.
فانوس واحد يكفي حتى تبتسم، وفانوس واحد يكفي حتى تعيش تلك الحالة الخاصة من الغبطة برمضان، كل فانوس هو رمضان، وكل رمضان يهدي لنا فانوس طريق. فلماذا الفانوس؟.
ووفقا لصحيفة الرياض، تذهب بعض الروايات إلى أنه أول من عرف فانوس رمضان هم المصريون حينما دخل "المعز لدين الله الفاطمي" مدينة القاهرة قادما من المغرب في يوم 5 رمضان عام 358 هجري وخرج المصريون في موكب كبير جدا اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذي وصل ليلتها، حاملين معهم المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة لإضاءة الطريق، حتى انتقلت فكرة الفانوس المصري إلى الدول العربية لاسيما دمشق وحلب والقدس وغزة حتى اصبح جزءا من تقاليد رمضان.
وهناك روايات أخرى تقول بأنه في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي كان محرما على المرأة في القاهرة الخروج في الليل إلا في رمضان للخروج لأداء صلاة التراويح في المساجد ويجب أن تتقدم كل امرأة طفل يحمل فانوسا بيده حتى يعلم الرجال بأن امرأة تسير في الطريق.
وكيفما تعددت الروايات في أسباب ارتباط الفانوس برمضان، إلا أن المعنى الأعمق لإشعال الفوانيس يرتبط بالمعنى الذي يكمن خلف المعنى الظاهر، فتأتي الفوانيس في شهر رمضان وترتبط به وكأن هناك علاقة عميقة لمعنى الضياء الذي يسكن الفانوس ويبقى مشتعلا حتى نهار رمضان، فالفانوس يعني " النور" الذي يخرج من شهر الصيام ليتسرب إلى الروح ويبقى مشتعلا في الضمائر ومبقيا على حياتها في هذا الشهر الكريم، الفانوس ليس فقط هو المظهر التقليدي الذي يعزز من شعبيته لارتباطه بشهر رمضان، بل أنه ذلك الكائن المغلق الذي لا يخرج أي صوت ولكنه يعيش بإحكام شديد على نوره الذي يكبر وينمو حينما يعود المرء إلى ربه ويلتقي العبادة الحية والخالصة لرب رمضان الذي يعوّد النفس على الصبر والجلد من خلال الصيام الذي لا يتجلى فقط في الامساك عن الطعام والشراب، بل في معنى أعمق وهو إمساك الجوارح عن العبث والقلب عن الميل والسلوك عن الظلم والخطيئة.
ولأن الفانوس يشتعل ليضيء الطريق فإن لرمضان ذاك الوهج في اشعال الطريق من جديد أمامنا حتى نقف ونتأمل ونعيد اختيار طريقنا في الحياة، ليس أي طريق سوى الطريق إلى الله والاغتسال عند نبع الصيام الذي يجب أن يهذبنا ويحيي ضمائرنا، لنعاود أن نلمس النور كما هو ذلك النور المتراقص خلف الفانوس.
ولأن الفوانيس الرمضانية ارتبطت بحمل الأطفال لها، ورفعها لتضيء المكان، فكما يحمل الفوانيس الصغار فإنه يتحتم على الكبار أن تلمس الفانوس الذي بداخلها وأن تفركه بأصابعها ليعود ويشتعل من جديد فنتطهر من كل ماعلق بنا قبل أن نأتي ونلتقي شهر الصيام.. إذا الفانوس هنا تجسيد لمعنى يخلص إلى الدرب والعودة والمراجعة والإمساك عن الآخرين وتلمس الاستغفار.. أنه كل تلك المعاني التي تأخذ منا أبصارنا لتمنحنا إبصارنا، تهبنا اليقظة في وقت الغفلة، والسكينة في وقت الخوف.
منقول